ألزم البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن جميع محلات الصرافة بمنع التحويلات إلى مناطق سيطرة الحوثيين في خطوة تهدف إلى الحفاظ على سعر الريال الذي يسير في طريق الانهيار نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بعد أن بلغت مستويات اعتبراها خبراء كارثية. عدن (اليمن) - أثار قرار البنك المركزي اليمني بالعاصمة المؤقتة عدن حظر التحويلات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثي حفيظة أصحاب محلات الصرافة، الذين رأوا أنه سيفاقم معاناتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، التي تمر بها البلاد. وأعلنت جمعية الصرافين في عدن الاثنين إغلاق كافة محلات الصرافة احتجاجا على إجراءات المركزي والتي وصفت بـ”التعسفية”. وحمّلت الجمعية المركزي المسؤولية الكاملة تجاه تدهور العملة وهبوط سعر الريال، كون البنك هو الجهة المنوط بها تثبيت سعر الصرف. وقالت في بيان إن “إجراءات البنك المركزي منافية لكل القيم، التي يمكن اتخاذها تجاه كيان يخدم الاقتصاد الوطني”. وشكا مواطنون رفض محلات الصرافة تحويل الأموال من عدن إلى صنعاء وتعز. وأرجعت السبب إلى أوامر المركزي بعدن، بينما بقيت الحوالات بين المحافظات المحررة مفتوحة. وبينما لم يصدر تعليق من قبل المركزي، غير أنه سبق أن اتهم الصرافين بالمضاربة بالعملة المحلية، ما أدى إلى تدهور الريال اليمني في السوق الموازية، مشيرا إلى وجود محلات صرافة تعمل دون ترخيص رسمي. وفاجأ المركزي سوق صرف العملة الأحد الماضي بمنع تحويل الأموال من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية إلى مناطق الحوثيين، للحد من تدهور قيمة العملة المحلية بعد تكدس السيولة النقدية واستمرار التفاوت في أسعار الصرف بين المنطقتين. وتقول مصادر مطلعة إن ميليشيات الحوثي تحظر حاليا تداول العملة المحلية في مناطق سيطرتها وإنها تستخدم بدلا منها الريال السعودي والدولار كوسيلة للمعاملات التجارية. ويأتي تحرك المركزي في عدن وسط استمرار تراجع العملة اليمنية إلى مستوى قياسي، منذ أكثر من عام ونصف العام، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار. ووصل سعر الدولار إلى 760 ريالا، فيما اقترب الريال السعودي من حاجز 200 ريال يمني وذلك للمرة الأولى منذ أكتوبر 2018. 12 في المئة نسبة تراجع قيمة العملة منذ بداية العام ليبلغ سعرها أمام الدولار 760 ريالا ويعاني الاقتصاد اليمني من الشلل التام منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على صنعاء ومؤسساتها السيادية في سبتمبر 2014 ونهبها لاحتياطات البنك المركزي. واستولى الحوثيون على 85 في المئة من الإيرادات العامة للدولة من ضرائب وجمارك وحصص الدولة في الشركات الحكومية، إضافة إلى الجبايات غير القانونية تحت مسميات مختلفة مما فاقم العجز في مالية الدولة. وكشف تقرير أصدره مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني الشهر الماضي، عن تراجع قيمة العملة المحلية أكثر من 12 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. وحذر الخبراء معدو التقرير من خطورة التدهور المتسارع لسعر الريال اليمني في ظل استمرار الحرب وتداعيات فايروس كورونا ومدى تأثيره على القطاع الخاص بوجه خاص. ولفت التقرير إلى أن تلك التداعيات السلبية انعكست على أسعار السلع والمشتقات النفطية وتحركت الأسعار صعودا بنسب متفاوتة بين المدن اليمنية. وأشار إلى أن العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي الانقلابية، كانت الأعلى في ارتفاع الأسعار بنسبة 16 في المئة تلتها محافظتا حضرموت ومأرب. وخلال العامين الماضيين شهدت عدن خروج مسيرات شعبية غاضبة بين الفينة والأخرى احتجاجا على تدهور قيمة الريال وارتفاع الأسعار، في الوقت الذي أغلقت فيه معظم محلات الصرافة والمتاجر أبوابها خشية حدوث المزيد من التراجع. وتوقع محللون أن يخسر الريال المزيد من قيمته إذا لم تتدخل الحكومة من خلال سلسلة من الإجراءات الصارمة في مقدمتها ترشيد الإنفاق الحكومي في بند الرواتب الذي بات يصرف بالدولار والتوقف عن طباعة العملة دون غطاء، وتنويع مصادر الإيرادات ومراجعة السياسات النقدية وتوحيدها في مناطق سيطرة الشرعية والانقلاب على حد سواء. وتؤكد المؤشرات أن الصراع بين المركزي في عدن ونظيره في صنعاء الذي لا يزال تحت سيطرة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران ساهم في بروز حالة انفلات مصرفي، وخصوصا بعد منع الحوثيين تداول العملات الجديدة التي طبعها البنك المركزي في عدن. وبينما يلقي متابعون باللائمة على الحرب في ما يتعلق باستمرار الانهيار الاقتصادي والسقوط المتسارع للريال، إلا أن غياب أي إجراءات اقتصادية ونقدية من الحكومة الشرعية أو الحوثيين ساهم في ازدهار السوق السوداء للعملة التي تمكنت من إدارة عجلة اقتصاد الحرب بما يخدم مصالح النافذين. ويعاني اليمنيون من ظروف معيشية كارثية اقتربت من حد المجاعة في معظم المناطق نتيجة التدهور الاقتصادي وغياب فرص العمل وتوقف صرف الرواتب في مؤسسات القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين منذ الانقلاب. وتسببت التوترات الأمنية في اضطراب نشاط الأسواق المحلية في كافة المحافظات وسحب العملة الصعبة منها، وبالتالي ارتفاع قيمتها مقابل الريال، مما انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع المختلفة. وقبل أسبوع، أعلنت الأمم المتحدة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن بنسبة 35 في المئة منذ ظهور كورونا في البلاد مطلع أبريل الماضي، مع تراجع العملة المحلية. وكانت السعودية قد قامت مطلع 2018 بإيداع ملياري دولار في المركزي لحماية العملة اليمنية ومنعها من الانهيار، ليصل إجمالي الوديعة إلى 3 مليارات دولار.
مشاركة :