أدخلت حادثة الانفجار بمنشأة نطنز الإيرانية تشنجا جديدا تشي كل التطورات التي رافقته أن المنطقة قد تتجه نحو حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران. وفيما بدت مواقف قادة إسرائيل هادئة لكنها تدعو في المقابل إلى أخذ الحذر من أي رد فعل إيراني، تتشبث طهران بحقيقة أن إسرائيل هي من تقف وراء الحادثة فأخذت تستعرض العضلات بحديثها عن بناء ما يطلق عليها بـ”مدن صواريخ” في مواقع تحت الأرض في الخليج وهو ما جعل قوى كبرى كروسيا تدخل على خط الأزمة داعية لضبط النفس والتهدئة. لندن - مثل إعلان طهران الأحد أن حادث الانفجار الذي حصل الخميس الماضي بمنشأة نطنز النووية وسط البلاد قد خلّف أضرارا مادية جسيمة قد تبطئ عملية تصنيع أجهزة طرد مركزي متطوّرة لإنتاج اليورانيوم المخصّب، حدثا هاما قد يوفر أرضية جديدة لتصاعد الصراع الإيراني – الإسرائيلي. وخرجت طهران بهذا الإعلان عن سياساتها الدعائية التي روجت في بادئ الأمر إلى أن الخسائر بسيطة، مشيرة على لسان المتحدّث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية بهروز كمالوندي إلى أنها اكتشفت بدقّة أسباب الحادث ومشدّدة في الوقت نفسه على عدم رغبتها في الكشف عنها في الحال لاعتبارات أمنية. تصاعد التهديدات رغم أن إسرائيل انتهجت سياسة ضبابية لا تنفي قطعا ولا تؤكد وقوفها وراء العملية، فإن صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مسؤول استخباراتي شرق أوسطي مطلع أن إسرائيل هي المسؤولة عن الحادثة التي وقعت بمنشأة نطنز النووية الإيرانية قبل أيام. كما نقلت الصحيفة عن مسؤول بالحرس الثوري أن الحادثة جرت باستخدام مواد متفجرة وأن إسرائيل زرعت قنبلة في مبنى يتم فيه تطوير أجهزة طرد مركزي حديثة. وسبق للمخابرات الإسرائيلية أن أظهرت في الماضي قدرتها على توجيه ضربات داخل إيران، فقد اقتحمت في عام 2018 مستودعا في طهران وسرقت منه نصف طن من السجلات السرية التي توثق المشروع النووي الإيراني وتمكنت من إخراج المستندات من البلاد. كما قدمت آنذاك وكالة الاستخبارات العديد من هذه السجلات للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع أدلة أخفتها إيران عن المعدات والمواد الخام المحظورة. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد قال ردا على سؤال عن تورط إسرائيل في الحادثة “يمكن لأي شخص أن يشك فينا في كل شيء وفي كل وقت، لكنني لا أعتقد أن هذا صحيح، إسرائيل لا تقف بالضرورة وراء كل حادث يحدث في إيران”، دون أن ينفي تورط إسرائيل في حادثة نطنز. ويرى مراقبون أن مثل هذه الحادثة قد تشكل حدثا فارقا في الصراع الإسرائيلي الإيراني الذي قد يتحول إلى حرب مباشرة ومفتوحة قد تزيد من زعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط، فيما يصنف آخرون هذا التطور على أنه يبقى مثلما حصل سابقا مجرّد ورقة لن تتجاوز حدود التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران. ويعد الانفجار الذي حصل بمنشأة نطنز والذي تلته سلسلة انفجارات في مناطق أخرى طيلة الأسبوع الماضي، ثاني أكبر ضربة تتلقاها إيران في غضون أشهر، فبعدما خسرت ذراعها الأولى في منطقة الشرق الأوسط الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ها هي الآن تضرب على أرضها في أهم الملفات التي تراهن عليها وهو المشروع النووي. حرب سيبرانية يجادل الكثير من الخبراء والمتابعين، ما يحدث من تصعيد بين إيران وإسرائيل بتصنيفه في خانة الحرب الكلامية التي لن تكون مرفوقة بحرب عسكرية كبرى. ويستند هؤلاء على الكثير من التحليلات التي تتناول بالطرح مواقف إسرائيل التي بدت غامضة وغير معلنة بصفة رسمية بشأن إقدامها على ضرب أهم المنشآت النووية في إيران. وذهبت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إلى تبني هذا الطرح الأخير، بتأكيدها الاثنين أن إيران وإسرائيل تخوضان حربا سيبرانية خفية لا يتم قط الإعلان عن نجاحاتها رسميا. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن أحدث فصول هذه المواجهة السرية كانت الخميس، مع الانفجار الغامض الذي وقع في منشأة نطنز النووية على بعد 250 كلم جنوبي العاصمة الإيرانية طهران، في موقع نووي يعد شديد الحساسية، والذي أكدت طهران في البداية أنه ناجم عن قنبلة، قبل أن تعود وتتحدث عن أن سببه هجوم إلكتروني. ويبقى السؤال المطروح الآن يكمن في معرفة ما إذا كان هذا التوتر سيتصاعد وسيتوسع إلى حرب جديدة لن تكون لها تداعيات فقط على إيران وإسرائيل بل في كامل المنطقة. وأطلق المدير السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال عاموس يادلين، دعوة لليقظة بقوله إنه “إذا تم تجريم إسرائيل من قبل القادة الإيرانيين، فعلى الإسرائيليين الاستعداد عمليا لردود فعل إيرانية”. ويعتقد يادلين جنرال الاحتياط الإسرائيلي، أن الرد الإيراني قد يكون على مستوى ملعب “السيبرانية”، ولكن أيضا عبر صواريخ وقذائف من الميليشيات الشيعية المتحالفة مع طهران، انطلاقا من الأراضي السورية نحو الأراضي الإسرائيلية، أو أيضا هجمات ضد البعثات والتمثيليات الإسرائيلية في الخارج. لكن على الطرف المقابل، ظهرت إيران وكعادتها لتستعرض نفس الخط السياسي الذي يتمسك بخطاب القوة، عبر إعلان الجيش الإيراني عن أنه بصدد بناء ما يطلق عليه بـ”مدن صواريخ” في مواقع تحت الأرض في الخليج. واختار النظام الإيراني عبر الإعلان تهديد منافسيه في المنطقة، حيث نقلت وسائل إعلام إيرانية عن قائد القوات البحرية بالحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنجسيري قوله إن “فيلق الحرس الثوري الإسلامي لديه مواقع صواريخ برية وبحرية على السواحل الجنوبية للبلاد”. وقال تنجسيري إن الحرس الثوري على استعداد لإظهار هذه القوة عند الضرورة، وهدد بإطلاق العنان لـ”كابوس” على منافسين يظهرون نوايا عدوانية عسكرية، وفقا لما جاء في وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الخاصة. ويتحدث القادة العسكريون الإيرانيون منذ مدة وبشكل روتيني عن إنجازات عسكرية، خاصة في ما يتعلق بالحرس الثوري الإيراني، لكن الكثير من المراقبين يصنفون هذه الخطوة على أنها مجرّد خطوات يائسة بعد مقتل سليماني للظهور في موضع القوي. ويمثل حديث الجيش الإيراني عن مشروع “مدن الصواريخ تحت الأرض” خطرا موجها لا فقط إلى إسرائيل بل إلى بقية الخصوم في المنطقة كدول الخليج العربي وكذلك الولايات المتحدة. كنتيجة لهذا التصعيد، دخلت قوى دولية على خط الأزمة ومنها روسيا التي دعت إلى التهدئة وضبط النفس وعدم تعريض أمن المنطقة إلى الخطر. وحذرت وزارة الخارجية الروسية الاثنين من القفز إلى استنتاجات مستعجلة بشأن أسباب الانفجار الذي هز مؤخرا منشأة نطنز النووية في إيران. وأشارت وزار ة الخارجية الروسية إلى ضرورة دراسة الوضع. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين “إن مثل هذه القضايا تتطلب بحثا جديا، ومفصلا للغاية”. وأضاف فيرشينين “أعتقد أن آخر ما يجب فعله، هو القفز إلى تكهنات لأن المسألة خطيرة جدا”. وعلى عكس الموقف الروسي تقول مصادر سياسية أميركية بشأن هذا التطور اللافت، إنه كان من الأجدر على “إيران القوية” أن توفر نظاما أمنيا لمنشآتها النووية والعسكرية قبل أن تطلق في كل مرة تهديدات كلامية ضد دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط. وتتابع الإدارة الأميركية عن كثب ما يحصل من تصاعد في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، متوعدة بمعاقبة طهران في حال تجرأت وارتكبت خطأ يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط. وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد حذر في 30 يونيو الماضي من “خيانة مهمة الأمم المتحدة”، في حال فشل مجلس الأمن الدولي بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، معتبرا أن طهران تشكل تهديدا للأمن في المنطقة. وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مطلع 2020، بتوجيه ضربة إلى إيران “أقوى من أي ضربة واجهتها من قبل”، إذا حاولت تقويض الأمن في المنطقة. وحذر ترامب آنذاك من أن الولايات المتحدة حددت 52 موقعا في إيران ستضربها “بسرعة كبيرة وبقوة كبيرة” إذا هاجمت الجمهورية الإسلامية أهدافا أو أفرادا أميركيين. وحصل ذلك بالفعل، بعدما باتت الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا تحت قصف متواصل من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أو كذلك من الجيش الإسرائيلي. وبالعودة إلى المواقف المعلن عنها بصفة رسمية من قبل إسرائيل فإنها تبدو أكثر هدوءا، لكنها تضع في الوقت نفسه حسابات هامة تجعلها تبقى متيقظة لأي رد فعل إيراني في الأيام القليلة القادمة. وقال المحلل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد إن الهجوم أصاب “المنشأة التي تطور فيها إيران أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا والتي من المفترض أن تكون المرحلة التالية من البرنامج النووي، لإنتاج اليورانيوم المخصب بمعدل أسرع بكثير. وقد تلقى ذلك المرفق أمس ضربة كبيرة، ودمر الانفجار المختبر”. وأضاف “كانت تلك أجهزة طرد مركزي كان من المفترض تركيبها تحت الأرض في منشأة نطنز، وكانت تهدف إلى استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة وإنتاج يورانيوم مخصب أكثر، وبسرعة أكبر. لقد تلقوا ضربة، يجب الافتراض أنه في مرحلة ما سيرغبون في الانتقام”. وقال بن دافيد إن إسرائيل تستعد لرد إيراني، ربما عبر هجوم إلكتروني. في هجوم إلكتروني وقع في أبريل ونسبه مسؤولو مخابرات غربيون إلى إيران، كانت هناك محاولة لزيادة مستويات الكلور في المياه المتدفقة إلى المناطق السكنية الإسرائيلية. لكن وعلى الرغم من عدم مسايرة تهديدات إيران، ميدانيا تبدو إسرائيل من جهتها جاهزة لأي حرب محتملة مع إيران، حيث أطلقت الاثنين قمرا صناعيا جديدا لأغراض المراقبة قالت إنه سيوفر لمخابراتها العسكرية قدرات مراقبة عالية الجودة. وتدخل هذه الخطوة في خانة عمل إسرائيل على تعزيز قدراتها لمراقبة عدوها الأول في المنطقة إيران التي تعتبر برنامجها النووي تهديدا كبيرا لها. وجرى إطلاق القمر الصناعي أفق 16 إلى الفضاء الاثنين من موقع في وسط إسرائيل بواسطة صاروخ شافيت الإسرائيلي الصنع والذي استخدم لإطلاق الأقمار الصناعية أفق السابقة. وقال في هذا الصدد وزير الدفاع بيني غانتس “سنواصل تعزيز قدرات إسرائيل والحفاظ عليها على كل جبهة وفي كل مكان”. ووصفت وزارة الدفاع القمر الصناعي أفق 16 بأنه “قمر استطلاع بصري كهربائي مزود بقدرات تقنية متقدمة”. وسيتم استلام الصور الأولى من القمر الصناعي في غضون أسبوع تقريبا.
مشاركة :