التعليم الهجين الحل الأمثل لما بعد «كورونا»

  • 7/4/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دعا رؤساء جامعات وأكاديميون في ندوة «تجربة التعليم عن بُعد في الإمارات» التي عقدها «مركز الخليج للدراسات بدار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، يوم السبت 2020/6/13 عبر تقنية «زوم»، إلى أهمية ربط جودة التعليم الذكي بالمعلم المؤهل، والمصادر التعليمية. واتفق العديد منهم على استخدام التعليم الهجين الذي يوائم بين التعليمين (الذكي والتقليدي)، باعتباره الحل الأمثل، في حين أكد بعضهم أن التعليم التقليدي إلى زوال، والمطلوب تشكيل لجنة وطنية؛ تحوّل المحتوى التعليمي التقليدي إلى إلكتروني؛ بحيث يواكب متطلبات سوق العمل.بينما كانت الحياة تسير في مساراتها المعتادة؛ وإذ بفيروس «كورونا» المستجد يطل على العالم محدثاً إرباكاً في كل المجالات، ومن بين تلك المجالات التعليم؛ حيث توقف أكثر من مليار تلميذ وطالب عن الذهاب إلى المدارس والجامعات في العدد الأكبر من دول العالم.عدم الذهاب إلى المدارس في بعض الحالات؛ يعني التوقف تماماً عن الدراسة في ظل عدم وجود الإمكانات اللازمة للتحول إلى نمط غير تقليدي من التعليم، أو بسبب الضعف الشديد في تلك الإمكانات؛ ما يقلل من فرص النجاح المرجوة من البدائل غير التقليدية المطروحة.وفي حالات أخرى، كانت المرونة عالية، والاستجابة سريعة؛ بفضل وجود بنية أساسية إلكترونية قوية، والتخطيط المسبق لبعض البرامج، كما كانت هناك سهولة في التحول إلى ذلك النمط غير التقليدي، وكانت الإمارات على رأس هذه الدول. وضوح في الأدوار إنه نظام التعليم عن بُعد الذي اعتمدته دولة الإمارات العربية المتحدة، وشرعت في تنفيذه؛ عبر إجراءات وتوجيهات واضحة تطال كل أطراف العملية التعليمية، بدءاً من الإدارة المدرسية والجامعية، مروراً بالمعلم، والطالب، وانتهاء بولي الأمر؛ حيث كان هناك وضوح تام في الأدوار والمهام المنوطة بكل طرف من الأطراف، مع الاهتمام بعملية التدريب والتأهيل، والرد على أي استفسارات؛ حرصاً على معالجة ما تتضمنه أولاً بأول.الأمر لم يقف عند مجرد تهيئة البيئة الإلكترونية أو الافتراضية المناسبة؛ من أجل ضمان أقصى درجات النجاح للمنظومة التعليمية الجديدة؛ من حيث تدريس المناهج المقررة في المدارس والجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء، وإنما كانت الرؤية واضحة أيضاً، ومن ثم الإجراءات الخاصة بعملية التقويم للطلاب، واحتساب درجاتهم.التجربة الإماراتية في التعليم عن بُعد يمكن النظر إليها في إطار منظور أعم عنوانه: التعامل الوطني الشامل مع أزمة «كورونا»، الذي تميز بدرجة عالية من الثقة، وتوظيف الموارد. وما كان ذلك ليكون، لولا توجيهات وتطمينات القيادة الرشيدة المتوالية منذ بدء هذه الأزمة، وفي نفس الوقت ما كان في السنوات السابقة من اهتمام بالتخطيط للمستقبل، والأخذ بأفضل التطبيقات التكنولوجية في شتى المجالات، وعلى رأسها مجال التعليم، ومن ثم فإن مصطلحات من قبيل التعليم عن بُعد، والتعليم الذكي، والتعليم المستمر، لم تكن بعيدة عن المجتمع الإماراتي؛ بل كانت هناك مبادرات وطنية؛ لإتاحة إمكانات وطنية؛ للاستفادة منها عربياً على هذا الصعيد.