بعد نجاح العلماء في اكتشاف عقار «الديكساميثازون» في خفض الوفيات بين المصابين بفيروس كورونا، نتيجة فعاليته في خفض درجة الالتهاب وتحجيم رد فعل المناعة المعروف بـ«العاصفة المناعية»، والذي كان بحد ذاته سبباً رئيسياً للوفيات، اتجهت أنظارهم إلى مشكلة أخرى من المضاعفات الخطيرة للإصابة بكورونا، وهي تجلط أو تخثر الدم. ويتضح حجم هذه المشكلة من حقيقة أن 30 في المئة من المرضى المحجوزين في المستشفيات بسبب كورونا، يعانون من جلطات دموية خطيرة للغاية، وفي رأي البعض أن هذه النسبة قد تصل إلى 50 في المئة. وليس من الواضح ما إذا كان تدهور حالة المريض وإصابته بمضاعفات شديدة، هو السبب في تكون جلطات الدم تلك، أم أن العكس هو الصحيح. بمعنى أن تكوّن جلطات الدم هو السبب في تدهور حالة المرضى والحاجة لحجزهم في المستشفيات وداخل أقسام العناية المركزة. وتنقسم جلطات الدم لدى مرضى كورونا إلى نوعين: الأول هو جلطات صغيرة ومتعددة تنتشر بين أنسجة الرئة على وجه الخصوص، والثاني هو ما يعرف بجلطات الأوعية الدموية العميقة. وتتسبب هذه الجلطات، سواء أكانت بسبب كورونا أم غيرها، في وفيات، نتيجة الذبحة صدرية أو السكتة دماغية، إذا ما تحركت من مكانها، وتسببت في انسداد شريان صغير حيوي يغذي عضلة القلب أو خلايا المخ. وليس من المعروف، حتى الآن، السبب في تجلط الدم بهذا الشكل لدى المصابين بكورونا، وإن كانت شكوك العلماء تتجه نحو حالة الالتهاب العامة، مما يؤدي إلى خروج فيضان المواد الكيميائية والهرمونات من الخلايا والأنسجة إلى مجرى الدم، مما يزيد من لزوجته ويساعد على تجلطه. ويعتمد العلاج حالياً على طائفة العقاقير المميعة للدم، وإن كان هذا العلاج يحمل في طياته خطر التسبب في نزف داخلي قاتل. ولذا يسعى الأطباء حالياً للوصول إلى الجرعة المثالية من مميعات الدم، التي تمنع تجلطه وتضمن سيولته، دون أن تتسبب في نزف داخلي. بينما يسعى فريق آخر إلى محاولة فهم التغيرات الكيميائية والهرمونية التي تتسبب في زيادة لزوجة الدم وتخثره، ومنع حدوثها، أو على الأقل عكس مسارها. وتتجه أنظار العلماء في هذا المجال إلى عقار (TRV027) الذي يمكنه تنظيم الهرمونات المرتبطة بضغط الدم، وضبط توازن الماء والأملاح في الجسم. وقد نجح هذا العقار في منح مكتشفه جائزة نوبل في الطب عام 2012. وبالفعل، بدأت عدة دراسات باستخدام عقار (TRV027) لبيان فعاليته في وقف تجلط الدم، وبالتالي خفض الوفيات الناتجة عن هذه الحالة، وإذا ثبت ذلك، فسيكون نجاحاً آخر يضاف إلى النجاح الذي حققه عقار «الديكساميثازون» في خفض الثمن الإنساني للوباء الحالي. *كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية
مشاركة :