منذ سنوات، عُرف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحبه الشديد لموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ولجوئه إليه أحيانًا كبديل للخطابات التلفزيونية التقليدية التي كان يلقيها أسلافه، وأحيانًا كساحة للمعركة مع خصومه وأعدائه، الأمر الذي عرَّض الموقع لانتقادات واسعة لعدم اتخاذه الإجراءات اللازمة حيال تصريحات ترمب اللاذعة.وذكر فيلم وثائقي نشرته شبكة «بي بي سي» البريطانية، يحلل طريقة استخدام ترمب لـ«تويتر»، أن الرئيس الأميركي عرف الموقع وتعلم كيفية استخدامه للمرة الأولى في عام 2009، من قبل مستشار التسويق بيتر كونستانزا الذي عينه ترمب لمساعدته في الترويج لأحد كتبه الذي يحمل اسم «ترمب لا يستسلم أبداً: كيف حولت أكبر تحدياتي إلى نجاح».وقال كونستانزا إنه منذ أن قام بتعريف ترمب بـ«تويتر» انجذب إليه بشدة، وأدرك بسرعة طريقة التعامل معه واستخدامه، ولكن ما جذب انتباهه حقاً هو وجود حساب يحمل اسمه أنشأه شخص مزيف.وأضاف كونستانزا: «أخبرته حينها أننا يجب أن نستخدم اسم (دونالد ترمب الحقيقي) realDonaldtrump، للتفريق بين الحسابين الحقيقي والمزيف، ليوافق ترمب في الحال ويشجع الفكرة».ومنذ ذلك الحين شعر ترمب بأن الموقع أصبح شيئاً أساسياً لنجاحه؛ خصوصاً بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.إلا أن كونستانزا قال إن كثيراً من الناس ينتقدونه بشدة الآن؛ حين يعرفون أنه أول شخص عرَّف ترمب بـ«تويتر»، وتابع: «أذكر أن أحد الأشخاص قال لي: (كيف تنام في الليل؟) وذلك بعد الجدل الشديد الذي تثيره تغريدات الرئيس على الموقع».وأوضح كونستانزا أن «تغريدات ترمب في البداية كانت عادية جداً؛ حيث كان في الأغلب يتحدث عن ظهوره في برنامج تلفزيوني ما، داعياً الناس لمشاهدته»، مشيراً إلى أن المشكلات بدأت بعد أن غادر هو وظيفته كمستشار تسويقي لترمب، وأوضح قائلاً: «منذ ذلك الحين، شجعه بقية مستشاريه على أن يكون أكثر جرأة ومواجهة على الإنترنت، ليبدأ في خوض معارك مع المشاهير».وفي البداية كان ترمب يملي على موظفيه ما يريد قوله ليكتبوا التغريدات نيابة عنه، إلا أنه في عام 2013، قرر كتابة تغريداته بنفسه.ومن بين المشاهير الذين انتقدهم ترمب على «تويتر»، قبل أن يصبح رئيساً لأميركا، الممثل الكوميدي البريطاني راسل براند؛ حيث غرد في عام 2011 قائلاً: «أحب راسل براند؛ لكن كاتي بيري ارتكبت خطأ فادحاً عندما تزوجته. دعونا نرى ما إذا كنت على حق».ونشر ترمب تغريدات تندرج ضمن نظريات المؤامرة؛ حيث ادعى في عام 2012 أن باراك أوباما، رئيس أميركا في ذلك الوقت، لم يولد في هاواي، ولكن في كينيا، ما يجعل رئاسته غير قانونية.إلا أن ترمب تراجع عن هذا الادعاء في 2016 خلال خوضه سباق الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن فريق منافسته هيلاري كلينتون هو الذي نشر هذه الشائعات عن أوباما.ولقد كان هذا الادعاء بداية مشكلات ونزاعات بين ترمب وأوباما؛ حيث غرد الرئيس الأميركي الحالي في 2017 على «تويتر» قائلاً: «رهيب! اكتشفت للتو أن أوباما كان يتنصت عليَّ في برج ترمب قبيل تحقيق النصر».