تراجع الكاظمي عن خياراته هزيمة أمام الميليشيات | د. ماجد السامرائي | صحيفة العرب

  • 7/7/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت ردود الفعل على نتائج ليلة القبض على وكر الميليشيات في الدورة ببغداد، 25 يونيو الماضي، أكبر من الحدث الأمني نفسه، الذي لم يتعد إلقاء القبض على أفراد مجموعة ميليشياوية، كانت على وشك إطلاق صواريخ نحو أماكن حساسة في العاصمة متلبسين بجرمهم، واعتقلوا بأوامر قبض أصولية، في تحوّل فسّر بأنه مقدمات لسياسة رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي، لإرساء مقدمات تنفيذ البند الدستوري، وحصر السلاح بيد الدولة الذي لم ينفذ منذ 15 عاماً، وهو ما يعني تجريد الميليشيات المسلحة ذات الولاءات المشبوهة من سلاحها. وصل أمر ردود الأفعال بين بعض الأوساط الشيعية وجيوشها الإلكترونية، التابعة لمعسكر إيران في العراق، أن فسرت اجتماع الكاظمي المشترك مع جهاز مكافحة الإرهاب، وكتائب حزب الله، بأنه إذعان وتراجع مهين أمام تلك الميليشيات والرافعات السياسية التي تقف خلفها، وتعطيل لسياسة إرساء السيادة العراقية. ليلة القبض على عصابة الدورة الميليشياوية، كانت مفتاحاً خطيراً للدخول إلى دهاليز الصناديق السوداء لممتلكات الميليشيات من الأسلحة، ونظم شبكة الاتصالات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وخطط العمل متعددة الأغراض. ولأنها كانت استعراضاً متقابلاً للقوة ما بين الدولة وبين الخارجين عليها، فقد كان ردّ الفعل الميداني الميليشياوي سريعاً وفوضوياً لإثبات الذات، باقتحام المنطقة الخضراء ومحاصرة وتهديد مكاتب مكافحة الإرهاب ورئيس الوزراء، لإجبار الكاظمي على التهدئة، ومراجعة خياراته، وسط دعوات من بعض الإعلاميين والمحللين السياسيين، الموالين لتلك الميليشيات ببغداد، بضرورة تغليب الحوار مع قيادات الميليشيات على تصفية أوكارهم. هناك من يفسّر عن جهل أو قصد، خطوة الكاظمي الأمنية بأنها اندفاع متعجل غير محسوب في مجابهة الغول الميليشياوي، الذي تعاظمت هيمنته الأمنية والاقتصادية على مرافق الحياة العراقية، ولم يعد، لما تسمى دولة، سوى هياكل منزوعة القدرات المالية والاعتبارية، ولا سبيل لأي رئيس وزراء سوى الصمت والتمتع المظهري بمزايا المنصب، أما أن يتصدى لحالة الانهيار، بروح وطنية صادقة ورغبة بالإصلاح، فمكانه خارج منظومة الحكم، التي تديرها قيادات الأحزاب الفاسدة، وقد تتم تصفيته جسدياً. مجسات تلك الأحزاب وميليشياتها استشعرت مخاطر منهج الكاظمي في إصلاح المنظومات الأمنية على الميليشيات، وإعادة هيبة مؤسسات الدولة التي أعلنها منذ تسلمه المنصب، ودخل في خطوات جدّية في القطاع الأمني، آخرها إقصاء فالح الفياض، رجل إيران في العراق، ولذلك تضغط عليه لتغيير بوصلة اتجاه سياساته إلى ملف وجود القوات الأميركية في العراق، وعدم المساس بتلك الميليشيات. ونسبت توجهاته الإصلاحية الأمنية إلى العمالة للأمريكان، الساعين في ظل إدارة ترامب إلى تقطيع أوصال الأدوات المسلحة الإيرانية في العراق؛ نوري المالكي طالب الكاظمي صراحة بالابتعاد عن ملف الحشد، والتوجه نحو وضع حلول للأزمة الاقتصادية. أما هادي العامري فكان أكثر استخفافاً بالكاظمي، حيث صرّح بأنه استدعى الكاظمي لمكتبه وأبلغه شرط دعمه له بحصر سياسته بإخراج القوات الأميركية من العراق، وإجراء انتخابات مبكرة، وفق مقاساتهم وبما يحافظ على مواقعهم. وإذا ما سئل هؤلاء القادة، لماذا وافقتم على مجيء الكاظمي، إن كنتم تعلمون أنه سيوجع رؤوسكم، يجيبون بأنه لم يكن أمامهم غير هذا الخيار للحفاظ على حكم الشيعة، ودرء مخاطر الانهيار الحتمي، وذهاب الحكم إلى قوى التيار الشعبي وقواه الشبابية. لكنهم لن يغامروا بقبول إجراءاته الإصلاحية، التي قد تعّجل بالإطاحة بهم إن هو نفذّ تعهداته أمام الشعب. الآن هم يلعبون بوهمي مخاطر “الحرب الشيعية الشيعية” والعمالة للأمريكان. في تغييب متعمّد للخيار الوطني العراقي