تدخل جائحة «كورونا» الآن مرحلة ثانية، حيث تقوم الدول بإعادة فتح اقتصاداتها وتخفيف أو ربما إلغاء الإجراءات الصارمة، المتعلقة بالتباعد الاجتماعي. ومع ذلك، من دون الحصول على علاج أو لقاح متوافر عالمياً، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية السابقة يعتبر طموحاً أكبر من الحقيقة. والأمر الأسوأ أن ثمة مخاطر من اندلاع موجة ثانية من المرض على المستوى المحلي، أو الإقليمي، وربما تكون أشد من السابقة. صحيح أن صانعي السياسة، والمسؤولين عن الرعاية الصحية، والعلماء، والعامة، تعلموا الكثير من تجربة الموجة الأولى، ولكن الموجة الثانية ممكنة، ويمكن أن تكون مختلفة عن الأولى. وبدلاً من الإغلاق على نطاق واسع، الذي أدى إلى شبه ركود اقتصادي واجتماعي، فإن الاستجابة للموجة الثانية يمكن أن تعتمد على الأنظمة الصارمة والموجهة نحو التباعد الاجتماعي، واستخدام كمامات الوجه، والعمل عن بُعد، والاجتماعات عبر الفيديو، وهكذا. ولكن ضرورة الإغلاق المحلي مرة ثانية، ستكون استناداً إلى شدة الحالات. وكما كانت الموجة الأولى، فإن الثانية إن ظهرت ستنطوي على أزمة ثلاثية في آن معاً. وإضافة إلى انتشار الفيروس عالمياً، فهناك الكساد الاقتصادي وتصاعد النزاع الجيوسياسي. وبالطبع فإن الاقتصاد العالمي يعاني الآن كساداً كبيراً، وبحاجة إلى الكثير من الوقت لتنشيطه، الأمر الذي عزز التنافس الصيني- الأميركي، خصوصاً في الأشهر التي تسبق الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل. وعلى الرغم من أن اقتران الموضوع الصحي، بالاقتصادي والاجتماعي، والاضطرابات الجيوسياسية تبدو أكثر من كافية بالنسبة لعالمنا، إلا أننا يجب ألا ننسى عاملاً مهماً هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فإذا قدر للرئيس ترامب الفوز في الانتخابات الثانية، فإن الفوضى الحالية التي تعم العالم، يمكن أن تتصاعد بصورة سريعة، في حين أنه إذا فاز خصمه الديمقراطي جو بايدن، فعلى الأقل سيجلب إلى العالم الكثير من الاستقرار. وتبدو الرهانات في الانتخابات الأميركية عالية. وبالنظر إلى أزمات العالم المتصاعدة، فإنه ليس من المبالغة القول إن البشرية تدخل في مفترق طرق تاريخي. وفي الحقيقة فإن المدى الحقيقي للركود الاقتصادي العالمي، لن يظهر جلياً إلا بحلول الشتاء المقبل، فإنه وبلا شك سيكون صدمة أخرى للعالم، الذي لم يعتد مثل هذه التقلصات في الاقتصاد. وبالمعنى النفسي والحقيقي فإننا اعتدنا النمو المتواصل. ولكن هل تكون الدول الغنية في العالم الغربي وآسيا، قادرة على التعامل مع هذا الركود الشديد، واسع النطاق، وطويل الأمد؟ وحتى إذا أثبت إنفاق التريليونات من أجل تنشيط الاقتصاد أنه كافٍ، يبقى السؤال المطروح، ماذا بعد؟ وفي أسوأ سيناريو ممكن (وهو وارد) عندما يتم إعادة انتخاب ترامب، ستكون الموجة التالية من الوباء كارثية. ولكن حتى إذا لم نفترض الأسوأ، فإن الأزمة الثلاثية ستبشر بفترة جديدة، تتطلب إعادة بناء الأنظمة السياسية والاقتصادية الوطنية، والمؤسسات التعددية. وحتى في أفضل السيناريوهات الممكنة، فإنه لن تكون هناك عودة إلى الوضع الحاضر، فالماضي قد مضى، والمهم الآن هو المستقبل. ولا ينبغي أن نشعر بالوهم لما يمكن أن يحدث لاحقاً، إذ إن الأزمات التي نجمت عن الوباء عميقة ويمكن أن تستمر طويلاً، ويمكن أن تؤدي الى إعادة توزيع في السلطة والثروة على المستوى العالمي. والمجتمعات التي استعدت لهذه النتيجة عن طريق حشد الطاقات الضرورية والمعرفة والاستثمارات ستكون من بين الفائزين، أما الذين سيفشلون في معرفة ما هو آتٍ فسيجدون أنفسهم من بين الخاسرين. وفي نهاية المطاف، وقبل ظهور الوباء، كان العالم في مرحلة انتقالية نحو العصر الرقمي، الذي سيكون له تأثيرات واسعة على قيمة التقنيات التقليدية، والصناعات القديمة، وتوزيع السلطة والثروة. وإضافة إلى ذلك فإن ثمة أزمة عالمية كبيرة تلوح في الأفق، إذ إن نتائج تغير المناخ ستكون لها آثار كارثية على حياتنا، أكثر من أي شيء آخر، ولن تكون هناك فرصة صنع لقاح من أجل هذه المشكلة. نقطة انعطاف في الواقع فإن جائحة «كورونا» تمثل نقطة انعطاف حقيقية. ومنذ قرون عدة، اعتمد البشر على نظام اقتصاد سياسي يتألف من دول قومية أنانية (في العالمين الرأسمالي والاشتراكي)، والصناعات التي تعتمد على الوقود الإحفوري، واستهلاك الموارد الطبيعية. ويبدو أن هذا النظام قد وصل بسرعة إلى نهايته، الأمر الذي يجعل إجراء التغيّرات أمراً لا مفر منه. والمهمة الأساسية الآن هي التعلم قدر ما نستطيع من الموجة الأولى للأزمة الثلاثية. وبالنسبة لأوروبا، التي بدت وكأنها تقهقرت خلف الآخرين اقتصادياً وسياسياً، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة غير متوقعة لمعالجة جميع المشكلات التي تعانيها. وتمتلك أوروبا قيماً سياسية، مثل الديمقراطية، وحكم القانون، والمساواة الاجتماعية، والمعرفة التقنية، واستثمار القوة للعمل بصورة حاسمة لمصلحة مبادئها وأهدافها، إضافة إلى مصلحة البشرية بصورة عامة. والسؤال الوحيد الذي يبقى بلا جواب هو: «ما الذي ينتظره الأوروبيون؟». • الاستجابة للموجة الثانية يمكن أن تعتمد على الأنظمة الصارمة الموجهة نحو التباعد الاجتماعي، واستخدام كمامات الوجه، والعمل عن بُعد، والاجتماعات عبر الفيديو. يوشكا فيشر - وزير خارجية ألمانيا سابقاً تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :