ما زالت مئذنة جامع عقبة بن نافع تصدح بالأذان منذ قرابة الـ 14 قرنا ليعم صداها أرجاء مدينة القيروان التونسية فيصبغ عليها طابعها الديني كبوابة للفتح الإسلامي. ورغم مرور السنين على تأسيس هذا الجامع العريق على يد الفاتح عقبة بن نافع الفهري (رحمه الله) سنة 50 للهجرة، إلا أنه ما يزال يحافظ على رونقه كأبرز المعالم الدينية بالقيروان، حيث تعاقب على بنائه وترميمه العديد من الولاة والأمراء الأفارقة حتى أصبح من أكبر المساجد الجامعة الباقية في الإسلام وأعظمها مظهرا. ويوحي الجامع للناظر إليه أنه حصن ضخم، إذ بنيت جدرانه من الأحجار السميكة ذات الارتفاع العالي، ويتميز تخطيطه بالبساطة فهو يتكون من جزءين تقع على مساحة تزيد عن 9500 متر مربع. ويتميز الجامع بمئذنته الفريدة التي تعد من نوادر المآذن وأجملها، وتتكون من ثلاث طبقات مربعة الشكل تبدأ صغيرة الحجم ثم تزداد كبرا حتى ترتبط بقبة علوية يصل ارتفاعها إلى أكثر من خمسة أمتار. ويضم جامع عقبة بن نافع ست قباب تجلت فيها قدرة العمارة الإسلامية على الإبداع والزخرفة والنقش، من بينها قبة المحراب التي تعد أقدم قبة في المغرب أجمع والأخرى قبة باب البهو على مدخل البلاط الأوسط من جهة الصحن التي أضفت جمالا وتوازنا على بيت الصلاة حتى أصبح بناء القبتين في بيت الصلاة قاعدة ثابتة في بلاد المغرب. وتعكس الأبواب الرئيسية الأربعة رغم التغييرات التي طرأت عليها فنون ولمسات المتعاقبين على حكم المدينة من الأمويين والعباسيين والأدارسة والأغالبة والفاطميين والحفصيين وبني هلال، ويعد باب «للا صالحة» أجمل هذه الأبواب، إلى جانب باب قاعة الصلاة الكبرى الذي يقف باتساعه وزخرفته شاهدا فريدا على أصالة فن العمارة الإسلامية. ومما يزيد الجامع جمالا في هذه الأيام، هو كثرة مرتاديه من المصلين والصائمين.
مشاركة :