حتى اللحظات الأخيرة، قبيل بدء سريان الهدنة الإنسانية في اليمن ووقف إطلاق النار بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، من جهة، والميليشيات الحوثية والقوات المتمردة على الشرعية والموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى، استمرت الاشتباكات في معظم جبهات القتال بالمحافظات اليمنية، فيما قصفت قوات التحالف مواقع متعددة للميليشيات الحوثية. وقالت مصادر محلية في محافظة تعز لـ«الشرق الأوسط»، إن تحالف «الحوثيين - صالح» حشد قوة كبيرة، بعد استقدام تعزيزات من صنعاء ومناطق أخرى، وذلك لمحاصرة مدينة تعز التي منع المواطنون من الدخول أو الخروج إليها. وأرجعت المصادر هذه الخطوة إلى سعي الميليشيات إلى التحكم في إدخال المساعدات الإنسانية التي يفترض أن تتدفق أثناء فترة سريان الهدنة، التي تم التوصل إليها من أجل إيصال المساعدات الإنسانية لسكان المدن المنكوبة والمحاصرة من قبل الميليشيات وقوات الحرس الجمهوري الموالي للمخلوع صالح. وخلال الاشتباكات التي وقعت في تعز، أمس، لقي عدد من المسلحين الحوثيين مصرعهم، في اشتباكات عنيفة شهدتها المدينة. وذكرت المصادر أن الاشتباكات امتدت إلى محيط جبل جره والزنوج داخل مدينة تعز. وبحسب مصادر محلية، فقد قصف المسلحون الحوثيون وبشكل عنيف عددا من أحياء المدينة بينها الشماسي وكلابة والروضة والأربعين. وفي العاصمة صنعاء، نفذت قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت مواقع للميليشيات الحوثية في شمال المدينة. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، إن الغارات كانت كثيفة وتركزت على شمال العاصمة. واستهدفت إحدى الغارات صالة أهلية للمناسبات، يتخذ منها المسلحون مقرًا لهم. كما شن طيران التحالف، أمس، سلسلة من الغارات التي استهدفت المسلحين الحوثيين وقوات صالح في محافظة مأرب النفطية الهامة في شرق البلاد، حيث دمر الطيران عتادا عسكريا لهذه القوات، بحسب مصادر قبلية. وفي سياق متصل، لقي عدد من المسلحين الحوثيين مصرعهم في هجوم نفذته المقاومة الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي في مدينة رحاب، مركز مديرية القفر في محافظة إب بوسط البلاد، وقالت مصادر محلية إن المهاجمين انسحبوا عقب الهجوم دون خسائر تذكر في صفوفهم. وأبرمت الهدنة الإنسانية بعد جهود قام بها، خلال الأيام الماضية، المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وأطراف محلية ودولية. وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجهود الدولية سوف تتواصل، خلال فترة الهدنة، من أجل تقريب وجهات نظر كل الأطراف والسعي لجمعهم إلى طاولة الحوار مجددا عقب إجازة عيد الفطر المبارك». وفي الوقت الذي تخوض أطراف النزاع في اليمن قتالا ضاريا منذ بضعة أشهر، يؤكد مراقبون يمنيون أن الأطراف المتقاتلة وصلت إلى طريق مسدود. ويقول عبد الباري طاهر، نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظر الإنسان بقدر من التفاؤل، فإن الرهان على الحرب بدأ يضعف». ويؤكد طاهر أن «أفق هذه الحرب المقبل، مسدود ولن تحقق نتيجة لقوى الداخل أو لقوى الخارج». ويعرب عبد الباري طاهر عن اعتقاده أن الهدنة الإنسانية «قد تكون الخطوة الأولى للتخلي عن منطق الحرب الواصلة إلى طريق مسدود والمرفوضة من قبل أبناء الشعب اليمني والعربي»، وأن الأطراف المتقاتلة «قد تكون وصلت إلى قناعة بالطريق المسدود للحرب، لأن كل طرف لم يستطع تحقيق أي نتيجة بالسلاح». في غضون ذلك، قالت مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن بعض الأطراف السياسية تبذل مساعي لدى قيادات في حركة «أنصار الله» الحوثية للإفراج عن مئات المعتقلين في السجون منذ سبتمبر (أيلول) الماضي وحتى اللحظة. وأكدت المصادر أن المساعي التي تبذل تأخذ الطابع الإنساني للإفراج عن المعتقلين مع العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وخاصة أن الكثير منهم يعانون أوضاعا إنسانية غاية في الصعوبة. وقد شكلت، في الآونة الأخيرة، هيئات ومنظمات خاصة للضغط والمطالبة بالإفراج عن المختطفين والمعتقلين من قيادات أحزاب سياسية، وبالأخص حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي الذي يعتقل عدد من كبار قادته ومن كوادره وكفاءاته ونشطائه في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية. وتؤكد أسر المعتقلين والمخفيين أن الميليشيات الحوثية تمنع الزيارة عنهم وترفض الطلبات التي تقدم بها عدد من المحامين لزيارتهم والاطمئنان عليهم. وتتزايد المخاوف بشأن المعتقلين لدى أسرهم، مع الأنباء المتواترة عن استمرار الميليشيات في وضع المعتقلين في المواقع المستهدفة بالقصف كدروع بشرية. وقد أفرجت ميليشيات الحوثي، قبل عدة أيام، عن القيادي في حزب الإصلاح، الدكتور فتحي العزب، وهو مرشح رئاسي سابق في انتخابات 2006. واعتبرت بعض الأوساط خطوة الإفراج عن العزب، بأنها مؤشر إيجابي على الإفراج عن مزيد من المعتقلين، خاصة مع تطبيق الهدنة الإنسانية التي تمتد حتى آخر شهر رمضان الحالي.
مشاركة :