على الرغم من خوف المصريين من الإصابة بكورونا، فإنهم لم يفوّتوا على أنفسهم فرصة زيارة قصر البارون إمبان، مندفعين بالرغبة في استكشاف مكان ظل مهملا لعقود وذلك لرؤيته من الداخل والتحقق من الحكايات المتداولة حوله. القاهرة – بعد أكثر من مئة عام على تشييده دبت الحياة من جديد في قصر البارون إمبان الذي كان أول بناء يعلو في ضاحية “هليوبوليس” أو ما عُرف لاحقا بحي “مصر الجديدة” الراقي في القاهرة وذلك بعد خضوعه لعملية ترميم عصرية شاملة أعادت له رونقه وسحره. وبدأ الزائرون، الثلاثاء، في التوافد على القصر الذي ظل مهملا لعقود لرؤيته من الداخل والتعرف أكثر على حكايات ساكنيه والتحقق من بعض الحكايات الغامضة التي دارت حوله. وتعود ملكية القصر الذي بدأ تشييده في 1907 وانتهى العمل فيه عام 1911 لرجل الصناعة البلجيكي إدوارد إمبان. وكان البارون إمبان حصل على امتياز من الحكومة المصرية لإنشاء ضاحية هليوبوليس واشترى ستة آلاف فدان لإقامة مشروعه الجديد الذي شاركه فيه بوغوص نوبار ابن رئيس وزراء مصر نوبار باشا. وأقام القصر في قلب الضاحية الجديدة وصمّمه له المهندس الفرنسي ألكسندر مارسيل فكان من أوائل المباني التي شيدت باستخدام الخرسانة المسلحة في مصر، ويتكون من قبو وطابقين فوق الأرض وتزيّنه تماثيل وزخارف مستوحاة من الحضارة الهندية وبعض التماثيل الإغريقية. وبعد وفاته ظلت روح البارون إمبان معلقة بالقصر، إذ أوصى بدفنه في كنيسة البازيليك الواقعة على بعد كيلومتر واحد فقط، ومن بعده دفن أيضا ابنه جان في الكنيسة ذاتها عام 1946. وظل القصر في حوزة ورثة البارون إمبان حتى خمسينات القرن الماضي حين طرح للبيع بالمزاد العلني بجميع محتوياته، وفي عام 2005 عوضت وزارة الإسكان ملاك القصر بأرض في القاهرة الجديدة وآلت مسؤوليته في 2007 إلى المجلس الأعلى للآثار. وفي منتصف 2017 بدأ مشروع ضخم لترميم القصر وإعادته لسابق هيئته بهدف الحفاظ عليه كأثر مميز مر عليه أكثر من 100 عام وكذلك إتاحته للزيارة كمعلم ثقافي وسياحي. وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري إن تكلفة الترميم بلغت نحو 10.9 مليون دولار بالتعاون مع سفارة بلجيكا في القاهرة وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير ومكتبة الإسكندرية وجمعية مصر الجديدة الأهلية وتنفيذ شركة المقاولون العرب والهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وأضاف أن أعمال الترميم شملت معالجة الألواح الخرسانية المسلحة بأسقف القصر وتنظيفها من الصدأ، ومعالجة الشروخ في الجدران عن طريق الحقن، ونزع أرضية الفسيفساء من السطح ومعالجتها في المعامل ثم إعادة تركيبها، واستكمال الأجزاء المفقودة من الزخارف الجصية، وإزالة طبقات الطلاء الحديثة والغبار إضافة إلى تركيب أسلاك كهربائية جديدة. ولازمت القصر منذ إنشائه بعض الحكايات والقصص غير الحقيقية بسبب الزخارف الفريدة التي تزينه وكانت غير مألوفة في مصر وقت تشييده من بينها أن برج القصر يدور 360 درجة بغرض تقديم عرض بانورامي من جميع الاتجاهات وكذلك أن المبنى بكامله يلف في اتجاه دوران الشمس بينما راجت شائعات بأن المهندس الذي شيّده استعان بالحيل السحرية لإنهاء العمل نظرا لإقامته على الطراز المعماري الهندي. ومن بين الحكايات التي تداولها سكان حي مصر الجديدة لعقود وجود ممرات وأنفاق سرية تحت القصر منها ممر يربطه بكنيسة البازيليك المدفون بها البارون إمبان لكن وزارة السياحة والآثار فندت كل هذه الشائعات. وفي التسعينات قال بعض السكان حول القصر إنهم يسمعون ليلا الأصوات والصرخات والموسيقى تصدر من داخله، وبعد تدخل أجهزة الأمن تبين أن بعض الشبان كانوا يتسللون ليلا للقصر المهجور لإقامة حفلات سرية. ورغم وضع ضوابط وقائية صارمة للزيارة بسبب تفشي كورونا استقبل القصر في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء العشرات من الزائرين.
مشاركة :