بيروت - كشفت مصادر مصرفية لبنانية أن البنوك المحلية بدأت الاثنين اعتماد سعر صرف جديد للسحوبات النقدية من الودائع بالدولار. وهذا التحرك يعتبر أحدث خطوة تأتي بعد تسجيل سعر صرف الدولار مستويات قياسية في السوق السوداء بلغت نحو 7 آلاف ليرة. واعتبر محللون أن تحركات السلطات النقدية لكبح انهيار الليرة خلال الفترة القليلة الماضية، أعطت نتائج على عكس ما كان متوقعا، وهو ما ينذر بدخول البلاد التي تعاني منذ سنوات من الفساد والبيروقراطية في نفق قد لا تخرج منه. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي جاد شعبان قوله إن “اعتماد المصارف سعر صرف جديدا للسحوبات هو مجرد طريقة لتعويض ما يدينون به للناس. لكن قيمة هذه الأموال عمليّا تتراجع يوميّا، لذا فهم نوعًا ما يخدعون الناس”. ورأى أن المصرف المركزي “يطبع الليرة فقط لتغطية أي نقص في العملات الأجنبية وهذا ما يشكل خطأ فادحا”. ومنذ أشهر، لا يتمكن اللبنانيون من السحب من حساباتهم بالدولار، بينما يمكنهم السحب منها بالليرة اللبنانية فقط على وقع أزمة سيولة حادة وشحّ الدولار. وأكدت ثلاثة مصارف لوكالة الصحاف الفرنسية، تحديد سعر الصرف للسحوبات من الودائع بالدولار بنحو 3850 ليرة بدلا من 3 آلاف ليرة، تطبيقا لتعميمين صادرين عن مصرف لبنان المركزي، فيما سعر الصرف الرسمي مثبت على 1507 ليرات لكافة العمليات النقدية الأخرى. وفقدت الليرة حوالي 75 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر الماضي، عندما انزلق لبنان إلى أزمة أدت إلى فقدان الوظائف وارتفاع الأسعار مع فرض قيود على رؤوس الأموال مما جعل من الصعب على اللبنانيين الحصول على مدخراتهم من العملات الصعبة. ومع وجود مصادر قليلة لتدفقات الدولار الجديدة، سعى المركزي إلى تثبيت سعر الدولار في دور الصرافة من خلال تحديد سعر موحد لها كل يوم مع توقيع عقوبات قانونية للتجار الذين يبيعون بأعلى من هذا السعر. وجرى تحديد تحرك سعر الدولار في السوق الرسمية الأسبوع الماضي، ما بين 3850 و3900 ليرة ضمن المخطط، لكن يبدو أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة. ومنذ سبتمبر الماضي، فرضت المصارف قيودا مشددة على سحب الأموال خصوصا بالدولار، ما أثار غضب المودعين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن سحب أموالهم بعد تحديد سقوف تضاءلت تدريجيّا. وبعد بدء تفشي فايروس كورونا المستجد في مارس الماضي، توقّفت المصارف كليّا عن تزويد زبائنها بالدولار بحجة عدم توفّره جراء إقفال المطار، الذي سيعاود فتح أبوابه مطلع الشهر المقبل. وطلب المركزي في أبريل الماضي، من المصارف تسديد سحوبات الزبائن من ودائعهم بالدولار بالليرة وحددت المصارف سعر الصرف بثلاثة آلاف ليرة. ومع الانهيار المتسارع لقيمة العملة المحلية، أطلق المركزي منصّة إلكترونية بدأ العمل فيها الجمعة الماضي، في محاولة للجم سعر الصرف لدى الصرافين. وتحدّد نقابة الصرافين يوميا سعر بيع الدولار وشرائه. لكن تلك الإجراءات لم تتمكن من ضبط السوق السوداء حيث لامس سعر الصرف الإثنين الثمانية آلاف مقابل الدولار، وفق صرافين. ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، تسبب بارتفاع معدّل التضخّم وجعل قرابة نصف السكّان تحت خط الفقر. ويعقد مسؤولون لبنانيون اجتماعات منذ أسابيع مع ممثلين عن صندوق النقد الدولي، أملاً في الحصول على دعم خارجي يقدّر بأكثر من 20 مليار دولار لإخراج لبنان من دوامة الانهيار المتمادي، من دون إحراز أي تقدّم. وقالت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا الأسبوع الماضي إنّ المحادثات مستمرة، لكنّ “جوهر الموضوع هو ما إذا كان يمكن تحقيق إجماع في البلاد من شأنه المضي قدما في رزمة إجراءات قاسية لكنها ضرورية”. وأضافت “لا نملك سببا بعد للقول إن هناك اختراقا” تم تحقيقه. وفي مؤشر على التخبّط داخل الإدارة اللبنانية، العاجزة حتى عن الاتفاق على أرقام موحّدة لحجم الخسائر المالية، أعلن مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني الاثنين تقديم استقالته من منصبه. وقال بيفاني، الذي يتولى منصبه منذ عقدين، وهو عضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان وفي الفريق المفاوض مع صندوق النقد لقناة “الجديد” التلفزيونية إن استقالته جاءت “اعتراضا على طريقة تعاطي الحكم مجتمعا مع الأزمة”. وفي منتصف هذا الشهر، قدّم عضو لجنة التفاوض مع صندوق النقد هنري شاوول استقالته كمستشار في خطوة بررها بإدراكه “أن لا إرادة حقيقية للإصلاح أو لإعادة هيكلة القطاع المصرفي”، رغم التزام الحكومة بهذا البند في خطتها الإنقاذية.
مشاركة :