من ثم فإن هذه الندوة تناقش التجربة الإماراتية في التعليم عن بُعد في ظل أزمة «كورونا» عبر المحاور الآتية:المحور الأول: البنية الأساسية التقنية للتعليم عن بُعد في الإمارات قبل أزمة «كورونا».المحور الثاني: خطة الإمارات للتعليم عن بُعد في ظل «كورونا»: التوجيهات والتطبيقات.المحور الثالث: تقويم تجربة الإمارات في التعليم عن بُعد والاستعداد المستقبلي. عجلة التطور رحب الدكتور عيسى البستكي رئيس جامعة دبي، بالمشاركين في الندوة، وقال في بداية الحديث: إن التكنولوجيا كانت موجودة لكن هناك سبب لتفعيلها لصالح التعليم العالي، والإمارات تعد للمستقبل في جميع شؤون الحياة، وهي ترى أن ديمومة الرخاء واستدامة التنمية؛ مناطها الأخذ بأسبابها، والتمكن من عناصرها؛ ولأن عجلة التطور تتسارع، فلم يعد هناك من مناص للتركيز المتواصل على استباق التطورات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، غرد في سلسلة تغريداته الآتي «علمتني_الحياة... أن الحياة لا تتوقف.. تنتهي مرحلة لتبدأ أخرى... وينقضي أمر ليأتي آخر.. كما يتعاقب الليل والنهار تتعاقب الأحداث.. وتتجدد الحياة.. ويعود الإنسان دائماً لحركته التي أرادها الله.. لا ييأس.. ولا يفتر.. بل ينطلق في إصرار دائم لصناعة الحياة». وعلمتنا التجربة أن نصنع الحياة مهما كانت الظروف، ومن هذه التغريدة الجميلة، نلحظ أن سياسات الدولة الاجتماعية والاقتصادية متينة والهدف دراسة المؤثرات التي أوصلتنا لهذا اليوم، وتطويرها؛ لصناعة المستقبل. والتعليم في أفضل صوره مطلوب في حد ذاته؛ لأنه العنصر الجوهري الذي يسهم في بناء الإنسان الراقي، وتميزه، ويعزز؛ حينما تكمل أركانه قدرة البناء الاقتصادي والاجتماعي والتقني والأمني، وهذه هي الأركان التي نعمل عليها؛ من أجل المسيرة التنموية في الدولة، والإمارات أطلقت مبادرات كثيرة تركز على التعليم والتطوير، والتعلم الذكي في «برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي» بدأ في إبريل/نيسان عام 2012، فضلاً عن مبادرات كثيرة؛ لتطوير التعليم والتعلم، وهناك استراتيجيات مهمة؛ مثل: استراتيجية التربية والتعليم 2010- 2020، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030 ورؤية 2031.كما أن مبادرة «مدرستي» التي أطلقت عام 2018 تشهد على حرص المسؤولين؛ لتمكين المجتمع من سبل الإبداعات العلمية في مجالات التعليم؛ وهي تشمل: 5 آلاف درس تعليمي، تركز على علوم الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء، ومتوفرة باللغة العربية، ويمكن للشباب في مختلف الأقطار العربية الاستفادة منها. ويلمس المتابع في كل مجريات ميدان البحث والتخطيط الاستراتيجي، أن كل الأمور التي تم التركيز عليها سواء التعليم عن بُعد أو التعليم المستمر أو البيئة المدرسية أو المناهج، أنها استهدفت جميعها الاستثمار في الإنسان، وتطويره؛ من أجل رقيه الذاتي والإنساني، وتطوير قدرته على التمكن في الحياة وكذلك المواءمة بين القدرات العلمية التي يحوزها الفرد ومتطلبات سوق العمل. ولا أحد يختلف على أهمية التقنيات لتطور الإنسان والمجتمعات، ونتابع التكنولوجيا وتطورها؛ لكي نستطيع مواكبة العالم في هذه المسيرة، وفي عالم تزداد فيه الحاجة إلى التنمية المستدامة؛ فإن