المستقل. الوهم الأول حول مخاطر الحرب الشيعية الشيعية يتجاهلون من خلاله عن عمد حقيقة أن الأحزاب الإسلامية والميليشيات الموالية لإيران لم تعد ذات صلة بالطائفة الشيعية، بعد تبلور خط شيعي عراقي معتدل، بعيدا عن هيمنة طهران تتقدمه النخب الثقافية الواعية. كما أن الجماهير المغلوبة على أمرها من بسطاء الشيعة فقدوا ثقتهم بتلك الأحزاب، التي تركتهم ضحايا الجوع والفقر والمرض والبطالة والمخدرات، وفضحت ثورة أكتوبر الشبابية لعبتهم. أما الوهم الثاني، الذي يرددونه بسطحية ومكر مستورد، فهو قصة عمالة كل سياسي عراقي خارج هيمنة طهران للأمريكان، وهو تعبير ساذج عن تنفيذهم لرغبة نظام ولي الفقيه المؤقتة في التصدي للوجود الأميركي في العراق، رغم قناعة قادة الأحزاب بحاجتهم للأمريكان لحماية عمليتهم السياسية. وطهران حالياً تتوسل واشنطن للدخول في المفاوضات، فهل سيصبح الإيرانيون أصدقاء للأمريكان مرة ثانية مثلما كانوا مطلع عام 2003 وحتى خروجهم العسكري عام 2011. لو أرادت واشنطن إزاحة الطبقة السياسية الحالية عن الحكم لفعلت ذلك بسهولة، وخلال ساعات، وخلّصت العراقيين، مثلما ادّعت كذباً تخليصهم من نظام صدام عبر الاحتلال. فهل الوضع العراقي الحالي أفضل مما كان عليه في العهد السابق؟ العراقيون يقولون لا. ليس في أجندة واشنطن نية لتغيير النظامين في بغداد وطهران، لا في ظل الإدارات السابقة ولا الحالية ولا حتى المستقبلية، بل إن من جملة ثوابتها السياسية حماية العملية السياسية التي صنعتها في العراق. وما يحصل هو تنفيذ لسياسة ترامب باحتواء نظام طهران عبر العقوبات الاقتصادية، لدفعه للإذعان وليس تغييره، ولفك صلته بأدواته المسلحة ووكلائه في العراق. واحد من الأمريكان الذي ارتبط اسمه بكره العراقيين، هو الحاكم المدني، بول بريمر، الذي صنع من غالبية المشردين والحفاة والجهلاء من الزوايا المظلمة زعماء لحكم العراق، ثم “بصق” عليهم بعد خروجه من العراق في مذكراته؛ اليوم يدافع عن النظام السياسي الحالي الذي صنع حكامه، في مقابلة تلفزيونية له قبل ثلاثة أيام يقول “إن العراق يعيش في ظل دستور كتبه العراقيون، ووافق عليه الشعب في استفتاء عام، وهناك برلمان منتخب، والكاظمي يشكل سادس انتقال سلس للسلطة في العراق في ظل ذلك الدستور، ما يمنحه شرعية اتخاذ القرارات التي تخدم مصالح العراق وأمنه”. ويعترف بريمر بأن السيطرة على الجماعات المسلحة الموازية للقوات العراقية النظامية ليست بالأمر الهين، ويطالب حكومة واشنطن بدعم الكاظمي في هذه المهمة، معتقداً أن العالم في مواجهة مسعى إيراني استراتيجي، وهو إعادة النفوذ الفارسي الذي يبدأ من منتصف باكستان إلى سواحل لبنان، وأن طهران لن تتنازل عن هذا الهدف، وستستمر في استخدام قوتها والعنف الذي تراه مطلوبا لتحقيق أهدافها. لكن بريمر لم يقل للرأي العام لماذا جاء وإدارته في عهد بوش الابن بهؤلاء التابعين حكاماً في العراق. ولو كان صادقاً لأعلن مصير 12 مليار دولار اختفت من العراق في عهده. قادة الأحزاب يتعاطون بمكر وخبث مع الكاظمي، ويدعونه إلى التركيز على الأزمة الاقتصادية والانتخابات المبكرة وينصحونه بعدم الاقتراب من ملف سيطرة الحكومة على السلاح. لكنه يعلم بأن الميليشيات أصبحت خطراً على الدولة، بعد سيطرتها على مرافق مهمة تتعلق بإيرادات البلد، وهو قادر على إجراء تغييرات جوهرية في بنية النظام وفق الدستور، وبتنسيق مع رئيس الجمهورية الذي رشحه للمنصب، ومعا يمكنهما حل البرلمان الحالي، والتحضير للانتخابات المبكرة، والخلاص من لعبة الأحزاب وميليشياتها. إذا أراد الكاظمي ألا يخسر عهده الذي أعطاه للعراقيين، لدرجة التضحية بحياته حسب قوله، فعليه عدم التراجع عن سياساته في القطاع الأمني وإزاحة هيمنة الميليشيات المسلحة. لا يمكنه الجمع ما بين تعهداته للعراقيين وبين مهادنته وخضوعه للميليشيات، وإلا سيلقى مصير سلفه عادل عبدالمهدي. وإلى هذه اللحظة لا يتمنى العراقيون له ذلك.

مشاركة :