تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة القديرة وداد حمدي، أشهر خادمة فى السينما المصرية صاحبة الروح الخفيفة، وخفة الظل التي دخلت قلوب الجماهير وخطفته منهم بضحكاتهم.المشهد الأخير في حياة وداد حمدي، لم يكن متوقعًا ففي العام 1994 ارتكب الريجيسير متى باسليوس، جريمة بشعة بحق الفنانة الراحلة عاجلها بالسكين وظل يطعنها حتى ماتت وظن أن بإمكانه الهروب من العدالة وأنه سيفلت بجريمته وقد هزت هذه الجريمة قلوب ومشاعر الناس في كل مكان.في بناية فينوس رقم 38 شارع رمسيس بالقاهرة ففي الساعة الـ12 ظهرًا كانت السيدة ليلى عيسوي، شقيقة وداد حمدي، تستعد للصعود لشقة شقيقتها التي تقع بالدور السابع، عندئذ استقبلها حارس البناية عم جوهر، وأكد لها أن شقيقتها نسيت إطفاء أضواء الشقة، كذلك لم تغلق الباب الحديد الذي يحيط بباب الشقة هذه العبارة أثارت قلق ليلى كثيرًا، وأدركت أن هناك خطرًا أصاب شقيقتها.كانت ليلى تعلم أن شقيقتها شديدة الحرص فهي دائمًا تحرص على إغلاق بابها الحديد وتطمئن على إطفاء الأنوار قبل نومها، واجتاحت الظنون عقل السيدة ليلى حتى إنها لم تنتظر المصعد بل أخذت تقفز على درجات السلم حتى وصلت للطابق السابع، وعندما وصلت إلى شقة شقيقتها أزاحت الباب الحديد وأخرجت بسرعة مفاتيح شقة وداد التي تحتفظ بنسخة منها.فتحت ليلى الشقة بسرعة، واتجهت إلى غرفة نوم وداد وسقط قلبها بين يديها وهي ترى محتويات الشقة مبعثرة، وأخذت تنادي على شقيقتها من دون رد وكان باب غرفة النوم مفتوحًا، وقد هالها المشهد الذي وقعت عيناها عليه، وداد حمدي، كانت مسجاة على وجهها فوق سريرها وكانت الملابس تغطيها ولا يبدو منها سوى قدميها.أسرعت ليلى تزيح الملابس عن جسدها فإذا بالدماء تغطيه فالطعنات تناثرت في أجزاء كثيرة من الجسم وكانت قد فارقت الحياة، وهنا صرخت ليلى من هول ما شاهدت، وأسرعت إلى التلفون لتطلب الشرطة واكتشفت أن الحرارة مقطوعة ثم أسرعت للجيران واستدعت رجال مباحث الأزبكية، وفي لحظات وصل رجال الشرطة وخبراء البصمات وطلبوا من الجميع ألا يلمسوا أي شيء في الشقة.امتلأ منزل وداد حمدي، برجال الشرطة وانهمك الجميع في فحص مكان الحادث، وبحث رجال المعمل الجنائي عن بصمات لغرباء ومن يكون القاتل والراحلة تشتهر بين جيرانها بالطيبة وبأنها خيرة.بعد بحث اكتشفوا بصمة مجهولة على كرسي بالصالون، وقد عثر رجال المباحث على 3 أكواب بها بقايا عصير الليمون فالقاتل تمكن من سرقة بعض الأموال السائلة التي كانت تحتفظ بها الضحية وكاسيت صغير كانت تضعه بغرفتها، وتأكد رجال المباحث هنا أن القاتل ليس غريبًا عن وداد حمدي، فهي حذرة من الغرباء، وكانت تضع باب سلك بعد باب شقتها ثم باب "أكورديون" حديد ولا تفتح لأحد إلا بعد التأكد من شخصيته من خلال الديكتافون الذي كان وسيلتها في التعرف على القادمين إليها.بعد بحث كانت المفاجأة عثر رجال المعمل الجنائي على ساعة يد رجالي وشعرة رأس تمسك بها أصابع وداد حمدي، ووجدوا أيضًا أجندة التليفونات الخصوصية بها وكانت تحتوي على أكثر من 300 رقم تليفون.بعد ساعات من البحث المتوالي تركزت الشبهات حول شخصين كان أحدهما قريبًا لوداد حمدي، وهو مسجل خطر، تم توقيفه في بعض القضايا والمتهم الثاني هو الريجيسير متى، وأكد أشقاء الفنانة الراحلة أن الريجيسير كان على موعد مع شقيقتهم في توقيت الجريمة، وكان ذلك بداية الخيط.بدأت الشرطة رحلة البحث عن الريجيسير متى، ووجدوا أنه لا يذهب لمتجر الأسماك الذي اشتراه وأيضًا غاب عن منزله، لكن غيابه لم يطل ففي المساء عاد لأسرته، وكانت مفاجأة مثيرة له حينما وجد نفسه بين رجال المباحث الذين واجهوه بالاتهامات بقتل وداد حمدي.في البداية... أنكر متى كل شيء، لكنه انهار بعد ذلك أمام رجال الشرطة وخصوصًا عندما اكتشفوا أن البصمة المجهولة في الصالون كانت بصمته، وهنا تلعثم أيضًا حينما أخبروه أنهم يعرفون أنه زار وداد حمدي، يوم مصرعها، وهنا عجز عن توضيح مكانه وقت الحادث.اكتشف رجال المباحث أن متى كان مدينًا لبعض الأشخاص ثم قام بتسديد بعض ديونه بعد ارتكاب الحادث، وانهار أمام سيل المعلومات التي توصلت إليها الشرطة، وأكد أنه سيعترف بكل شيء وأنه وضع المشهد الأخير لحياة وداد حمدي، قتلها ليسرقها ويخرج من الأزمة المالية الطاحنة التي يعيشها، خصوصًا أن ليلى شقيقة وداد حمدي قالت إنها حاولت في الثامنة مساء الاتصال بشقيقتها، لكنها لم ترد على المكالمة، وتصورت ليلى أن شقيقتها ربما تكون قد خرجت مع الريجيسير أو المنتج، وفي الصباح قررت ليلى أن تذهب لتطمئن على شقيقتها، واكتشفت الجريمة البشعة.فشل مشروع متى وأغلق محل الأسماك بعد أسبوع من افتتاحه وفسدت الأسماك التي اشتراها ليبيعها واسودت الدنيا في وجهه وخنقته الديون المتراكمة وأصبح كثير الهرب من الدائنين، وقرر متى استدانة المبلغ من الفنانة يسرا وأسرع لشقتها في الزمالك وحاول مقابلتها لكن البواب منعه، وأخرج متى مظروف خطاب يحتوي على كلمات رقيقة يطلب فيها من يسرا اقتراض مبلغ يساعده على الخروج من أزمته المالية، وأرفق بالخطاب صور أطفاله الصغار حتى يرق لها قلب الفنانة يسرا. فغاب البواب بضع دقائق وعاد إلى متى وهو يؤكد له أن يسرا مستغرقة في النوم، وانصرف الريجيسير حزينًا، لكن الغضب أعمى عينيه وأشعل في قلبه نيران الحقد وقرر أن يقتل أي فنان ويحصل على أمواله.خطط الريجيسير لقتل أحمد زكي، وجهز سكينًا وذهب لهيلتون رمسيس كان يقيم زكي، هناك لكن متى، لم يستطع الدخول للفندق وهو يحمل السكين وخشى من اكتشاف الأمن للسكين الذي يحمله. وفكر متى، في قتل شريهان، وسرقتها لكن واجهته مشكلة انتشار أفراد الأمن حول عمارتها، وهنا فكر في وداد حمدي، وقرر قتلها وسرقة مجوهراتها وأموالها، لكنه فكر قبل قتلها في زيارة الفنان هشام سليم فهو دائم العطف عليه لكنه لم يجد هشام في منزله فحسم أمره وخطط لقتل وداد.