بعد وصول جائحة فيروس كورونا إلى مستويات حرجة أثارت قلق العديد من الدول، التي لجأت إلى منع التجمعات، وإغلاق الحدود، وإعلان حالة الطوارئ؛ سعت البلدان المتقدمة لتطوير الأدوية وإيجاد لقاح مضاد للفيروس، وأحرزت مؤسسات البحث والمختبرات تقدما سريعا في هذا الشأن، وهو ما يثبت أن الجهود الطبية تسير في الاتجاه الصحيح، وتعطي مؤشرات إيجابية. وعلى الرغم من ذلك، فإن رحلة الوصول إلى علاجات أكثر فاعلية لا تزال في مراحلها المبكرة، ولم يتم اعتماد أي أدوية وقائية للاستخدام، ومازالت التجارب جارية على العلاجات المحتملة. وفي أواخر يونيو 2020 وصل تفشي الفيروس إلى مرحلة مُقلقة، حيث ارتفع عدد ضحاياه إلى أكثر من 10 ملايين إصابة مؤكدة و500.000 حالة وفاة، وبلغ معدل النمو العالمي للعدوى مليون حالة إضافية كل أسبوع. وفي 28 يونيو وحده تم تسجيل 165.534 حالة جديدة بالفيروس. وتسجل الولايات المتحدة حاليا مستويات قياسية عالية من الإصابات، وبالمثل، البرازيل والهند، كما عاود الفيروس الظهور في الصين؛ وهو ما جعلها تفرض حظرا صارما على ما يقرب من 400.000 في مقاطعة «خبي». وفي المملكة المتحدة أدى اندلاع حالات الإصابة في مدينة ليستر إلى وضع المدينة في حالة إغلاق وسط الكثير من الارتباك وعدم اليقين، وهو ما انتقدته «كلوديا ويب» عضوة البرلمان بقولها: إن «التواصل من جانب الحكومة غير واضح فقد أصبح الأمر صعبا، فما هي الإجراءات التي من المفترض أن يتبعها المجتمع». وفي المقابل، تمكن عدد آخر من البلدان من قمع الفيروس، لعل أنجحها (كوريا الجنوبية، ونيوزيلندا، وسنغافورة، وفيتنام). ففي الأخيرة، على الرغم من أنها تتشارك في حدود مع الصين، فإنها لم تسجل وفاة واحدة مرتبطة بالفيروس بعد أن دفعت بإجراءات صارمة للإغلاق ومراقبة الحدود بعد وقت قصير من بدء انتشاره في الصين.وفي الوقت الحالي يجري السباق لتطوير علاجات بسرعة كبيرة من قبل الشركات والوكالات الحكومية في جميع أنحاء العالم. ومازالت التجارب السريرية على الأدوية المحتملة جارية في الغالب بشرق آسيا وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وفي الوقت الذي تكافح فيه منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الطلب المتزايد على الأدوية، تعتمد كثير من البلدان على الشركات المصنعة والمختبرات في القطاع الخاص لتطوير عقاقير جديدة. في بريطانيا، قادت فرق البحث الطبي في «جامعة أكسفورد»، إلى فاعلية عقار «ديكساميثازون» في علاج مرضى كورونا، وذلك على الرغم من أنه من «الأدوية الستيرويدية» المضادة للالتهاب، والتي من الممكن أن تجعل الفيروس أسوأ للمرضى ويطيل فترة العدوى. وفي بداية الجائحة، لم تشجع معظم الإرشادات الدولية العلاج باستخدام «الأدوية الستيرويدية»، بسبب نتائجها المتباينة في علاجات فيروسات السارس، وكورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس).ومع ذلك، ثُبت من التجارب قدرة العقار على خفض خطر الموت للمرضى على أجهزة التنفس الصناعي بنسبة الثلث. وبالنسبة إلى أولئك الذين يستخدمون الأكسجين للتنفس، لوحظ أنه يقلل من خطر الموت بنسبة الخُمس. وبالتالي، قدر الخبراء أن الدواء كان من الممكن أن ينقذ ما يصل إلى 5.000 حياة لو كان متاحا في بداية الجائحة. يقول «بيتر هوربي» أحد أعضاء الفريق: «هذا هو الدواء الوحيد حتى الآن الذي ثبت أنه يحد من الوفيات بشكل ملحوظ.. إنه إنجاز كبير». ورحبت «منظمة الصحة العالمية» بالعقار، وقال مديرها العام «تيدروس غيبريسوس»، إن «هذه أنباء رائعة.. أهنئ حكومة المملكة المتحدة، وجامعة أكسفورد الذين ساهموا في هذا الإنجاز العلمي المنقذ للحياة». فيما وصف رئيس الوزراء البريطاني، «بوريس