للذكاء الاصطناعي دور كبير في عملية التعليم الذكي، ويجب الاستعداد لهذه التغيرات، ومن يعجز عن مواكبة التطورات التكنولوجية؛ فلن يكون له دور في التنمية المستدامة. والتعليم المستقبلي كفيل إن وضعت قواعده على أساس علمي متين وإن اتسقت مناهجه مع متطلبات المجتمع أن يحقق ازدهار الاقتصاد، واستدامة المجتمع. ثم من المهم تفعيل «عنكبوت» وتسريع البحث العلمي، والتركيز على تعليم مستمر ومبتكر. التكنولوجيا في كل مناحي الحياة وقال الدكتور محمد يوسف بني ياس مستشار التعليم العالي، مدير مفوضية الاعتماد الأكاديمي في وزارة التربية والتعليم: إن التكنولوجيا دخلت في كل مناحي الحياة؛ وهي عنصر مهم في حياة الإنسان، والتعليم إذا لم يأخذ بالجانب التكنولوجي في وضع المناهج وتقديم البرامج والتقييم فإنه سيبقى متأخراً، والمؤسسات التعليمية في العادة من أكثر المؤسسات مقاومة للتغيير بشكل عام، خصوصاً مؤسسات التعليم العالي، وحينما نشير إلى التعليم الإلكتروني من المهم التفريق بين ثلاثة مستويات؛ الأول: تعليم إلكتروني بدائي، والثاني: أساسي، والثالث: تعليم متقدم، وبالنسبة للبدائي يتلخص في تصوير الكتب والمناهج الدراسية، وإرسالها بالبريد الإلكتروني للطالب، وهذا في تقديري يعد تعليماً بدائياً جداً، وأما التعليم الإلكتروني الأساسي فيتعلق باستخدام منصات مناسبة، وتدريب الأساتذة، ووجود تفاعل بينهم وبين الطلبة، وتغذية مرتجعة للعملية التعليمية، ونظام واضح للامتحانات، ويعد هذا التعليم عادياً، وأما المرحلة المتقدمة فتتصل باستخدام الأنظمة الإلكترونية ليس فقط في إدارة التعليم، وإنما بإثرائه، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي؛ حيث إن الطالب إذا أراد القيام بتجربة في الكيمياء العضوية، يمكنه القيام بها عن طريق المحاكاة، وعن طريق التعليم الإلكتروني المتقدم؛ يمكنه القيام بالكثير من التجارب عبر هذه التقنية بسرعة.ووزارة التربية والتعليم، ومفوضية الاعتماد الأكاديمي لهما دوران مزدوجان؛ الأول يتعلق بالتنسيق والتسهيل والدعم؛ والثاني هو الدور الرقابي، والدور التنسيقي، وقد لاحظنا في ظل جائحة «كورونا» كيف تواصلت وزارة التربية والتعليم مع مؤسسات التعليم العالي، واستمزجت آراءهم، وأصدرت تشريعات بما يتناسب والمحافظة على صحة الفرد والمجتمع، وكذلك تشريعات تلزم استمرار التعليم.فيما يتعلق بالجانب التشريعي والرقابي، فإن معايير الاعتماد الأكاديمي الجديدة، تتضمن فصلاً عن التعليم الإلكتروني، والفصل يتحدث عن مؤهلات المدرس، والبنية التحتية، وأساليب واضحة للامتحانات، والكثير يعتقد أن التعليم الإلكتروني أسهل من التقليدي وهذا غير صحيح؛ لأن التعليم الإلكتروني كُلفته أكثر سواء في كُلفة المنصات أو الامتحانات وتدريب الأساتذة والطلبة وبناء المحتوى الإلكتروني، وتوفير أجهزة متطورة.