خيمت توقعات التغيير الحكومي، أو التعديل المحدود لبعض الوزراء، على المشهد العام في لبنان، بعد التدهور السريع في سعر صرف الليرة وزيادة أسعار السلع بشكل جنوني بالتزامن مع تفاعل أزمة الكهرباء والانقطاع شبه الشامل للتيار عن معظم المناطق، إلا أن مسألة التغيير الحكومي، اصطدمت باسم الشخصية التي يمكن أن تتولى رئاسة الحكومة المقبلة ومدى قدرتها على مقاربة الأزمة الحالية.. ولما تعذر العثور على مثل هذه الشخصية في ظل استمرار رفض الرئيس سعد الحريري تولي هذه المهمة، طرحت مسألة التعديل الوزاري المحدود ليشمل الوزراء «الكسالى والفاشلين» ، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية. ولكن يبدو ان كلا الطرحين سقطا بفعل عدم قبول أي شخصية سنية «وازنة» توحي بالثقة لتشكيل الحكومة الجديدة من جهة، وعدم موافقة حزب الله على فكرة التغيير أو التعديل الجزئي من جهة ثانية. عدم توفر البديل لرئاسة الحكومة وهكذا طويت صفحة «تغيير الحكومة» سريعاً، برغم الأصوات التي علت مؤخراً لتغييرها، بعدما جرت اتصالات على أعلى مستويات شاركت فيها كل الأطراف الداعمة للحكومة، وتبين ان تغييرها دونه عقبات ومحاذير، اقلها عدم توافر البديل ما يمكن ان يضع البلاد أمام الفراغ الحكومي طويلاً وتعطيل كل خطوات الإصلاح والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والاتصالات مع الدول الداعمة لبنان غرباً وشرقاً، وقد اتفقت هذه القوى حسب معلومات صحيفة «اللواء اللبنانية» على تحفيز وتفعيل عمل الحكومة، «لا سيما لجهة الاسراع بتطبيق الاصلاحات وتنفيذ المشاريع والقوانين التي أقرها المجلس النيابي والحكومة ذاتها». بتفعيل عملها.. بدلا من إقالتها وبات واضحا، بحسب مصادر سياسية وإعلامية في بيروت، أن قرار القوى السياسية الحاضنة للحكومة اللبنانية، بتفعيل عملها، بدلا من إقالتها، سيوضع موضع التنفيذ اعتباراً من هذا الأسبوع، بعد طيّ صفحة استقالتها أو تغيير بعض وزرائها، حيث يجري في جلسة مجلس الوزراء المقررة غدا الثلاثاء في القصر الجمهوري التصديق على تعيينات جديدة في مؤسسات خدمية مهمة و«حساسة»، في مقدمتها مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والهيئة العامة «الناظمة» للكهرباء، وتعيين مدير عام جديد لوزارة المالية خلفاً للمدير العام المستقيل «آلان بيفاني»، إلى جانب معالجة بعض المشكلات الحياتية الطارئة، مثل ازمة المحروقات، واتخاذ القرار النهائي بشأن تسعيرة ربطة الخبز. كانت المداولات حول تغيير الحكومة اللبنانية، قطعت شوطا كبيرا بين قوى وأطراف داخلية وخارجية، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في بلد أصبح على حافة الإنهيار الكبير، ومهددا بثورة جياع على الأبواب.كشف النقاب عن حكومة دياب ورغم أن غالبية الشرائح الشعبية لم تتوسم الكثير من الحكومة الحالية، بحسب تقديرات المحلل السياسي اللبناني، عمّار نعمة، إلا أنها تأملت منها أن تشكل نقلة عن الحكومات الماضية. لكن هذه الحكومة التي ارتدت لبوساً تكنوقراطيا، سرعان ما كشف تحاصص المناصب بين السياسيين، النقاب عن مكنونها. ويؤكد «نعمة»، أنه في ظل بلد يغلي بالسخط، اختارت مجموعات الانتفاضة الشعبية في غالبيتها، إعطاء حكومة الرئيس حسان دياب فرصة، وهذا ما حصل عند غالبية الناشطين على الأرض، حتى شمل الرأي الجميع مع هبوب وباء «كورونا» الذي وفر فرصة إضافية للحكومة للعمل حتى انتهت فترة السماح لها من دون إنجازات تُذكر إذا ما استثنينا المجال الصحي الذي قارعته بنجاح. حزب الله يُشكّل رافعة لاستمرار بقاء الحكومة لكن فترة السماح تلك فاقمت من سوء الوضع العام في ظل ارتفاع سعر صرف الليرة ومعه الأسعار التي بلغت مستويات قياسية.. وقد دفع سوء الأمور بمجموعات المنتفضين الى العودة الى الشارع الذي سيشهد تزخيما للتحركات وتنوعا في وسائل الضغط لإسقاط الحكومة والإتيان بحكومة مستقلين تتماهى مع مطالب حركة 17 أكتوبر/ تشرين أول. وحسب المراقبين في بيروت،هناك بالفعل جمود قاتل يضرب البلاد، وسط تسارع، غير مسبوق للإنهيار..وتحتدم المطالبة، باستقالة الرئيس دياب كمخرج من المأزق الخطير، لكن، وفقا لهؤلاء المراقبين، ما يزال حزب الله يُشكّل رافعة لاستمرارها، باعتبار هذا الخيار، هو أقل الخيارات سوءاً، علي اعتبار ان أي تغيير سينظر إليه على انه هزيمة سياسية، ويفتح الطريق إلى فراع حكومي طويل.. أسرار «كواليس» المشهد السياسي وتردد في بيروت، بحسب مصادر دبلوماسية لبنانية، أن الفرنسيين بدأوا جديا طرح مبادرة جديدة بتأييد «عربي- أمريكي»، قوامها إعادة طرح اسم سعد الحريري لترؤس حكومة جديدة «تكنو- سياسية»، على أن يمثل رئيس حركة أمل الشيعية ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، حزب الله في الحكومة ولكن شرط توزير شخصيات شيعية غير محسوبة على الحزب بشكل مباشر.وعلى ما يبدو فان فرنسا أعادت طرح تكليف نبيه بري تمثيل الوزراء الشيعة في الحكومة الجديدة على اعتبار أن هذا الطرح لا يستفز حزب الله، ويمكن أن يشكل مخرجا لاعادة ترتيب الوضع الاقتصادي في لبنان. ومن الشروط المطروحة، بحسب الكاتبة والباحثة السياسية اللبنانية، منال زعيتر، أن تكون الحكومة انتقالية بمعنى ان تؤسس لاجراء انتخابات نيابية مبكرة وأن تلتزم في مرحلة أولية تطبيق «قانون قيصر» بما لا يضر مصالح لبنان، والأهم من ذلك التزام الحكومة الجديدة بإيقاف مخطط التوجه اللبناني شرقا. الثنائي الشيعي: الحكومة لن يتم اسقاطها ! وتضيف «زعيتر»، إن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، أبلغا الفرنسيين، أن حكومة حسان دياب باقية ولن يتم اسقاطها قبل التفاهم بشكل كامل حول تفاصيل الحكومة الجديدة ، بداية من «اسم الرئيس، إلى الوزراء، والبيان الوزاري، والبرنامج الاقتصادي للحكومة البديلة». وبموازاة العمل خلف الكواليس على التفاهم حول الحكومة الجديدة، أكدت المصادر ان هناك مبادرة يجري العمل عليها لمصالحة الحريري ورئيس التيار الحر جبران باسيل، وأشارت المصادر أن هناك أكثر من طرف يعمل على تقريب وجهات النظر بين الرجلين ومحاولة إبرام اتفاق بينهما على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، لافتة في هذا السياق الى وجود مصلحة للطرفين في التفاهم مجددا.وفي هذا السياق، كشفت المصادر عن تطورات ايجابية سجلت في الساعات الأخيرة، ولكن وكما يقال تبقى الامور بخواتيمها. حسان دياب مستمر على رأس الحكومة بالتوازي مع غضب واحتقان الشارع اللبناني، يتصاعد الضغط على رئيس الحكومة حسان دياب، من قبل معارضيه السياسيين.. وفي خضم فوضى في علاقة أركان المعارضة بين بعضهم البعض، وضبابية رغبتهم في إسقاط الحكومة، والتساؤلات حول الفراغ المقبل من بعدها، يبدو «حسان دياب» مستمرا على رأس الحكومة، أقله في المرحلة الحالية.
مشاركة :