جونسون»، هذا النبأ بأنه «إنجاز علمي بريطاني رائع»، وأوضح أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية لديها حاليًا مخزون يقدر بـ200.000 علاج متاح للمرضى. ومع ذلك، حذر الخبراء من وصف العقار، بأنه «دواء معجزة» للفيروس في ضوء أن الأمر ذاته حدث مع عقار «هيدروكسي كلوروكوين». ومع ذلك، ففي أعقاب أنباء التجربة الناجحة للدواء الجديد مباشرة زادت المستشفيات الأمريكية من طلبها عليه بنسبة 610%. وقال «دان كيستنر»، من شركة خدمات الرعاية الصحية «فيزيانت»: إنه «في يوم واحد، ارتفع الطلب من أقل من 100.000 إلى مليون «قارورة» أو قرص». من ناحية أخرى، أعلنت «جامعة كامبريدج»، أنها ستطلق اختبارًا تجريبيا للعقار المعروف باسم «TACTIC-E»، الذي وصفته بـ«الواعد»، والذي يسعى إلى اكتشاف ما إذا كان مزيج من الأدوية يمكن أن يؤدي إلى تحسين نتائج علاج الفيروس. ومن بين الأدوية التي يتم النظر فيها، «اي بي دي 1815»، وهو دواء غير مرخص يعمل على الجراثيم المعوية في الجسم وأدوية مرض السكري مثل «داباغليفلوزين»، و«أمبريسينتان».وفي الإطار ذاته، يتم العمل على تطوير لقاح بشكل مشترك بالتعاون مع معهد «جينر»، التابع لجامعة «أوكسفورد». وفي هذا الصدد أعلن «أندرو بولارد»، أستاذ عدوى المناعة بالجامعة أن اللقاح «سيكون متاحًا في وقت مبكر من سبتمبر 2020، وذلك قبل وقت طويل من الجدول الزمني الرسمي لتطوير حكومة المملكة المتحدة لقاحها، والذي يقدر وقت انتظاره حوالي 18 شهرًا». وانطلاقًا من دعم الفريق البحثي المعني بتطوير اللقاح، قال وزير الصحة البريطاني للصحفيين في نهاية مايو 2020: «سوف ندعمهم لأقصى درجة ونوفر لهم كل الموارد التي يحتاجون إليها لمنحهم أفضل فرص للنجاح والتوفيق».وفي إطار البحث عن علاج فعال، أعطى دواء «ريمديسيفير» وعدا مبكرا؛ حيث تم تطويره لأول مرة لمكافحة جائحة «الإيبولا» في غرب إفريقيا. وصنفت منظمة الصحة العالمية هذا الدواء كعلاج «واعد»، بناء على البيانات المجمعة من الاختبارات البشرية والحيوانية. وحتى الآن، أثبت الدواء نجاحه في التجارب ضد متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والتي تُشبه «كوفيد 19»، وتؤثر على أعضاء الجهاز التنفسي. واستجابة للطلب المتزايد، تبرعت الشركة المُصنعة للعقار بـ1.5 مليون جرعة من الدواء التجريبي للاستخدام على المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة. وانعكس هذا القرار على الأسواق المالية، حيث شهدت الشركة ارتفاعا بقيمة 17 مليار دولار في قيمتها السوقية. وفي دراسة أجراها «المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية» أثبت العقار فعاليته ضد الفيروس، حيث قلل من وقت تعافي المرضى من 15 إلى 11 يومًا، وتمت التوصية به كعلاج للمرضى في أستراليا.ومع ذلك، يبقى السعر وتوافر الدواء أمرا مهما لاستخدامه على نطاق واسع. وقد وفرت الشركة المصنعة لـ«ريمديسيفير» هذا الدواء بسعر 2.340 دولار لدورة العلاج النموذجية والتي تستغرق خمسة أيام. وتتلقى الدول النامية أسعارًا منخفضة جدًا. وبمجرد زيادة مخزون العلاج، سيكون سعر العلاج 520 دولارًا عن كل قارورة لشركات التأمين الخاصة الأمريكية ومستهلكين آخرين. وفي السابق، تم إعفاء الدواء من التجارب الطبية بسبب نقص إمداداته، وحتى عند توافره فمن غير المحتمل أن يكون متاحًا على نطاق واسع أو رخيصًا مثل ديكساميثازون.