بالنسبة لسوق العمل تغير؛ حيث إن من لا يمتلك مهارات تقنية وتعليماً ذكياً فإنه سيكون بعيداً عن سوق العمل، والتعليم الذكي ضرورة حياتية لكل من يبحث عن العمل في المستقبل، وهو جزء من تقييم المؤسسات لجاهزيتها للتعليم الذكي، وأعتقد أن التعليم الذكي سيكون له دور كبير جداً في الوظائف المستقبلية. لن يعود كما كان بدوره، أكد الدكتور عبد اللطيف الشامسي مدير مجمع كليات التقنية العليا، أن التعليم في الدولة بعد مرحلة «كوفيد 19» لن يعود كما كان، وستشهد السنوات الخمس المقبلة تغيرات كبيرة؛ بناء على هذا التحول نحو التعلم عن بُعد، ومكتسباته التي تحققت؛ بل إن هذه التحولات التي فرضت نفسها وضعت مؤسسات التعليم أمام واقع جديد؛ حيث إن أية مؤسسة ستبقى على النمط التقليدي في التعليم قد تختفي، والتعليم المستقبلي الذي كنا نتحدث عنه في السنوات الماضية ونسعى إلى تطبيقه جاءت أزمة «كوفيد 19» لتسرّع حدوثه، وقد نجحنا في الإمارات في تحقيق هذا الانتقال السلس إلى التعلم عن بُعد؛ لأننا في بلد يستشرف المستقبل، ويستعد له بجاهزية عالية، إضافة إلى أننا نتعامل مع ما نسميه الجيل (Z)؛ وهو الجيل الذي يواكب تطور العالم الرقمي، كما أنه شغوف به.كما أننا وصلنا إلى نقطة تحول؛ ستمكننا من تحقيق نقلة نوعية في المخرجات التعليمية؛ عبر استثمار تجربة التعلم عن بُعد ومكتسباتها في إعادة هندسة منظومة التعليم في مؤسساتنا التعليمية؛ من خلال تطبيق منظومة تعليم «هجين» تجمع بين التعليم النمطي والتعلم عن بُعد، وتسمح بتوسيع فرص الطلبة في التعليم والتطوير الذاتي والمهاري الاحترافي، بالتركيز على التدريب والتطبيق والابتكار وريادة الأعمال.وحول منظومة التعلم عن بُعد في كليات التقنية فقد طبقتها بشكل متكامل على مدار شهرين تقريباً، ومستمرة إلى اليوم بنجاح من خلال الدراسة الصيفية، وخلال الفترة من 22 مارس/آذار إلى 16 مايو/أيار نجحت كليات التقنية العليا في إنجاز أكثر من مليون و400 ألف ساعة تدريسية عن بُعد، و61 ألفاً و804 محاضرات مباشرة عبر «بلاك بورد ألترا»، وقدمت 115 ألفاً و659 امتحاناً عن طريق الأونلاين، إضافة إلى 55 ألف ساعة للتطوير المهني لأعضاء الهيئة التدريسية.لقد نجحنا في منظومة التعلم عن بُعد التي مكنت الطلبة من مواصلة عامهم الأكاديمي بنجاح، واليوم يواصلون الدراسة الصيفية مسجلين نسبة التحاق أعلى في الفصل الصيفي للعام الأكاديمي الماضي بزيادة تقدر ب20%؛ حيث التحق بالفصل الصيفي لهذا العام (15603) من الطلاب والطالبات، وأتاح تقديم المساقات الدراسية عن بُعد فتح فرص تسجيل أوسع للطلبة من خلال تمكينهم من التسجيل في المساقات التي يحتاجون إليها من دون أي ارتباط بفرع الكليات الذي ينتمي إليه الطالب، ولهذا تم توفير 1196 شعبة، تقدم 342 مساقاً مختلفاً، و51% من هذه الشعب ضمت طلبة من مختلف فروع الكليات.ويجوز القول: إن التعلم عن بُعد اختصر العديد من المراحل والخطوات نحو تحقيق الرؤى والخطط المستقبلية، وحققت كليات التقنية مكتسبات كثيرة؛ من خلال هذه المرحلة، وستسهم في تعزيز جودة المخرجات التعليمية وكفاءتها، وتدعم التوجه نحو ترشيد الإنفاق، وتعزيز الاستثمار الأمثل للموارد، وتنويع فرص التعليم للجميع. البنية التقنية وأشار الدكتور منصور العور رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية إلى أن البنية الأساسية التقنية صلبة في الإمارات، وتتمثل في صدور قرار تأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية عام 2002، ومنذ ذلك التاريخ، بدأنا في وضع البنية الأساسية التقنية للتعليم الذكي التي بدأت في 2002؛ أي قبل «كورونا» ب18 عاماً.