أزمة ميشال عون... وأزمة المسيحيين | مقالات

  • 7/10/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت تزداد تعقيدات الوضع الإقليمي، خصوصا في سورية، يعمل النائب المسيحي ميشال عون على تحويل أزمته إلى أزمة مسيحية، بل لبنانية. ينسى ميشال عون أن لبنان في غنى عن أزمات جديدة وأن أزمته ذات طابع شخصي. أزمة ميشال عون مرتبطة أساساً بتقدّمه في السنّ أولاً، كما أنّها أزمة عائلية عائدة إلى طموحات اثنين من أصهاره. فوق ذلك، إنّها أزمة مرتبطة بالتيّار السياسي الذي يقف على رأسه، أي «التيّار الوطني الحر» الذي يسمّيه الناس التيّار «العوني». يُفترض في ميشال عون، استيعاب أنّه لن يكون في استطاعته هذه المرّة تحويل أزمته إلى أزمة المسيحيين...أو إلى أزمة وطنية. إذا كان من وصف دقيق للمرحلة التي يمرّ بها المسيحيون الآن، فهذا الوصف هو أن ما نشهده هو أزمة وراثة ميشال عون التي يحاول حلّها على حساب لبنان واللبنانيين، خصوصا على حساب المسيحيين. من يرث ميشال عون داخل العائلة ومن يرثه على رأس «التيار» الذي انتهى أداة لدى أداة ايرانية اسمها «حزب الله»؟ في ظلّ التطورات الإقليمية التي تهدْد الكيانين السوري والعراقي والمخاطر التي يتعرّض لها المسيحيون خصوصاً والأقليات عموماً في هذين البلدين المفكّكين، يبدو مسيحيو لبنان بألف خير. هذا أمر نسبي طبعاً. ما يهدّد المسيحيين بالفعل هو حليف ميشال عون. هذا الحليف ذهب يقاتل في سورية. انضم إلى الحرب التي يشنّها نظام أقلّوي على شعبه. هل فكّر ميشال عون ولو للحظة في النتائج التي ستترتب على مشاركة «حزب الله» من منطلق مذهبي بحت، على العلاقة المستقبلية بين سورية ولبنان، أو على الأصح بين ما سيبقى من سورية ولبنان؟ هل سينسى المواطنون السوريون أن فريقاً مذهبياً لبنانياً شارك في إبادتهم بغطاء من مسيحي لبناني اسمه ميشال عون؟ في حال كان ميشال عون حريصاً بالفعل على المسيحييين في لبنان، لكان أوّل ما فعله المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. من حقّه طبعاً الترشّح ليكون رئيساً، ولكن ما العمل عندما تكون هناك أكثرية في مجلس النوّاب تعترض على أدائه من منطلق أنّه مجرّد أداة لدى «حزب الله» من جهة وأن ماضيه لا يطمئن اللبنانيين إلى مستقبلهم. وعد في أثناء وجوده في قصر بعبدا، كرئيس لحكومة موقتة، بين 1988 و 1990 بأنّه سيكون آخر من يغادر القصر الرئاسي. انتهى الأمر بأنّه كان أول الهاربين تاركاً الجيش السوري يدخل قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية، للمرّة الأولى منذ استقلال البلد. تكمن مشكلة ميشال عون في أنّ مستقبله صار وراءه. لا يريد الاعتراف بذلك. الرجل على استعداد لتدمير لبنان على رؤوس أبنائه في حال لم يصل إلى رئاسة الجمهورية. نسي حتّى أنّه نجح في أثناء وجوده في قصر بعبدا، بعد خوضه حربي «التحرير» و«الإلغاء»، في تهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. الأرقام تؤكّد ذلك. والأرقام لا تخطىء. إنهّا اللغة الوحيدة التي لا يختلف اثنان في شأنها. ليس ذنب اللبنانيين أن ميشال لم يستطع أن يكون في يوم من الأيّام رجل دولة، وحتّى ما يشبه ذلك. هذا لا يعني تجاهل أن لـ«الجنرال»حيثية ما. وهذا عائد إلى سببين. الأوّل أنّ «حزب الله» أمّن له في انتخابات العام 2009 أن يكون على رأس كتلة نيابية كبيرة. في كلّ منطقة لبنانية نجح فيها نوّاب تابعون لميشال عون، كان الفضل في ذلك للحزب الإيراني الذي حوّل الطائفة الشيعية، في