لا يصدق كثيرون أن كتابا وصحفيين لا يحصدون قوت يومهم من عمل مستديم أو مؤقت لدى مؤسسات باتت تصارع نهاياتها منذ سنوات، عدا التى اعتمدت منها على المال السياسي وأوهمت العاملين بها بمستقبل لديها.يتعجب نفر كبير من الناس إذا ما رأوا صحفيا يشاركهم زحام المواصلات العامة أو يجاورهم الوقوف فى عربات المترو، وقد يستعرضون إمكاناتهم المحدودة فى مواجهته كنوع من السخرية أو محاولة التقليل من الذات إذا ما جلس فى مقعد "طالب القرب" من عظمتهم، ولو كان أكبرهم مقاما يعمل بمهنة تخفيها بناته عن صديقاتها اعتقادا منهن أنها مهينة.بينما آخرون يقدرون أصحاب الأقلام كأرباب الفرص الممكنة المستمرة فى الصعود المادي على غير موعد، لطالما كان قربهم من دوائر صنع القرار أو ظهورهم إلى جانب مسؤولين مستمرا رغم تقلبات المناخ الاجتماعي والمهني التى اعتمدت نظريات جديدة فى قراءة المشهد كله.كيف يموت فقيرا وهو صحفي؟ سؤال غير بريء تستجدى الفئة المكررة له كل السبل للوصول إلى مرادها منه، أن كل المتاح مباح حتى يرضى أصحاب الفرص العظيمة، والرافضون مجرد حمقى لم يجدوا سبيلا نحو محرمات مستترة، حتى إن بعضهم يرى فى خلفاء الصحفي الشريف أثرياء متكتمين خشية الحسد أو المسائلة من أين لميتهم بما ترك.سرعة الإنجاز دفعت البعض فى مهن شتى وبينها الصحافة والكتابة إلى اقتناص الفرص واعتبار الحرام منها منحة إلهية يعاقب عليها تاركها، وتغيرات شتى طرأت على مؤسسات راقية أنتجت كفاءات باتت عبئا على أصحابها فى زمن السهل المباح.يعلم كثيرون من زملائي أن أسبابا أخرى للرزق بعيدا عن الكتابة سعوا إليها ضمانا لحد أدنى من الاستقرار لذويهم، تقليدا لمعلم أو طبيب أو مهندس أو محام أو محاسب اضطروا فى ظروف مشابهة إلى استثناءات بعيدة عن تخصصاتهم أو متماسة معها ليمتلكوا القدرة على استكمال حياتهم.لكن يبدو أن بريقا أو رونقا للصحافة يجعل أبناءها فى حال أصعب طالما تجنبوا أفعال "الحالنجية"، ويبدو أن المجتمع ذاته يتقبل تحول أرباب المهن إلى غير تخصصاتهم عدا الصحفي.بالفعل أصبحت الكتابة عبئا ثقيلا، يخشى معها أن تتحول المهنة إلى مجرد وجاهة يتحول داخلها هاربون من الظروف المعيشية الصعبة إلى حملة بطاقات هوية غير مطابقة لنشاطهم اليومي، وحقيقة أخشى القول وليس عندى الدليل، بأن عدد هؤلاء فى تزايد، وأغلبهم من أصحاب الكفاءات ولا تستوعبهم مؤسسات الرجل الواحد والعقل الواحد والسياسات الأحادية المنفصلة عن الواقع.كثير من أهل المهن يواجهون أزمة يعيشها الصحفيون، وربما صارت النقابات "المهنية" خاوية على عروشها يوما جراء اعتزال أعضائها وتقديرهم للواقع بما يتفق ورؤية الحكومات المتعاقبة لهم، ولا أظن أن تزايد عدد الهيئات والمجالس الصحفية والإعلامية خدم ظهور حوار بناء فيما بينها حتى الآن لمناقشة هذه القضية، وهى ليست قضية نقابة وحدها.
مشاركة :