لم يكن العراق أبداً مكاناً سهلاً للأطباء، واليوم مع تأخير في دفع الرواتب ونقص الإمدادات وعنف أقرباء بعض المرضى، بات النظام الصحي المنهار أصلاً في البلاد، على حافة الكارثة، في خضم تفشي وباء «كورونا». يقول الطبيب محمد الذي يعمل في أحد مستشفيات بغداد لمعالجة مصابي وباء «كورونا»: «نحن حالياً في وضع الانهيار». ويضيف الطبيب بعدما عمل 48 ساعة متتالية: «لا أستطيع العمل أكثر من ذلك. لم أعد قادراً على التركيز على الحالات والمرضى». أمام مستشفى علي ناجي في محافظة السليمانية، يصطف العشرات من السكان في طابور لإجراء فحص «كورونا»، لكن الفريق الطبي في الداخل كان أقل بكثير من المعتاد بسبب إضراب البعض. وعلى غرار السلطات المركزية في بغداد، تكافح حكومة إقليم كردستان لدفع رواتب موظفي القطاع العام حالياً جراء انهيار أسعار النفط والركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة. وكان لذلك تأثير مدمر على الموظفين في المرافق الطبية المملوكة للدولة، الذين لم يستلموا رواتبهم منذ شهرين.نظام متهالك وأعلن الآلاف من العاملين المنهكين في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية بداية الشهر الحالي، أنهم سيتوقفون عن معالجة الحالة غير المصابة بالفيروس. يقول نقيب الأطباء في السليمانية هاوزين عثمان لفرانس برس: إن «20 ألف طبيب وممرض على الأقل يشاركون بهذا الإضراب الجزئي في الإقليم». من بينهم 800 طبيب انضموا خلال الأسبوعين الماضيين، تزامناً مع تسجيل كردستان العراق ارتفاعاً في حالات «كورونا». شيفان كردة (30 عاماً) هو واحد من هؤلاء. ويقول هذا الطبيب الذي يمثل الأطباء المقيمين في السليمانية: «نعمل لنوبات عشر ساعات يومياً، ولكن فقط لعلاج مرضى كورونا». لدى كردة أجور ثلاثة أشهر مستحقة منذ العام 2019، كما أنه له راتبي أبريل ومايو من العام الحالي. ودأبت السلطات الصحية في كل أنحاء العراق على انتقاد حالة المستشفيات المتداعية منذ فترة طويلة، والتي أنهكتها سنوات الحرب ونقص الاستثمار والفساد الذي استنزف الأموال المخصصة لتأمين معدات جديدة. ويعد العراق أيضاً بيئة خطيرة للأطباء، حيث من المعروف أن عائلات المرضى تهدد الطواقم الطبية، أحياناً بالقتل، إذا ما تدهورت حالة أقربائهم. والأسبوع الحالي، أعلنت نقابة الأطباء العراقيين إضراباً في محافظة ذي قار الجنوبية، بعد اعتداء طال طبيبة من قبل أقرباء أحد المرضى.مسألة وقت في شمال العاصمة، يقول عدد من الأطباء المعالجين لحالات «كورونا»، إنهم وزملاؤهم باتوا على حافة الإرهاق، من دون أي تعويض عن العمل الإضافي. ويلفت الطبيب عمار فلاح (27 عاماً) إلى أنه لم تكن هناك مكافآت مادية خلال التظاهرات الشعبية في أكتوبر ولا خلال الاستنفار في الحرب ضد تنظيم داعش. ويضيف: «فهل تتوقعون أن الراتب سيزيد على عدد الساعات الإضافية التي نقضيها الآن؟». يقول فلاح، إن مستشفى الكندي التمريضي حيث يعمل، يوزع فقط خمس كمامات من نوع «أن 95» لكل طبيب شهرياً. ولكن مع التفاعل الكبير مع المرضى المصابين، يقول فلاح إنه بحاجة إلى تبديل الكمامة مراراً، وعليه بدأ في استخدام راتبه الشهري البالغ 750 دولاراً لشراء معدات الوقاية. ويردف: «إذا زادت ساعات العمل أو زاد عبء العمل، سنضرب عن العمل أيضاً». وفي مستشفى آخر في بغداد، يقر الطبيب وائل (26 عاماً) بأن حالته الذهنية كانت تتدهور. يقول: «قبل كان التنفيس عن ضغط العمل هو بالخروج ورؤية الأصدقاء والأهل في أوقات العطل، ولكن أصبحت أرجع من مستشفى الحجر لأحجر نفسي في غرفتي في البيت». ويشير إلى أن خوفه الأكبر مع زملائه هو نقل العدوى من مرضاهم إلى عائلاتهم، ومع معدل الإصابة السريع، قد يصبح أسوأ كوابيسهم واقعاً. ويقول وائل: «لقد ظهرت عليّ العوارض لمدة شهر، ولكن طلب مني الاستمرار في العمل. الإصابة هي مسألة وقت للجميع». تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :