الدكتور محمد حمزة الحداد يكتب: السيسي والتجربة التاريخية

  • 7/1/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من المعروف أن التاريخ يشمل الماضي والحاضر والمستقبل جميعًا فهو نهر الحياة المتدفق الجاري المتجدد بما تأتي به منابعه وما تأتي به روافده. والأمم تحمل معها ماضيها إلى حاضرها وتحمل ماضيها وحاضرها إلى مستقبلها وليس أدل على، ذلك من أن تراث الماضي هو جزء أصيل من حاضر الأمة وبالتالي مستقبلها في ذات الوقت، والتجربة التاريخية لأي أمة لا تموت ولا تتلاشى. وبمناسبة احتفالات مصر بثورة ٣٠ يونيه للشعب المصري، ومرور ست سنوات على رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمصر، كان لابد من رصد لتلك الفترة وربطها بالتجربة التاريخية لمصر. والحق أن ما فعله السيسي من إصلاحات وإنجازات يلحظ تطورًا كبيرًا ملموسًا وتغيير كبيرًا في واقع مصر المعاصرة الذي انتقل من حال إلى حال ومن الوضع الإستاتيكي الثابت إلى وضع الديناميكية المتحرك في شتي المجالات. ومن المظاهر الدالة على ذلك الإصلاح الاقتصادي والحماية الاجتماعية والتأمين الصحي وقناة السويس ومحورها والإسكان الاجتماعي والكهرباء والطاقة والطرق والكباري والأنفاق وغير ذلك من المشروعات القومية العملاقة وكذلك انتشار الأمن والأمان ومحاربة الإرهاب الأسود وتأمين حدود مصر وأمنها القومي وغير ذلك مما يضيق المقام بحصره. هذا غيض من فيض وقليل من كثير وسوف نعود إليه تفصيلا في ما بعد ويضاف إلى هذا وذاك الرؤية الثاقبة لسيادته لإعادة بناء الإنسان المصري من خلال ثلاثية التعليم والصحة والثقافة وذلك منذ بداية الفترة الرئاسية الثانية. وهنا يثور تساؤل مهم لابد من طرحه وهو كيف استطاع السيسي أن يحقق ذلك خلال تلك السنوات الست القليلة؛ علما أن إعادة بناء الأوطان وتحقيق مثل تلك الطفرات يحتاج إلى ما لا يقل عن ربع القرن وربما يزيد. والإجابة على هذا السؤال المهم تكمن من وجهة نظري كمصري محب لوطنه أولًا وكمؤرخ لتاريخه وحضارته ثانيًا أن السيسي لديه فهم عميق وإدراك عال بعلم التاريخ ونظرياته وفلسفته سواء بالنسبة للتاريخ العالمي عامة أو تاريخ مصر وتجربتها التاريخية خاصة. وليس أدل من إدراك السيسي لتجربة مصر التاريخية منذ عصر محمد علي وحتى قبيل فترة رئاسته من أنه نجح نجاحًا كبيرًا في ما يتعلق بأركان أو أعمدة الشخصية المصرية ودوائر التحرك المصري. فقد استطاع أن يحدد موقف مصر من العالم المحيط ومن ثم سلم أولوياتها في دوائره المختلفة أي دوائر تحركها في العالم التي تتميز من حيث طبيعتها عن دوائر شخصيتها الحضارية كما صاغها تاريخها المفرد بين الأمم. ومن ثم تحرك حول المحاور التي تحددها المصلحة الوطنية والأمن القومي بدءً من القاعدة الراسخة التي لم ولن تهتز وهي التي انصهرت فيها دوائر الشخصية المصرية أي أركان دوائر شخصية مصر الفرعونية المسيحية الإسلامية العربية الأفريقية المتوسطية، وكلها في إطار الشرق الحضاري الواسع. وهكذا نجح السيسي في الإمساك بمفاتيح أركان ودوائر الشخصية المصرية في محيطها العربي والأفريقية والإسلامي والعالمي ومن هنا استردت مصر مكانتها واستعادت شخصيتها وهويتها لأنها لم تكتفي يوم من الأيام ولن تكون أبدًا أمة مهاجرين ولا دولة مرحلية على حد قوله. كما أن السيسي لم يلجأ إلى أسلوب المسكنات في حل المشاكل الموروثة ولجأ إلى أسلوب الإرادة والتحدي أو التحدي والاستجابة على حد قول توينبي وهذا الدور من أدوار الحضارة وبناء الأمم يحتاج إلى قاده وزعماء من طراز خاص وإلى حلول ابتكارية وإبداعية وهذا هو ما فعله السيسي. والحق أن ما فعله السيسي وما تحقق على يديه لم ينشأ من فراغ حيث أنه اعتمد على الأساس الراسخ للتجربة التاريخية المصرية منذ بدايات القرن الـ ١٩الميلادي وما تلاها. فقد نجح في إعادة تنظيم البنية الأساسية في مصر بالاستفادة من مكوناتها الأصلية وقدرات أبنائها مع الاستعانة بالخبرة الأجنبية كلما أمكن ذلك، وجاء نسق الإصلاح ملبيًا للظروف الموضوعية للمجتمع المصري. ولوكان المجتمع المصري تقليديًا راكدًا مضمحلًا لما كان بمقدور السيسي أن يصنع المعجزات فيحدث التقليدي ويحرك الراكد ويستنهض المضمحل ولكنه أعاد ترتيب ما لديه من أوراق من جهة وإدراكه للبعد المجتمعي الثقافي وكذا الإنساني لحركات الإصلاح الملحة من جهة أخرى، وتطبيق مبادئ الإدارة الحديثة وإدارة الوقت من جهة ثالثة واتباع سياسة الإرادة والتحدي أو التحدي والاستجابة من جهة رابعة. كل ذلك كان وراء حجم الإصلاحات والإنجازات غير المسبوقة التي شهد ويشهد عليها القاصي والداني والأعداء قبل الأصدقاء وهو الأمر الذي بات واضحًا أنه إن دل على شئ فإنما يدل على أن مصر والمصريون قادمون بقوة خلال السنوات العشر القادمة. وهو ما سبب الفزع والرعب لدى الأعداء سواء الظاهرين والمعروفين على الساحة كما لا يخفى أو الأعداء المستترين وهم الأخطر ولذلك لابد من إثارة القلاقل والشائعات والتشكيك في حجم ما أنجز من جهة واختلاق مشاكل وقضايا مرتبطة بالأمن القومي المصري سواء ما يتعلق بالحدود المصرية من جهة أو الأمن المائي من خلال مشكلة سد النهضة الإثيوبي ولكن مصر بعون الله وتوفيقه وصلابة شعبها وتماسكه وثقته في قيادته السياسية وقدراتها سوف تكون حجر عثرة وصخرة تتكسر فوقها وتهوي عندها كل هذه المحاولات البائسة وتلك حقيقة تاريخية يعلمها العالم أجمع. وهكذا فإن التجربة التاريخية عند السيسي تعني أنه درس الماضي ليفهم الحاضر ودرس الحاضر ليستطيع توجيه المستقبل وعلى أساس من فهم الحاضر وسياساته واتجاهات يمكن تصور المستقبل وحسابه وتوقعات وهو ما يسمى بالتخطيط للمستقبل وهذا هو المعمول به في الدول الكبرى أو العظمى ومنها أمريكا على سبيل المثال.وحددت الولايات المتحدة أربع مواد دراسية أطلقت عليها اسم مواد التحدي وهي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ والمؤرخ راوزي أرجع انتصار تشرشل في الحرب العالمية الثانية إلى كونه مؤرخًا وإلى تمكنه من معرفة الحوادث التاريخية معرفة تامة ولهذا كله نراه يستطيع التنبؤ بأحداث المستقبل فلم يذعن لهتلر كما فعل سابقه تشامبرلين الذي كان على جهل تام بحوادث الماضي فمني لهذا بفشل ذريع.ولذلك يفضل أن يستحدث منصب مستشار الرئيس للشئون التاريخية أو الثقافية أسوة بما كان متبعًا في العالم من قبل ونفس الشئ بالنسبة لرئيس الوزراء وكذلك الوزراء والمحافظين ورؤساء الجامعات وبعد هنيئًا لمصر بقيادتها السياسية الواعية وبما تحقق على يديها من إصلاحات وإنجازات خلال تلك الفترة القصيرة.. وتحيا مصر.

مشاركة :