وأدت أزمة «كورونا» إلى وقوف قطار التعليم التقليدي، وهناك دول توقف فيها التعليم العام والعالي، والتعليم التقليدي أصبح بحاجة إلى قاطرة تجذبه إلى الأمام، و«كورونا» كشفت عن إمكانات التعليم الذكي، وقدرته على أن يفعل ما لا يستطيع التعليم التقليدي فعله.وفي أثناء أزمة «كورونا» قمنا في جامعة حمدان بن محمد الذكية بتشكيل لجنة تحت اسم «لبيك وطن»، وحددنا ثلاث استراتيجيات؛ الأولى تمثلت في إطلاق دورة باللغة العربية؛ تستهدف المعلم المواطن والمعلم العربي، وتدربوا خلالها على كيفية استخدام التعليم الذكي، والتواصل مع الطلبة عبر الوسائط الإلكترونية، وبدعم كبير من وزارة التربية والتعليم، وأخص بالذكر وزير التربية والتعليم، ذاع صيت هذه الدورة بشكل كبير، والاستراتيجية الثانية أننا تعاونا مع دول عربية؛ لعقد دورات عاجلة وكيف يصبح المعلم معلماً عن بُعد في 24 ساعة، واليوم أكثر من 295 ألف معلم ومعلمة حول العالم حصلوا على دورات تدريبية بخمس لغات، وفي الإمارات صدرت شهادات لأكثر من 79 ألف شخص، وولج أكثر من 160 ألف شخص واطلعوا على برامجنا التدريبية؛ لكن من دون الحصول على شهادة تدريبية.أما الاستراتيجية الثالثة فتتضمن اعتبارنا الجامعة العربية الوحيدة التي مثلت على مستوى اليونيسكو في مجال التحالف الدولي لمكافحة «كوفيد- 19» بالتعليم الذكي. وبخصوص الحديث عن مستقبل التعليم الذكي للإمارات التي تعد سبّاقة في مأسسة التعليم الذكي عبر مفوضية الاعتماد الأكاديمي، ينبغي الإجابة عن ثلاثة أسئلة مهمة؛ حيث تحدد الإجابة عنها موقف التعليم الذكي في المستقبل.السؤال الأول: هل التعليم الذكي تعليم أزمات؟ للإجابة عن السؤال، التعليم الذكي ليس تعليم أزمات، وإنما هو جاء كتطور طبيعي لتطوير أساليب التعليم، وما فعلته جائحة «كورونا» أنها لفتت الانتباه للتعليم الذكي، وبرهنت أنه قادر على فعل ما لا يمكن للتعليم التقليدي فعله.السؤال الثاني: هل سيظل التعليم الذكي تعليماً بديلاً؟ أعتقد أن نظرة أفراد المجتمع تغيرت نحو التعليم الذكي، ولن يعود التعليم التقليدي كما كان من قبل.والسؤال الثالث: هل سيؤدي التعليم الذكي إلى اختفاء التعليم التقليدي؟ لم يسبق الحديث عن اختفاء التعليم التقليدي، وهذا قد يحدث بعد سنوات، فلكل تعليم دوره ونطاقه وميزته. وأظن أن التحدي الأول للعملية التعليمية هو التحدي التشريعي، وينبغي على التعليم الذكي أن يكون مرناً، ومع الأسف تركيز الجامعات فقط على معايير الاعتماد الأكاديمي، والتحول يحتاج إلى تعليم مرن وذكي، والقيادة الرشيدة حريصة على تمكين الجامعات، وتحويلها إلى مناطق اقتصادية ومناطق حرة ترسخ الإبداع والابتكار. فرصة للجامعات وتطرق الدكتور كريم الصغير مدير جامعة عجمان إلى مزايا التعليم الذكي، وذكر أن أزمة «كورونا» تشكل فرصة لكافة الجامعات في موضوع تسريع الانتقال للتعليم عن بُعد، يشمل ذلك بطبيعة الحال تدريب الأساتذة والطلبة، وهناك جامعات اعتمدت التعليم الذكي؛ لكن الأفراد لم يكونوا مؤهلين للتعامل مع التقنيات الحديثة.وأعتقد أن النشاطات الصفية واللا صفية مهمة جداً؛ لكن حاولنا عقد برامج تفاعلية تعليمية عن بُعد؛ لإيجاد مقاربة للتعليم التقليدي، وهناك من الطلبة من اكتشف مواهبه عبر منصة التعليم عن بُعد، والإمارات من أوائل الدول السبّاقة في إنجاح العملية التعليمية عن بُعد. مسألة أخرى أتطرق لها، وهي البحث العلمي، والجائحة عززت إدراك المجتمعات بأهمية البحث العلمي، وهذا جزء لا يتجزأ من دور الجامعات والمراكز البحثية، ووفرنا كافة الظروف؛ لتنشيط البحث العلمي وتسهيل الحصول على المعلومات؛ وذلك لأن مستقبل التعليم لا يتصل بالتعليم عن بُعد فقط، وإنما بتوفير البيانات، وتسهيل الحصول عليها، وكذلك تعزيز ثقافة البحث العلمي. ثم إننا حرصنا على مسألة المسؤولية المجتمعية في الجامعة؛ لأن العديد من الناس تأثروا من جائحة «كورونا»، وقمنا بالعديد من الأدوار؛ لدعم الطلبة وأسرهم. أما التحديات التي تعلمنا منها؛ أننا حققنا نجاحات على صعيد التعليم عن بُعد؛ لكن ثمة اختصاصات لا ينطبق عليها هذا النوع من التعليم، والهدف الأساسي للتعليم هو المخرجات والامتحانات بالطرق التقليدية هي الأساس لهذا الهدف. بنية تحتية تقنية أما الدكتورة نجوى الحوسني عميد كلية التربية بالإنابة في جامعة الإمارات، فقد ذكرت أن جهود الإمارات في التعليم عن بُعد متناسقة، وهناك بنية تحتية تقنية قوية لكل جامعة في الدولة، وسبقتنا العديد من الجامعات العالمية في تطبيق برنامج التعليم عن بُعد، وأثمرت هذه الجهود في ظل جائحة «كورونا»، وعلى الرغم من أن التعليم التقليدي قديم، فإن هناك قلقاً يتصل بكيفية تحميل أو تحويل المحتوى العلمي لكي يناسب تجربة التعليم عن بُعد، ومعظم الدكاترة مع الأسف حولوا المحتوى التعليمي إلى مادة «باور بوينت» أو عرض مرئي لا أكثر، وهنا فقدنا التفاعل الصفي، ونحن مع تحويل المحتوى التقليدي ككتاب إلى محتوى إلكتروني؛ لكن ينبغي أن تكون طرق العرض مبتكرة، وهذا يشكل تحدياً مهماً، وأتمنى تشكيل لجنة وطنية من المختصين؛ لمساعدة بعضنا لتحويل المحتوى التعليمي إلى رقمي نوعي، وفتح هذه المنصة إقليمياً وعالمياً؛ للاستفادة منها، ومرونة العلمية التعليمية أمر مطلوب، وينبغي أن تتوفر هذه المرونة عند الأساتذة؛ من حيث قبول صيغ جديدة للتعليم عن بُعد، وكذلك في النظام التعليمي عموماً، وأتفق أن التعليم لن يعود كما كان قبل الجائحة، وباعتقادي أن حصر المواد التي يمكن تدريسها عن بُعد، ووضع استراتيجية، أمر مهم لمسايرة هذه التجربة في التعليم؛ لكن إن هناك مواداً تحتاج إلى تدريب عملي وتربية عملية، ومن المهم محاكاة التربية العملية؛ لإحداث التفاعل الصفي كما هو حال التعليم التقليدي؛ لمواجهة الوضع الحالي. وأتفق مع بعض الزملاء بأن التعليم الذكي مستمر؛ لكن يحتاج إلى تقييم ومراجعة بغرض التطوير، والتعليم التقليدي إلى زوال، وأقصد بذلك التعليم التقليدي المعتمد على المعلم كمصدر وحيد للعلم والمعرفة، وعدم التخلي عن الجودة يعد أمراً ضرورياً، وتحقيق مخرجات التعلم؛ هو التعليم المطلوب والتفاعل الاجتماعي هو طبيعة الإنسان ولا يمكن الاستعاضة عنه بالتفاعل المرئي، والذي يصنع الفرق في العملية التعليمية، عنصران مهمان، المعلم المدرب والمؤهل والمصادر التعليمية المساندة للمعلم. الممارسة العملية من جانبه، قال الدكتور يوسف العساف رئيس جامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي، إن العديد من الجامعات كانت لديها مشكلة في التعليم عن بُعد قبل «كورونا»؛ لكنها بدأت بعد «كوفيد-19» بالتوجه بسرعة نحو التعليم عن بُعد، وواجهتنا مشكلة الممارسة العملية، هذا إلى جانب الخوف من ردة فعل سلبية؛ نتيجة التعليم عن بُعد، وعدم الأخذ بمبدأ التدرج وتقييم العملية التعليمية، ولذلك أنا لست مع التعليم عن بُعد كل الوقت؛ لأنه من الصعب أن تقول للطالب اجلس في المنزل وادرس عن بُعد واحصل على شهادة، وعليه أن يتعامل مع أقرانه؛ لكن يمكن تغيير طبيعة ودور الجامعة؛ من حيث إن الطالب إذا أراد الحصول على المعلومات والبيانات والأبحاث، فإنه يذهب للجامعة أو يتواصل مع الأساتذة والطلاب في الحرم الجامعي، ويجب أن يكون هناك تعاون في المستقبل بين الجامعات؛ من حيث حصول الطالب على المعلومات أو أن يتشاركها مع طالب آخر أو يحصل على مساق تدريبي في جامعة غير جامعته، والقصد الحصول على خدمات من عدة جامعات؛ لتطوير مهارات الطالب، ومخرجات المدارس هي مدخلات الجامعات، وأيضاً ينبغي صقل مهارات الطالب على مستوى المدارس حتى يكون مؤهلاً للتجاوب مع سوق العمل.في الحقيقة التعليم يتغير؛ لكن ينبغي أيضاً أن تتغير أدوار الجامعات؛ من حيث استخدام التقنيات الحديثة والتنسيق فيما بينها وكذلك التركيز على مسألة البحث والحصول على المعلومات؛ يصقل مهارات الطلاب ويحفظ جودة التعليم، وكذلك من المهم قبل تعيين الأساتذة أن يمتلكوا مؤهلات تكنولوجية وخبرات تضيف للطلبة علمياً وأكاديمياً. إيجابيات وتحديات وتطرق الدكتور عبد الله الشامسي مدير الجامعة البريطانية في دبي إلى إيجابيات التعليم عن بُعد وتحدياته، وتحدث عن تجربة الجامعة البريطانية في موضوع الخدمات التعليمية عن بُعد، وليس فقط التدريس، وجميع الخدمات بما فيها المكتبات وتسجيل الطلاب وتسليم الأبحاث عبر الإنترنت، ولم تواجهنا مشكلات تقنية؛ لأن أغلب الخدمات قبل كوفيد-19 كانت عبر «الأون لاين»؛ لكن ثمة مشكلات وتغلبنا عليها؛ من حيث تطوير البنية التحتية التقنية، وكيفية تحويل المنهج الدراسي من وجه لوجه إلى «أون لاين»، إنما يلفت الانتباه أن تعامل الطلبة مع المواد التعليمية يختلف من مرحلة إلى أخرى؛ إذ اكتشفنا الفرق في التعامل بين طلبة الماجستير والدكتوراه عن طلبة البكالوريوس، وكلما تتطور في المرحلة التعليمية يستسهل الطلبة التعامل مع التقنيات واستخدام الأبحاث والبيانات. وأتفق مع بعض الزملاء بأن التعليم عن بُعد لن يكون البديل الكامل عن التعليم التقليدي، ثم إذا نظرنا إلى العملية التعليمية بشكل كامل فهي ليست فقط إعطاء الدروس للطلبة وجهاً لوجه، والطالب لا يتعلم فقط من وجوده في الصف الدراسي، وإنما وجوده مع زملائه في الصف الدراسي والتفاعل معهم يعد قضية مهمة، وإذا تمت الاستعاضة عن التعليم التقليدي بالتعليم عن بُعد لجميع الطلبة، فستكون لدينا مشكلة.أيضاً الأنشطة اللا صفية هي التي تصقل شخصية الطلبة، وتنمي قدراتهم، وابتعادهم عن الحرم الجامعي بشكل كامل، قد يحدث مشكلة؛ لأن الأنشطة اللا صفية هي محور تمكين الطالب، وإيجابياتها هائلة عليهم، ولا ينبغي التقليل من دورها، وأعتقد أن المباني الجامعية ستفتح بعد أزمة «كورونا»، وسيعود الطلبة إلى مقاعد الدراسة.