قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الله عزَّ وجلَّ قد بعث سيدَنا محمدًا ﷺ للنَّاس رسولًا مُشرِّعًا، ونبيًّا هاديًا، وجعل من حُقوقِه علىٰ أمته الإيمان به، وتصديق نُبوَّته، واعتقاد عِصمته، وطاعته، واتباعه، والاقتداء بهديه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، والانقياد له، والتزام سُنته، والرِّضا بحُكْمِه، والتَّسليم لما جاء به، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكرَه.وقال المركز، في تقرير له، إن اختزال مفهوم التّدين في أعمال القلب، وقصره علىٰ التوجه إلىٰ الله تعالى دون اتباعٍ لصاحب الشَّرع الشَّريف ﷺ، أو تأسٍّ به فيما جاء عن ربه سبحانه وتعالىٰ؛ إنما هو تغافلٌ عن حقيقة الدين، وماهية أركانه التي لا تكتمل إلا بتحققها كافةً قولًا وعملًا، وهو مخالفٌ لما جاء به القرآنُ العظيمُ من وجوب طاعته، والسَّير علىٰ طريقته ﷺ.وأضاف، أن القولُ بأن أفعال سيدنا رسول الله ﷺ ليست دينًا من عند الله، وأن تصديرها للناس على أنها دين «مشكلة»؛ قولٌ جافٍ، يُهيل التُّراب على سُنَّة سيدنا رسول الله ﷺ، وينزع الهيبة عن شخصه وشرعه، وفعله وقوله، فضلًا عن أنه خالٍ عن الأدب مع صاحب المقام الشَّريف سيِّدنا رسول الله ﷺ.وتابع: حتى وإن كان المقصود بالتَّصرفات التَّصرفات المُتعلِّقة بالهيئة كالملبس والمظهر، أو الخاضعة لعادة الناس في زمن دون زمن، وبلد دون آخر، فهذه لا أقلَّ من أن يحوزَ المُقتدِي بالنبي ﷺ فيها شرفَ الاقتداء بسيًِد الخلق وحبيب الحقّ ﷺ، وينال ثوابَ ذلك إن خلُصت نيته، مع مراعاة الأعراف السَّائدة في كل عصر، وموافقة الشّرع الشَّريف.أمّا إن كان الغرض هو التَّقليل من هديه ﷺ، وتنحية سُنَّته، بجعلها خارجة عن صُلب الدّين والتّشريع، وتصويرها على أنها لا تعدو التّصرفات البشرية التي لا عِصمة لها؛ فهذا قول بيِّنُ الخطأ، فيه لغطٌ وشطط، وهو تعطيل للقرآن الكريم عن غايته التي جاء لتحقيقها، ومحاولة لإقصائه عن واقع الناس وحياتهم، ودعوة صريحةٌ إلى تأويله علىٰ حسَب أهواء الناس وشهواتهم دون مؤهِّلاتٍ للنَّظر والاستنباط، وبعيدًا عن المثال العملي علىٰ تطبيقه وهو النَّبي ﷺ. وأكد أنه لا يخفىٰ ما في هذه الدّعوة من خطر بالغ -ليس علىٰ الدّين فحسب- بل علىٰ أمن المجتمع واستقراره، في الوقت الذي تعمل كافَّة مؤسسات الدَّولة فيه على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المُجتمعي، إذ الأصل في أفعال سيِّدنا رسول الله ﷺ أنها جزء من سنّته الشَّريفة التَّشريعيّة، التي يجب اقتداؤه فيها، وامتثال ما دعت إليه، إلا ما دلّ الدليل علىٰ خُصوصيّته به ﷺ، أو أنه لم يُقصد به التَّشريع.وأوضح، أنه كان النَّبي ﷺ وحيًا يُوحَى، لا يصدُر في قوله أو فعله أو تقريره إلا عن أمر الله ووحيه؛ ليُبيِّن ما جاء عن الله سُبحانه في قرآنه، ويُفصِّل مُجمَله، ويُخصِّص عامّه، ويُقيّد مُطلقَه، ويشرح، ويُوضّح، وليأخذ عنه النَّاس دينهم؛ قال سُبحانه: {وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ}. [النحل: 44]، وقال سُبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }. [الأحزاب: 21]، وقال الإمامُ ابن كثير في تفسيره (6/ 391): (هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ) اهــ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ، فَنَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَىٰ وَاللهِ، قَالَ: «فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُوتِرُ عَلَىٰ البَعِيرِ». [متفق عليه]وقد قال سيدُنا رسولُ اللهِ ﷺ: «...فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». [متفق عليه]، وقد أجمع الصحابةُ رَضي اللهُ عنهم ومَن بعدهم علىٰ الرجوع إلىٰ أفعاله ﷺ في التشريع، انظر: [المحصول للرازي (3/ 233)، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 187)... وغيرهما].وذكر أنه لا شكَّ أنَّ الأدب مع سيّدنا رسول الله ﷺ من تمام الإيمان، والإيمان به جزء لا يتجزأ من التَّصديق بكتاب الله سُبحانه، الذي قال فيه: {إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا * إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا}. [الفتح: 8 - 10]، فقد جعل الله سُبحانه الإيمان برسوله قرين الإيمان به، ومعنى «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ»: تعظموه وتفخّموه، قاله الحسن والكلبي، والتعزير معناه: التعظيم والتوقير، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه، ومنه التعزير في الحدّ؛ لأنه مانع، وقال بعض أهل اللغة: تُطيعوه، و«وَتُوَقِّرُوهُ» أي تسوِّدُوه؛ قاله السدي، وقيل تعظموه، والتوقير: التعظيم والتَّرْزِين أيضًا، والهاء فيهما للنبيّ ﷺ. [الجامع لأحكام القرآن الكريم (9/ 96)]وتجدر الإشارة إلى أن دعوات الانتقاص من قدر المُصطفىٰ ﷺ ليست بجديدة، ولم تنقطع مُذ بعثهُ الله للعالمين رسولًا، ولكنها ما نالت قطّ من مكانته ﷺ أو سُنَّته؛ بل رفع الله ذكرَه، وأظهر شرعَه، وحفظ دينَه، فقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره قول أبي جهل للنَّبي ﷺ في مُستهَّل دعوته ﷺ: إنّا لا نكذبك؛ ولكن نكذب الذي جئت به، فآنس الله عزَّ وجلّ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله سُبحانه: {قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ * وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٌ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ}. [الأنعام: 33، 34]
مشاركة :