يرى كثيرون من متابعي الكاتبة السّورية ريم حنّا أنّ مسلسل "24 قيراط" لا يشبهها، هو مسلسل ناجح جماهيرياً لكن في العمق ثمّة ثغرات لا تليق لا باسم ريم ولا بأسماء الأبطال المشاركين فيه، ريم التي تتقبّل النقد أكثر ممّا قد يتقبّله أي كاتب يوضع أحد نصوصه على مشرحة النّقد، الذي قد يصل إلى حدود المساءلة. هي تعتبر أنّ المسلسل أدّى المطلوب منه، وصل إلى شريحة كبيرة من المشاهدين ونافس على المراتب الأولى. تحمّل نفسها جزءاً من مسؤوليّة ما يعرض على الشّاشة، وتؤكّد أنّ عدّة عوامل تتضافر لإنجاح او إفشال العمل الذي تشاهده كأي مشاهد عادي، لتفاجىء أحياناً أن المشهد سيق إلى حيث لا تريد، تماماً كما حصل في حلقة تكريم الصبّوحة، حيث أخطأ الممثل طلال الجردي وغنّى "برهوم حاكيني" ناسباً إياها للصّبوحة، ما جعل المشاهدين يتساءلون "كيف تكرّمون فنّانة كبيرة لا تعرفون حتّى أغانيها؟". تجيب ريم: أولاً أحب أن أشير إلى أنّني أتابع المسلسل كأي مشاهد عادي من منزلي، ذهبت مرّات قليلة جداً إلى التصوير، ولم يتسنّ لي مشاهدة عملية المونتاج، بالتالي فوجئت مثلكم بالمشهد. *قيل إنّ طلال الجردي اجتهد وغيّر الأغنية دون علم منك؟ كنت أشاهد وأبتسم كما أفعل عادةً في مشاهد الجردي لشدّة ما هو عفوي وظريف، وعندما بدأ بالغناء فوجئت وراجعت نصّي لأنّي لوهلة شكّيت بنفسي، فوجدت أنّي في الخلفيّة اخترت أغان تليق بالمشهد كون طلال صاحب فرقة دبكة مثل "مرحبتين" التي تقول فيها الصبوحة "وينن هالدبّيكة"، و "دق الكف وقوم عالسّاحة". *ما الذي حصل إذاً؟ أنا أحلّل، قد يكون طلال تعامل مع الموقف أنّه ليس ضليعاً بأغاني الصبّوحة، لكن في هذه الحالة كان الأولى أن يقوم أحد في المشهد بتصحيح الخطأ لطلال كي لا يبدو خطأً مقصوداً. *ألم تراجعي المخرج؟ لا. فبماذا سأستفيد إذا أتّصلت بالمخرج بعد عرض الحلقة؟ *لكنّ كثيرون لاموك أنت شخصياً على هذا الخطأ غير المبرّر في حلقة تكريم الفنّانة الكريمة، فأن تكرّم شخصاً أقلّه أن تعرف أغانيه؟ الحق معك، هل تصدقين أنّني لم أتمكّن من متابعة الحلقة كاملة لشدّة ما تلقّيت من اتصالات، وقد أوضحت لبعض الأصدقاء والصحافيين حقيقة ما جرى، فالكاتب ليس دائماً مسؤولاً عن الأمور التي تشاهدونها على الشاشة، أحياناً يكون النص في مكان وعندما يعرض على الشاشة يصبح في مكان آخر. بين عابد فهد ونور الشريف *من خلال ما تشاهدينه على الشاشة، هل أنصف المخرج الليث حجو النص الذي كتبته؟ ثمّة أمور أنا راضية عنها، وثمّة أمور أخرى كنت أتمنّى أن تكون أفضل، فنجاح العمل تدخل فيه مجموعة من العناصر منها الإخراج والكتابة والتمثيل، أحياناً يجتهد الممثل من عنده، فيتصرّف في كلمات كنوع من الإيفيه ولتلطيف الجملة، وقد يوفّق أحياناُ وقد لا يوفّق. أحياناً قد يضيف الممثّل كلمة دون أن يرجع إلى الكاتب، فتؤثّر على إيقاع المشهد ككل، ويقع اللوم على الكاتب على اعتبار أنّه يتحمّل مسؤوليّة النص. *في مسلسل "لعبة الموت" أيضاً تمّ تغيير أحداث الحلقة الأخيرة دون العودة إليك، ألم تدفعك هذه التجربة إلى الحرص على الحضور في كواليس التّصوير؟ لم يكن ثمّة إمكانية لأكون موجودة في تصوير كل الحلقات، فالكاتب أصلاً يكون منهكاً وقد أخذ نصيبه من التعب والسّهر وساعات العمل المتواصلة، وذهابه إلى موقع التصوير في العادة يكون زيارة لا أكثر. ثمّة كاتب وحيد كان يحرص على حضور تصوير مسلسلاته وهو أسامة أنور عكاشة فقط. *يؤخذ على المسلسل جنوحه إلى التطويل؟ عندما كتبت المسلسل طلبت منّي الشّركة المنتجة أن أختصره لأنّه طويل، فقمت باختصاره، ثم تبيّن أنّه أصبح أقصر من المطلوب فطلبوا منّي أن أطيل أحداثه ليتناسب مع الثلاثين حلقة، لكن أنا شخصياً لم أخترع شيئاً لتطويل المشاهد، من قرأ العمل على الورق يعرف تماماً هذا الأمر، لأني عندما أكتب مشهداً طويلاً أنا نفسي أشعر بالملل فأحاول اختصاره. *لكن الحلقات سارت بإيقاع بطيء حتى الحلقة العشرين عندما بدأ البطل باستعادة ذاكرته؟ إذا أردنا أن نحكم على المسلسل، علينا أن نحكم عليه من طبيعة أحداثه، التي تبدأ باختطاف رجل أعمال وانتقاله لاحقاً بعد أن يفقد الذّاكرة إلى حياة ثانية مختلفة تماماً، مع أشخاص يتمتّعون بالبساطة إلى أن تعثر عليه عائلته. وإلى أن يتم العثور عليه، يجب أن تكون الأحداث هنا قد أخذت منحىً إنسانياً ورومانسياً، لأنّ المسلسل ليس مصنّفاً في خانة الأكشن. بالنهاية لا أستطيع أنا وحدي أن أتحكّم بإيقاع العمل، الدراما عمل جماعي تتحكّم فيه كل العناصر مجتمعة، من نص وإخراج وتمثيل ومونتاج، لدرجة أنّ أحدنا بحاجة إلى تفكيك مشهد ما لمعرفة لماذا ارتخى هنا، لكن أنا شخصياً لم أر أي تطويل في الأحداث. *قصّة المسلسل هي تقريباً القصّة التي بني عليها مسلسل "الرجل الآخر" للفنان نور الشريف، الذي عرض عام 1999، هل هو مجرّد توارد أفكار؟ وما حقيقة أنّ عابد فهد هو صاحب فكرة "24 قيراط"؟ نعم عرض عليّ عابد أن أكتب مسلسلاً عن رجل فاقد للذّاكرة، فأبديت تخوّفي في البداية لأنّ هذا الموضوع سبق وعولج كثيراً في الدراما والسينما، وبخصوص "الرجل الآخر" لم أشاهد المسلسل لكن ثمّة أمور تعلق في اللاوعي لدينا، وعدّة الشغل في هذه الأعمال تتشابه لذا كان لدينا أكثر من فرضيّة، أوّلها أنّ يفقد ذاكرته ويضيع، وثمّة أشخاص ضاعوا منذ أكثر من أربعين عاماً ولم تعرف عائلاتهم عنهم شيئاً، أو أن يضيع ويتمّ إيجاده في مكان آخر، وإما أن يموت وهنا تنتهي القصّة. فكان الاقتراح أن نقدّم قصّة عن رجل فقد الذاكرة يعيش حياتين متناقضتين، فيتحوّل من رجل أعمال صاحب سلطة إلى طفل. فاقد للذاكرة أم مختلّ عقلياً؟ *عابد فهد في العمل يبدو وكأنّه يلعب دور رجل مختلّ عقلياً وليس دور مصاب بفقدان الذّاكرة، خصوصاً أنّكم ذكرتم في المسلسل أنّه لم يتعرّض لتلف في الدماغ، ما يعني أنّه رجل طبيعي بدون ذاكرة؟ أنا سألت مختصّين ولم أكتب دون أن أعود إلى الرأي الطبي بهذا الموضوع، نحن قلنا إنّه تعرّض لضربة قويّة على الجمجمة وفقد الذّاكرة وبالفعل استشرت أطباء بهذا الموضوع لأعرف منهم كيف يتصرّف الفاقد للذّاكرة. *في المسلسل يظهر فاقد الذّاكرة وكأنّه همجي، يأكل الحلوى من الدّكان كالأطفال دون أن يدفع ثمنها، يتصرّف بطريقة تبدو بعيدة عن ذكاء رجل الأعمال على اعتبار أنّه فقد ذاكرته وليس ذكاءه؟ في هذا المشهد لم أكتب أنه هو من يأكل الحلوى، كان من المفترض أن يطعم الكلب الحلوى، فاقد الذاكرة لا يفقد مهاراته المكتسبة مثل القدرة على القتال والرسم، لكنه يفقد القيم بالتالي هو لا يميّز بين الألف ليرة والمليون. عاطفياً ينسى عائلته، سلوكياً ينسى كيف يلبس ملابسه وكيف يحمل الشوكة والسّكين، كتبت الدور بحيث يظهر فيه وهو يتعلّم هذه الأمور من جديد، لكنّه بالطبع لم يفقد ذكاءه الفطري، ولا يتخلّى عن ذكائه ضمن معطيات المعارف التي يكتسبها مع المهارات الموجودة لديه أصلاً. *نقّاد كثر اعتبروا أن عابد فهد أخفق في لعب هذا الدور، كيف وجدت أداءه؟ كل ما تشاهدونه على الشاشة هو نتيجة جهد وتعب قد ينسفه النّاقد بكلمة، أحياناً يكون الممثل مهووساً بدوره ويعتقد أنّه يقدّم إنجازاً، فيفاجىء بردود الفعل السلبية ويصطدم بآراء لم تكن بالحسبان، وهذا ينطبق على الكاتب والمخرج أيضاً. لا أحداً يعمل في مجال الإبداع إلا ويكون هاجسه تقديم شيء جديد يحظى بإعجاب الناس، أحياناً يوفّق وأحياناُ أخرى تخطىء حساباته. حذف مشاهد مهمّة *ما حقيقة ما قيل عن حذف مشاهد لسيرين عبد النور من المسلسل؟ هذا الأمر غير صحيح، هل يعقل أن نحذف مشاهد لسيرين؟ أنا لن أقبل بأمر كهذا، وأصلاً من سيجرؤ على أن يطلب طلباً مماثلاً؟ هذا أمر غير واقعي على الإطلاق. *قيل إنّ ثمّة مشاهد أضيفت لماغي بو غصن لزيادة مساحة دورها في المسلسل؟ عندما تبيّن أنّ المسلسل قصير، طلب منّي أن أطيله، فاضطررت إلى دعم بعض المشاهد، وأضفت أيضاً أكثر من مشهد لمجدي مشموشي وظافر عابدين وديما قندلفت بحيث لا تبدو المشاهد مقحمة في العمل. *لم تضيفي مشاهد لسيرين؟ لا لأنّ دورها دور بطولة من الحلقة الأولى، وقد أخذت مساحة تليق بها. *لكن ثمّة حلقات لا تظهر فيها سيرين إلا بمشهد واحد، مثل حلقة تكريم الصبّوحة؟ هذه الحلقة لها قصّة خاصّة، كنا نخشى ألا نبدو مقنعين وسط هذه الجموع في الجنازة، وقد فوجئت باختصار الكثير من المشاهد بما فيها مشاهد لماغي أيضاً، حتى مراحل استدعاء الذاكرة تمّ اختصاره وكان من المقرّر أن يشهد يوسف مطاردة وأن يرفع بوجهه مسدساً لكنّ المشاهد حذفت. *لماذا؟ طالما أنّهم كانوا يشكون أصلاً من أنّ المسلسل قصير ويحتاج إلى التطويل؟ عليكم أن تتوجّهوا بهذا السؤال إلى المخرج وليس إليّ أنا. *لماذا لم تسأليه أنت؟ هل ثمّة خلاف بينكما؟ عندما نلتقي نحن أصدقاء، لكن المشكلة أنني لم أشأ أن أربك الإنتاج بمشهد الجنازة، فاقترحت أن تتم الاستعانة بمشاهد أرشيفية من الجنازة، وكنت حريصة جداً على أن تخرج هذه الحلقة بصورة لائقة. *كيف خطر على بالك تكريم الصبّوحة في المسلسل؟ وجدتها فرصة، كنت أريد ليوسف زهران بطل العمل أن يستعيد ذاكرته وهو وسط الزحام، لم أجد أفضل من جنازة الصبّوحة التي كرّمنا مسلسلنا بها وليس العكس، فقد كانت حدثاً تاريخياً استثنائياُ، لم يحظ أي فنان عربي أو عالمي بجنازة تشبه جنازتها. بين "لعبة الموت" و"24 قيراط" *راضية عن "24 قيراط"؟ الهدف من عرض المسلسل في رمضان كان أن يحظى بنسبة مشاهدة عالية وطالما أنّه حقّق أهدافه أعتقد أنّنا نجحنا. لكن لا أدّعي أنّني عالجت من خلاله قضايا هامة، هو مسلسل فوق الواقعي بشبر. ثمّة أمور راضية عنها، وثمّة أمور أقول ليتها كانت أفضل. *المشاكل بين الممثلين في العمل برأيك أثّرت على جو التصوير، وبالتالي على قدرة الممثلين على إقناع المشاهد؟ أنا بصراحة لا أحبّ أن أكون طرفاً في هذا النّوع من المشاكل إن وجدت، وأنا أصلاً ضدّ أن يعرف الناس بها. هناك ممثلون لا يتطايقون على أرض الواقع لكنّهم أمام الكاميرا يقدّمون مشهداَ رائعاً. *ثنائي سيرين عبد النور وعابد فهد في "لعبة الموت" كان أكثر شعبية من الثنائي الذي يؤديانه في "24 قيراط" رغم مشاهد التعنيف في المسلسل الأوّل؟ سأجيبك بحكاية، قديماً كانوا في كندا يلعبون لعبة الركبي على الثلج بصورة عنيفة، وكان من أهم مقوّمات هذه اللعبة أن يتقاتل اللاعبون وتسيل الدماء، وقد قامت حينها جمعيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بالاعتراض على العنف المستخدم في الرياضة، فصدر قانون يمنع استخدام العنف، فلم يعد الجمهور يشاهد المباريات إلى أن ألغي القانون. الخلاصة أنّ الجمهور أحبّ عابد وسيرين في ذلك الإطار أكثر ممّا تقبّلهما في إطار الشخصيّات الإنسانيّة المتلوّنة التي تعيش صراعات ناعمة، لأنهم اعتادوا على صورة الرجل العنيف والمرأة المعنّفة وهي قصص تحظى بشعبيّة. كلّ ممثل يحبّ أن يغيّر في نمط أدواره، أحياناُ تكون حساباته صحيحة وأحياناً لا.
مشاركة :