معظمها، رهينة لديه. معظم نوّاب ميشال عون انتخبوا بأصوات شيعية وليس بأصوات مسيحية. كذلك، لا يمكن تجاهل أصوات حزب الطاشناق الأرمني الذي هو في إمرة طهران لأسباب كثيرة معروفة جيّدا، بل أكثر من اللزوم، من الذين يتابعون العلاقة بين إيران وأرمينيا والأرمن... أمّا السبب الآخر الذي يجعل لميشال عون حيثية، ففي أساسه كمّية الانتهازيين المحيطين به، وهؤلاء انتهازيون من سقط المتاع يخجل المرء حتّى من ذكر أسمائهم صاروا نواّبا ووزراء. كذلك، يستفيد ميشال عون من الجهل الذي يعاني منه مسيحيون كثر، وهو جهل عائد قبل كلّ شيء إلى التعصّب الأعمى لدى أبناء الطبقة المسيحية ما دون الوسطى التي تشكّل العمود الفقري لـ«التيار». هذا التعصّب الأعمى جعل كلّ من ينتمي إلى «التيّار» أو يسمّي نفسه بـ «العوني» يعاني من عقدة اللبناني السنّي أو الدرزي. لا يريد «العوني» رؤية التحوّل الكبير الذي طرأ على أهل السنّة في لبنان، خصوصا منذ اغتيال النظام السوري بأدوات إيرانية الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. مع تجاوزه الثمانين، يجد ميشال عون نفسه في حال لا يحسد عليها. صار أشبه بفيل هائج وُضع في غرفة من زجاج. استطاع الحزبان المسيحيان الآخران اللذان يمتلكان قواعد في معظم المناطق اللبنانية ضمان مستقبلهما. استطاع الرئيس أمين الجميّل توريث نجله سامي على رأس «الكتائب». يمثّل سامي الجميّل نوعاً من الاستمرارية لدى حزب عريق ارتبط اسمه بقيام الجمهورية اللبنانية والاستقلال. أمّا حزب «القوات اللبنانية»، فلم يعانِ من مشكلة التوريث، أقلّه إلى الآن. وهذا عائد أساساً إلى أنّ الدكتور سمير جعجع لا يزال في عمر يسمح له بممارسة السياسة وإدارة شؤون الحزب طويلاً. فضلاً عن ذلك إنّ «إعلان النيات» الذي الذي توصل إليه «التيّار» و«القوات» أخيراً يزيل أي ذريعة ذات طابع عدائي لدى العونيين الذين لديهم حساسيات تجاه سمير جعجع. هناك جانب أخير من الأزمة التي يعاني منها ميشال عون. يتلخّص هذا الجانب في من يرث ميشال عون. إذا كان من صراع حالياً بين سمير جعجع وسامي الجميّل، فإنّ محور هذا الصراع هو تركة ميشال عون. من المؤهل أكثر من غيره بين الاثنين للأخذ من هذه التركة؟ يصعّد ميشال عون ويهدّد بالنزول إلى الشارع. ينسى أنّه لم يكن يوماً سوى أداة استخدمها النظام السوري أيّام حافظ الأسد لتدمير مناطق المسيحيين وتهجيرهم ووضع كلّ لبنان في جيبه وتنفيذ اتفاق الطائف بالطريقة التي تناسبه. حدث ذلك، بعدما دخل ميشال عون في حرب مسيحية ـ مسيحية وبعدما سهّل اغتيال الرئيس رينيه معوّض في خريف العام 1989، إذ منعه من الوصول إلى مكان آمن هو قصر بعبدا. تركه فريسة للقتلة، أي تحت رحمة الأجهزة السورية التي كانت منتشرة وقتذاك في بيروت. قد تكون هناك فائدة أخيرة لميشال عون. التصعيد الذي يمارسه يمنع انتخاب رئيس للجمهورية ويربك الحكومة. إنّهما هدفان من أهداف «حزب الله» الذي وضع نصب عينيه تغيير النظام في لبنان من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين...إلى المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنّة. هل أفضل من ميشال عون يؤدي الدور المطلوب منه، وهو دور يساعده أيضا في الهرب من أزمته الداخلية بجوانبها المتعددة. هذه الأزمة أزمة ميشال عون وليست أزمة المسيحيين في لبنان. لن يكون في استطاعته، في أيّ شكل، إيجاد حلّ لها بتحويلها إلى أزمة حكومية أو أزمة مسيحية أو أزمة وطنية. عمره لا يسمح له بذلك!

مشاركة :