وفي هذه الأثناء، كانت هناك نتائج مُتباينة للأدوية المحتملة الأخرى، فلم يُسفر اختبار الدواء «لوبينافير» مع «ريتونافير» في الصين عن نتائج إيجابية للمرضى الذين يعانون من أعراض شديدة لـ«كوفيد 19». ومع ذلك وجدت دراسة أخرى أن «فافيبيرافير» (المعروف أيضًا باسم أفيجان)، الذي طورته شركة «فوجي فيلم» اليابانية ساعد على التخلص من الفيروس في مدة أقل من التي استغرقها علاج «فيروس نقص المناعة البشرية»، كما ساعد على تحسين أعراض الصدر للمرضى. من جانبها، وافقت الصين على استخدام لقاح لقواتها المسلحة أُطلق عليه اسم «Ad5-nCoV» تم تطويره من قبل معهد بكين للتكنولوجيا الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الطبية العسكرية. ووفقًا لصحيفة «التليجراف»، يعد هذا اللقاح «واحدًا من ثمانية لقاحات مرشحة للتطبيق والاستخدام يتم تطويرها في مدينة «شيان»، وتمت الموافقة عليها حتى الآن لإخضاعها للتجارب البشرية». ويلقى قرار منح أفضلية للأفراد العسكريين على المدنيين انتقادات كثيرة، من بينها ما قاله «مارتن بريكنيل»، من كلية «كينجز كوليدج»، لندن: بأن «أي قرار تتخذه دولة ما لمنح لقاحاتها لقواتها المسلحة بشكل تفضيلي على حساب المواطنين العاديين الأكثر عرضة للوباء وأكثر ضعفًا ستكون إشارة منها الى تحديد أن أولوياتها تنحاز للأمن العسكري على حساب الأمن الصحي بشكل عام لكل مواطنيها».من ناحية أخرى، تبنت الصين أسلوب «الطب التقليدي» المعروف باسم «تي سي إم»، كوسيلة لعلاج الفيروس لعدد كبير من مواطنيها، والذي يعتمد على مزيج من المكونات الطبيعية لمكافحة المرض. وقدمت لجنة الصحة الوطنية الصينية إرشادات لكيفية الخضوع لهذا النوع من العلاج؛ ومن بين هذه العلاجات مركب يدعى «لانيهوا تشينغ»، والذي يتكون من مزيج من 13 عشبًا، و«جينهوا تشينغ تشيان»، والذي يتكون من 12 مكونًا مثل العرقسوس وزهر العسل. ومع أن العلاج الطبي البديل مدعوم داخل الصين، إلا أن خبراء حماية الصحة العامة في الدول الأخرى متشككون من تأثيره الصحي. وفي هذا الصدد، قال الأكاديمي الألماني، «إدزارد إرنست»: «نحن نتعامل مع عدوى خطيرة تتطلب علاجات فعالة. وبالنسبة إلى العلاجات التقليدية الصينية، لا يوجد دليل واضح على أن استخدامها في محله، وبالتالي فإن استعمالها ليس فقط غير مبرر، ولكنه خطير في الوقت ذاته».على أي حال، حققت الاستجابات والمحاولات الطبية الأخرى وأبحاث العلاجات والتجارب حتى الآن نجاحًا في نطاقها وفعاليتها، حيث لجأت العديد من البلدان إلى التكنولوجيا لمكافحة انتشار الفيروس. ففي سنغافورة، تم إصدار أجهزة تتبع لجهات الاتصال «الحالات المصابة» بتقنية البلوتوث كبديل للتطبيق الآخر الذي كانت قد أطلقته الحكومة والذي عارضه الكثيرون خوفًا على الخصوصية، وتم منح هذه الأجهزة في البداية لكبار السن والأكثر ضعفًا. إن الجهود المتعلقة بالعثور على أدوية لعلاج الفيروس لم تثبت نجاحها إلى حد معقول حتى الآن، وان البحث عن لقاح فعال له لا يزال في مراحله المبكرة. لقد تم إسقاط «هيدروكسي كلوروكوين»، الذي دافع عنه الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، من التجارب التي أجرتها منظمة الصحة العالمية؛ بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة بعد أن كشف تقرير بحثي طبي عن خطر زيادة الوفيات ومشاكل في القلب للمرضى. وأخفق دواء آخر، يُستخدم لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي في مساعدة المرضى الذين يعانون من كوفيد 19.على العموم، رغم أن الوباء لا يزال يمثل تهديدًا وجوديًا للملايين في ظل وجود موجة ثانية له في العديد من البلدان، فإن تقدم فرق البحث الطبي في جميع أنحاء العالم في تطوير الأدوية واللقاحات يوفر بارقة أمل لإنقاذ آلاف الأرواح من هذا الفيروس القاتل. وفي المستقبل المنظور، مع المزيد من التمويل والدعم لهذه الجهود الهادفة إلى إنقاذ حياة الملايين يمكن كسب معركة التصدي للفيروس في وقت أقرب مما هو متوقع.
مشاركة :