ذكرنا في المقال السابق أن عددًا غير قليل من بلدان الوطن العربي، بما فيها مصر، تتعرض لتحديات وإخطار غير مسبوقة. وأكدنا على أهمية تماسك الجبهات الداخلية، وضرورة توافق الدول العربية على مواقف موحدة للحفاظ على الأمن القومي العربي، وكذلك ضرورة التواصل مع القوي الدولية الفاعلة، والشخصيات والجماعات التي تؤثر في الرأي العام العالمي وتتعاطف مع قضايا العرب.وفي هذا المقال نحدد القوي الإقليمية المحيطة بالوطن العربي، والتي تحاول أن تحقق نفوذا اقليميا، أو تحتل أراضي عربية، أو تحقق مكاسب مادية، أو تتدخل باسم الدين أو العرق أو النعرات التاريخية في الشئون الداخلية للبلدان العربية.أولا: تركياتحاول تركيا إعادة أمجاد الماضي واستعادة الإمبراطورية العثمانية التي استمرت من منتصف القرن السادس عشر إلى بدايات القرن العشرين. وإذا كانت حقائق التاريخ تفيد أن مصر ومنذ الفتح الإسلامي كانت هي القائدة في المنطقة العربية والإسلامية، وهي التي دحرت الحروب الصليبية والغزو التتاري، وفى وجود الدولة العثمانية (دولة الخلافة)، فإن حقائق التاريخ التي نعرفها تفيد أن مصر كان لها وضعً خاص، حتى داخل الولايات العثمانية، وأن محمد على باشا وابنه إبراهيم قد استقلا بحكم مصر، وأن الجيش المصري تحت قيادة إبراهيم قد توسع جغرافيا ووصلت القوات المصرية إلى حدود إسطنبول.وحديثا، حاولت تركيا دخول الاتحاد الأوروبي على مدى عدة عقود ولكنها فشلت، ثم وجدت ضالتها في التدخل المباشر في البلدان العربية، فتدخلت عسكريا في شمال سوريا والعراق، وأرسلت قوات عسكرية إلى قطر (بدعوة منها)، وتحاول التحرش بمصر من خلال التواجد في ليبيا والبحر المتوسط والقرن الأفريقي.لا بد أن نتفهم أن تحركات تركيا تدفعها الرغبة الشخصية والأطماع السياسية للرئيس التركي لاستعادة أمجاد الماضي، وتحقيق مكاسب مادية وسياسية تجعل تركيا القوة الإقليمية المتحكمة في المنطقة.ثانيا: ايرانتحاول إيران هي الاخري استعادة أمجاد الماضي والتوسع على حساب البلدان العربية. وايران هي الاستمرار الجغرافي والتاريخي للإمبراطورية الفارسية، التي تأسست عام 559 قبل الميلاد، والتي مثلت مع الإمبراطورية الرومانية أكبر الدول التي سادت المنطقة قبل العصر الإسلامي. ومنذ الثورة الإسلامية في إيران سنة ١٩٧٩ وهي تحاول تصدير الثورة إلى البلدان المجاورة. وحاليا تتواجد إيران بشكل مباشر في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وتحاول التنسيق مع تركيا لتقاسم النفوذ السياسي والسيطرة على الثروة، بشكل يثير حفيظة الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي.ثالثًا: إثيوبيا إثيوبيا اليوم، تحاول هي الأخري أن تكون القوة الأكبر سياسيا واقتصاديا في القارة الأفريقية. وقد يظن البعض أن التعنت الإثيوبي في الاتفاق مع مصر والسودان بشأن سد النهضة هو بغرض توليد الكهرباء والتنمية فقط، ولكن الواقع أن خطط إثيوبيا للمستقبل أكبر بكثير من سد النهضة.تاريخيا كانت مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا هي الدول الكبرى أو المتحدث الرسمي باسم القارة الأفريقية، وكانت إحدى هذه الدول الثلاث هي المؤهلة لتمثيل القارة عند التفكير في زيادة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. إلا أن إثيوبيا استغلت تواجد المقر الرئيسي للاتحاد الأفريقي في اديس أبابا، وقدمت نفسها كلاعب أساسي في حل مشكلات القارة السمراء. لقد استغلت إثيوبيا تراجع الدور المصري منذ محاولة الاعتداء على الرئيس الراحل مبارك، وأقامت علاقات وثيقة مع معظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، خاصة مع نيجيريا وجنوب أفريقيا.رابعًا: إسرائيل إسرائيل هي الأخري تحاول أن تنتهز الفراغ والخراب الذي أحدثته ثورات الربيع العربي، وكذلك الأزمة الاقتصادية العالمية التي نتجت عن جائحة كورونا، وانشغال العالم بمشكلاته الداخلية، لضم المتبقي من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وإذا كانت إسرائيل وحلفاؤها لم يستطيعوا تسويق خطة السلام المعروفة بصفقة القرن داخل البلاد العربية، فإنها لاتتوقف عند إيجاد البدائل التي تحقق طموحاتها في أن تكون القوة الأكثر تأثيرا سياسيا واقتصاديا وعسكريا في الشرق الأوسط.وفي نهاية هذا العرض، يتضح ان هناك قوي إقليمية غير عربية تحاول أن تستغل الظروف الدولية، والفرقة العربية لتقود المنطقة سياسيا واقتصاديا، فماذا نحن فاعلون؟
مشاركة :