وخلال الانتخابات الرئاسية في 2016، أعاد ترمب إرسال تغريدة على «تويتر»، تظهر زوجة منافسه في الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات تيد كروز عابسة الوجه، إلا أنه عاد واعتذر عن هذه التغريدة في وقت لاحق.كما هاجم ترمب وقتها منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، واصفاً إياها بـ«الملتوية»؛ حيث غرد قائلا: «أوباما يدعم الملتوية هيلاري... إنه يريد أربع سنوات أخرى من أوباما؛ لكن لا أحد يرغب»، الأمر الذي دعا كلينتون وقتها إلى المطالبة بحذف حساب ترمب على «تويتر».واستمرت انتقادات ترمب لمنافسيه في السباق الرئاسي في العام الجاري أيضاً؛ حيث وجَّه الرئيس الأميركي انتقادات لاذعة لجو بايدن، منافسه الديمقراطي في الانتخابات المنتظر عقدها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، مطلقاً عليه باستمرار لقب «جو النائم».بالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما زعم ترمب في تغريداته وجود صلة بين اللقاحات والتوحد؛ حيث كتب في عام 2014: «يذهب طفل صغير سليم إلى الطبيب، ويتم ضخه بجرعة هائلة من اللقاحات التي تسببت في إصابة كثير من الأطفال بالتوحد!».وارتفع عدد متابعي ترمب على «تويتر» بشدة بعد إطلاقه عدداً من التغريدات بشأن الهجرة، وذلك أثناء تخطيطه للترشح للرئاسة؛ حيث وصل عدد متابعيه وقتها إلى مليوني شخص.ومنذ نهاية الشهر الماضي، اندلعت أزمة بين ترمب و«تويتر»؛ حين أصدرت الشركة لأول مرة تدقيقاً في حقيقة بعض تغريدات الرئيس الأميركي. وجاءت هذه الخطوة في شكل علامة تحت اثنتين من تغريدات ترمب، تحدثتا عن أن بطاقات الاقتراع بالبريد عرضة لتزوير شديد.وكُتب على العلامة التي أضافتها «تويتر»: «احصل على الحقائق عن بطاقات الاقتراع بالبريد»، وبالضغط عليها يتم توجيه المستخدمين إلى مقالات إخبارية وقائمة بنقاط بارزة تدحض مزاعم ترمب.لم يرق هذا التصرف لترمب، فقام بتوقيع أمر تنفيذي يستهدف شركات وسائل التواصل الاجتماعي. وقال إن الخطوة تأتي «للدفاع عن حرية التعبير من قبل واحدة من أشد الأخطار التي تمت مواجهتها في التاريخ الأميركي».بعدها وجهت «تويتر» ضربة جديدة إلى تغريدات الرئيس الأميركي، بعدما وصفت إحداها بأنها «تُمجد العنف».وكان الرئيس الأميركي يعلق على أعمال الشغب في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مع تصاعد حدة الاحتجاجات إثر وفاة المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد الذي ظهر في فيديو وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه، بينما يضغط ضابط شرطة أبيض بركبته فوق عنقه.وغرَّد ترمب: «قطاع الطرق هؤلاء يدنسون ذكرى جورج فلويد، ولن أدع ذلك يحدث... تحدثت للتو إلى حاكم مينيسوتا تيم فالز، وأخبرته أن الجيش معه طوال الطريق... سنفرض السيطرة، وعندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار».ووضعت «تويتر» تحذيراً يخفي تغريدة ترمب قبل إمكانية الضغط على علامة الاستمرار لرؤيتها، كما منعت التعليق عليها أو الإعجاب بها، أو إعادة تغريدها، قائلة إن «هذه التغريدة تنتهك قواعد (تويتر) بشأن تمجيد العنف».
مشاركة :