ابتكر ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، الذي قاد بلاده إلى النصر على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، علامة رمزية للنصر وهي إشهار إصبعي السبابة والوسطى لليد اليمنى بطريقة تجعل ظاهر الكف إلى الخلف مكوناً ما يشبه حرف (V)، الحرف الأول من كلمة النصر باللغة الانجليزية (Victory). انتشرت تلك العلامة وأصبحت أيادي الثوار في العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية ترسمها جنبا إلى جنب مع بنادقهم وابتساماتهم وهيئاتهم الرثة. ثم انتقلت تلك العلامة إلى المجتمعات عموماً، ووصلت حتى إلى مجتمعاتنا ولو عدنا إلى صورنا القديمة لربما رأينا تلك العلامة يشهرها أحد الأصدقاء وهو يبتسم من خلف صورة الأصدقاء الجماعية دون أن يعرف مصدرها. في هذه الأيام التي ملأ فيها إرهاب داعش الأسماع والأبصار ترى المنتمين إلى التنظيم الإرهابي يحرصون في صورهم التي يبثونها خلال المواقع الإخبارية أو وسائل التواصل الاجتماعي على إبراز علامة أصبحت مع الوقت أشبه بالعلامة الحصرية للتنظيم، وهي إشهار سبابة اليد اليمنى. كما يحرص التنظيم ذاته في فيديوهاته الدعائية التي ينشرها على أن يظهر عناصره وقد أشهروا تلك العلامة فغدت تلك العلامة، المشترك الأعظم بين المتعاطفين مع داعش والمنتمين له. علامة إشهار السبابة اليمنى لدى المسلمين ترمز إلى وحدانية الله -تعالى- وتنزيهه من الشريك، هي علامة التشهد أي النطق بالشهادتين أول أركان الإسلام. وأذكر أن المتعاطفين مع القاعدة كانوا يروجون عقب الجهاد الأفغاني لصورة نصفية لأسامة بن لادن على القمصان والملصقات يظهر فيها مرتدياً عمامة أفغانية وشاهراً سبابته. ويبدو التنظيم الداعشي الذي ورث القاعدة ورث معها تلك العلامة الرمزية وأصبحت تراها كثيراً تتردد لدى أنصاره. الرموز تؤدي دوراً تواصلياً مباشراً مع الآخر المشاهد، وأضحت علامة النصر تشير إلى دور نضالي سياسي، يشهرها أحيانا المعتقلون السياسيون أو المناضلون الاجتماعيون. وهي ترمز إلى التفاؤل بالانتصار في كل الأحوال، وأن الأمور ستؤول إلى ما يرام في النهاية. وقد استقرت علامة النصر التي ابتدعها تشرشل في الويكبيديا والموسوعات على أنها علامة سياسية اجتماعية بعيدة عن حياض الدين. أما علامة الإصبع السبابة تلك فقد أدخلتها المجموعات المتطرفة، بكل أسف، إلى حياض العنف السياسي من مجال الدين، وأصبحت تدريجياً تغيّر معناها السامي المُنزه إلى حالة الانتماء الديني السياسي إلى تنظيم إرهابي بما تعنيه تلك التنظيمات من رعب وتوحش. إن كان ثمة معنى لهذا فهو أن معاني الإسلام المجيدة تستنزف سريعا بشكل لا يمكن أن يبقى الكثير منها في منأى عن توظيفه في الصراعات والأطماع المذهبية الضيقة، فكما اختطفت التنظيمات الإرهابية للكثير من معاني الإسلام: كالجهاد، الخلافة، البيعة، وإقامة حدود الله، واختطاف بعض المجموعات المتقاتلة لأسماء شخصيات إسلامية من الصحابة وآل البيت عليهم السلام، فقد زج بهذه العلامة الرمزية من مكانتها الدينية السامية في إعلان الوحدانية لله إلى مجال الحرب والإرهاب وقطع الرؤوس. كاتب وأديب
مشاركة :