وقضية التقييم ستبقى مشكلة في موضوع التعليم عن بُعد؛ ولذلك يمكن القول: إن التعليم الهجين قد يكون حلاً للعملية التعليمية؛ من حيث التدريس والتقييم، والتعليم عن بُعد لن يكون بديلاً عن التقليدي؛ لكن سيكون جزءاً أصيلاً في العملية التعليمية، ولابد للتعليم الإلكتروني أن يشكل قيمة مضافة للعملية التعليمية برمتها، والجامعة تبقى مؤسسة اقتصادية وتعليمية وبحثية مهمة، ولها دور في تدريب الكفاءات في المجتمع وهي جزء من منظومة الأمن القومي، والدول ستحتفظ بها. صعوبة في التأقلم وعلّق الدكتور محمد سالم رئيس جامعة ولونغونغ في دبي على تجربة التعليم عن بُعد في ظل أزمة «كورونا» في جزئية التقييم، وقال: إن الجامعة اعتمدت معايير محددة في عملية التقييم تستند إلى التكنولوجيا وتحليل الامتحانات؛ من حيث مقارنة نتائج الطلاب في مرحلة التعليم عن بُعد عن نتائجهم في الفصول الدراسية السابقة، وإذا كان هناك أي خلل في النتائج فمن التلقائي أن تأتي رسالة للطالب، ويجتمع مع الدكتور عبر التقنيات الحديثة؛ حيث يسأل الدكتور الطالب في الامتحان الذي خضع له للتأكد من النتيجة.وتجربة الجامعة في التعليم عن بُعد جيدة ولم تواجه مشكلات كبيرة، باستثناء صعوبة تأقلم الطلبة في المراحل الدراسية الأولى مع التعليم عن بُعد، وهذا يدعوني للتأكيد على مسألة بناء علاقات جيدة مع طلاب السنوات الأخيرة؛ لتحضير الطلاب لجميع أنواع التعلم. ثم إنني أرى قدرة كبيرة للدولة في استقطاب الطلاب من الخارج؛ للدراسة في الجامعات الإماراتية، انسجاماً مع بنيتها التحتية التقنية والتعليمية القوية والمؤهلة، وموضوع تحليل بيانات الطلاب مهم؛ لأنه يعطي عاملاً استراتيجياً مهماً ويبين معرفتهم في المهارات التقنية واحتياجاتهم التعليمية. ولاشك أن وجود المختبرات وتعامل الطلبة والتفاعل بين بعضهم يعد أمراً مهماً؛ لكن أيضاً من المهم تأهيلهم للتعلم عن بُعد وكذلك تعاملهم مع البيانات، وأظن أن أحد التحديات المهمة تتصل بتأهيل المدرسين ومواكبتهم لمتطلبات التعليم الذكي. المشاركون في الندوة: 1. د. عبد الله الشامسي: مدير الجامعة البريطانية في دبي.2. د. عبد اللطيف الشامسي: مدير مجمع كليات التقنية العليا.3. د. عيسى البستكي: رئيس جامعة دبي.4. د. كريم الصغير: مدير جامعة عجمان.5. د. محمد سالم: رئيس جامعة ولونغونغ في دبي.6. د. محمد يوسف بني ياس: مستشار التعليم العالي، مدير مفوضية الاعتماد الأكاديمي في وزارة التربية والتعليم.7. د. منصور العور: رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية.8. د. نجوى الحوسني: عميد كلية التربية بالإنابة في جامعة الإمارات.9. د. يوسف العساف: رئيس جامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي. توصيات الندوة: خلصت ندوة «الخليج» حول تجربة التعليم عن بُعد في الإمارات في ظل انتشار فيروس «كورونا» إلى عدد من التوصيات نوجزها فيما يلي:1. لجنة وطنية تحول المحتوى التعليمي التقليدي إلى تفاعلي ذكي.2. المواءمة بين جودة التعليم ومهارات الطالب التقنية لمواكبة متطلبات سوق العمل.3. اعتماد التعليم «الهجين» الذي يزاوج بين التعليم الذكي والتعليم التقليدي.4. أولوية البحث العلمي وتوسيع نطاقه بين الجامعات والمؤسسات التعليمية.5. حصول الطالب على التعليم الذكي من مختلف المصادر التعليمية.6. استراتيجيات جديدة في أدوات التقييم تواكب التعليم عن بُعد.

مشاركة :