التجارة الإلكترونية إحدى أهم ثمار الثورة التكنلوجية التي جعلت العالم قرية صغيرة تدار بكافة مراحلها بداية من تحديد احتياجات المستهلكين مروراً بالعرض والتسويق والشراء وانتهاء بتسليم المنتج بل وتقديم خدمات ما بعد البيع، سوق واحد في قرية واحدة يضم العالم أجمع. لم تعد التجارة الإلكترونية كسابق عهدها خياراً ثانوياً للمستهلك، بل ستكون الخيار الأول والسوق المقصد في جميع قرارات الشراء، وقد يكون سلاحا ذا حدين، فكما أن لها فوائد عديدة تعود بالنفع على جميع الأطراف بما هي محور أساسي في جودة الحياة لدى المستهلك، ومصدرا من مصادر التوظيف، وبما لها من دور في تحقيق كفاءة الإنفاق في الأعمال التجارية، إلا أنها قد تؤثر سلباً على الإنتاج المحلي والأسواق المحلية، والبطالة والجريمة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. وقد تنبهت حكومتنا الرشيدة لذلك فأطلقت عددا من المبادرات الهادفة إلى تطوير التجارة الإلكترونية التي تعد أحد أهم برامج التحول الوطني الداعم لرؤية المملكة 2030. ففي العام 2019 صدر نظام التجارة الإلكترونية والذي يتكون من 26 مادة نظامية، توفر الحماية اللازمة للتعاملات التجارية الإلكترونية من الغش والخداع والتضليل والاحتيال بما يحفظ حقوق جميع الأطراف، كما أطلقت وزارة التجارة منصة «معروف» الإلكترونية التي تعد مرجعا مهما للمتسوق في السوق الإلكتروني؛ لتحديد موثوقية المتاجر الإلكترونية وتساعد الباعة أيضا على تحقيق الانتشار المطلوب للتسويق لمنتجاتها، وشاهدنا صرامة الحكومة السعودية في حفظ حقوق المتسوق الإلكتروني داخل المملكة، من خلال حجبها لعدد من المتاجر المحلية والعالمية غير الملتزمة بالوفاء بحقوق المستهلكين. بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه وزارة الاتصالات ووزارة النقل من خلال تطوير وتنمية البنية التحتية الرقمية واللوجستية وذلك لنشر التجارة الإلكترونية خارج المدن الأساسية داخل المملكة، لجعل هذا القطاع أكثر جاذبية لرواد الأعمال، ولا سيما بالدور الذي تقوم به أيضاً منظومة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من خلال إنشائها لشركة عمل المستقبل المعنية بدراسة الوظائف المستقبلية والتنبؤ بها وتدريب الكفاءات لسد ذلك الاحتياج الوظيفي من الكوادر الوطنية. جهود متكاملة تعكس أن هذا العمل ليس عشوائياً بل إنه عمل استراتيجي وفقاً لخطة تنموية وطنية. إلا أن هذه الجهود والمبادرات تحتاج إلى مزيد من التوعية المجتمعية، فالتوجه إلى الأسواق الإلكترونية أصبح يتزايد يوماً عن يوم، وحسب تصريح معالي وزير التجارة السعودي د. ماجد القصبي أن حجم القطاع يتجاوز 80 مليارا، وهو في نمو متصاعد، وهذا مؤشر على أن الوقت قد حان لتغيير أدوات الاستثمار التقليدي بالأدوات الحديثة، فالتمسك بأدوات الاستثمار التقليدية وعدم التطوير بات مسبباً أساسياً لإفلاس العديد من المؤسسات والشركات التجارية، وكانت جائحة كورونا فرصة لكثير من المستثمرين في محاولة التطوير والانتقال إلى التجارة الإلكترونية لخوض التجربة ومعرفة جدوى ذلك، إلا أننا شاهدنا تفاوتا كبيرا بين الشركات في التحول إلى المتاجر الإلكترونية، فالبعض تميز في تقديم المنتج وتسويقه وبيعه وسرعة وصوله، وأبدع في تحقيق الرضا للعميل من خلال تلك التجربة، والبعض الآخر كانت محاولة على استحياء وآخرين لم يعترفوا بذلك. إن من لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم ومن لا يتطور يتدهور، الغانم من يبادر، فمملكتنا الغالية أرض خصبة للتجارة الإلكترونية، حماية حكومية وشعب شاب ومتحضر وقوة شرائية، ويبقى على المؤسسات والشركات الدراسة واتخاذ القرار.
مشاركة :