أجرى متى الاتصال بوداد من مقهى "بعرة"، وأخبرها أنه يعرض عليها أداء دور في مسلسل تنتجه القناة الفضائية وحدد موعدًا لمقابلتها في اليوم التالي، لكن متى لم يذهب إليها وتراجع عن فكرة قتلها وبحث عن طريقة أخرى لتسديد ديونه، لكن كل الأبواب أغلقت في وجهه، وبرزت الفكرة في رأسه مرة أخرى، وعاود الاتصال بها مرة أخرى وحدد لها موعدا مساء يوم الجمعة وأخبرها أنه سيحضر ومعه المنتج والمؤلف، وأكدت وداد أنها ستنتظره في الموعد المحدد.حسم متى أمره وذهب إلى الصيدلية واشترى قفازين بلاستيك، وجهز سكينتين كبيرتين وأخفاهما في السويتر الجلد الذي كان يرتديه وذهب لمنزل وداد، وتحدث معها في جهاز "الديكتافون" فطلبت منه الصعود، وعندما وصل المصعد للطابق السابع، وجدها في انتظاره، أحسنت استقباله وأجلسته في الصالون وسألته عن المنتج والمؤلف، وأخبرها أنهما يجلسان على المقهى بعض الوقت لشرب الشيشة وسيصعدان بعد قليل.أحضرت وداد دورق ليمون من الثلاجة وقدمت لضيفها كوبًا وجلست تتحدث معه، وكان يحمل إسكربت للمسلسل وبدأ يحكي لها عن تفاصيل دورها وفجأة توقف عن الحديث وطلب منها أن تسمح له بدخول الحمام، وافقت وداد وسبقته لغرفة نومها لتحضر له فوطة. وهنا سمعت وداد حمدي، صوت خطوات وراءها، التفتت خلفها فوجدت متى، شاهرًا سكينه، وقالت له "إحنا هانهزر... بلاش لعب عيال" لكن نظرات الشر في عيون متى جمدت الدم في عروق وداد وأدركت أن متى لا يعرف المزاح وكان هدفه واضحًا.توسلت إليه وداد أن يتركها وخلعت له ساعتها وقدمت له نقودها، لكنه أزاح النقود جانبا، وقرر قتلها حتى لا تعترف عليه، فطعنها في ظهرها وسقطت وداد حمدي، على الأرض وهي تصرخ وتستعطفه، لم يشعر متى، بنفسه وتوالت طعناته القاتلة في جسدها وسقطت على الأرض.عندما اطمأن متى أن وداد حمدين ماتت حملها ووضعها على سريرها ووضع عليها الملابس وبدأ رحلة البحث عن النقود والمجوهرات، فوجئ أن علبة الذهب خاوية ولم يعثر على نقود إلا 270 جنيهًا فقط، وعثر على كاسيت صغير، حمله واستعد لمغادرة الشقة ولم ينس أن يغسل أكواب الليمون التي تحتوي على بصماته وأحكم إغلاق أبواب الشقة وقطع سلك التليفون وهرب.بعد ذلك توجه متى لمتجر السمك الذي يمتلكه، وأخفى فيه السكين التي ارتكب به الحادث بعد أن غسله وسدد ديونه لاثنين من جيرانه بجوار متجره، ثم أسرع بعد ذلك لسوق ليبيا بالعتبة لبيع الكاسيت بـ50 جنيهًا سدد بها بعض ديونه، وبعض جيرانه شاهدوه وهو يتخلص من سلسلة مفاتيح. أكد في اعترافه أنها مفاتيح منزل وداد حمدي، ثم عاد لمنزله في مدينة نصر ولم يذق طعم النوم حتى ألقى القبض عليه.وأشار متى، أنه كان مترددا كثيرًا قبل مقتل وداد حمدي، فهي كانت تحسن إليه دائمًا، وآخر أعمالها السينمائية معه كانت من خلاله 6 أشهر، وأسدلت الستار تمامًا على القضية بإعدام متى.كانت وداد حمدي، تعيش في شقتها بمفردها، وترفض أن يقيم معها أي شخص من أقاربها، وكانت تخدم نفسها بنفسها، وفي السنوات الأخيرة من عمرها كانت تحرص على قراءة القرآن وسماعه منذ الفجر حتى صلاة الظهر، وذهبت للحج أكثر من مرة وتحرص على صيام الـ6 أيام عقب شهر رمضان كل عام، وكانت حريصة جدًا ولا تدخل أحدًا غريبًا في شقتها.
مشاركة :