أحمد عمر يكتب: مشروع قومي للنقاش

  • 7/7/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في أول الكلام ينبغي أن نؤكد على ماذا يعني مفهوم المشروع القومي؟ فهو ذلك المشروع الذي يهدف كلية للصالح العام، وبناء عليه تعمل الدولة على إنجاحه بكل وسيلة وجهد وتوافر الإمكانات والظروف، ومن هذه المشروعات المشاريع الاقتصادية الكبرى كالبترول والطاقة ،وتحويل المواد الخام الي منتجات ذوات قيمة مضافة، وأخرى خدمية كالبيئية والصحية ، والأوراق الحكومية والمعاشات والتأمينات والتكافل والتضامن الاجتماعيين،والاسكان الاجتماعي، ومشاريع كبرى كالتعليم. ومثل هذه المشروعات الكبرى في التعليم وتنمية مهارات الفرد، واكتساب الثقة في التعبير عن مشكلاته وما يخطر بباله وخاطره، والقدرة على تحمل مسئولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه بشكل عام .. وإلزامي؛ لذا لا يمكن اطلاقا بناء جيل واع حر مسئول الا بالتأكيد المستمر علي مشروعات بناء الشخصية، والتي هي وحدة بناء الأمة التي تعمل بكل جد وجهد لتعويض مافاتها من زخمها الحضاري في السابق..واليوم، وذرة هذه الوحدة الأولية للمجتمع تكمن في عمومها الحفاظ على الهوية المصرية ذات الخصوصية والنموذج الذي لا شبيه له. وقد شهدت العقود الأخيرة من تاريخنا القومي، وبعد الانفتاح المبالغ فيه على العالم وثقافاته التي لا تطابق في كل جوانبها ثقافتنا المصرية المتأصلة في عاداتنا وتقاليدنا ومعاملتنا اليومية الاجتماعية؛ مما أدى إلى طمس اغلب ملامح شخصيتنا في كثير من الأحيان .. بأنفسنا، تأثرًا بإبهارنا الشديد لتجارب شعوب العالم الأول والغرب بالتحديد، وتلك تجارب في الحرية التي لا يربطها معيار، ولم نلتفت إلى تجاربهم الناجحه في حركتهم الأدبية والفنية، والعلمية بشكل خاص جدًا. فنحن ومنذ عقود نعلم الكثير والكثير عن مدن الغرب وعواصمه الكبرى، ونشيد الحجج والبراهين وفق مثالهم الخاص، ونجعل من السابقة الاوربية معيارًا لحاضرنا ومستقبلنا؛ وكأننا قد خلقنا أتباعا وقطيعا لا نفقه من العلم شيئا، ولم نفقه ابدا إذا وضعنا قضايانا الخاصة رهينة لقيمة خارجة عنا، وهذا لا يقلل ابدا من شأن اشقائنا في الانسانية، وما هذا الطرح الا تعبير صريح عن رغبتنا في تقديم أنفسنا لأنفسنا من جديد، ووفق معايير وقيم حضارتنا الأم والأولى في تعليم الإنسانية ذلك. ولم نقصد بهذا عودة انغلاقنا على العالم، ولم نستطع؛ وانما وضع المنهج العلمي المناسب في كيفية الانتقاء الثقافي، وخطوات ذلك، والأهداف، هذا ومع الحفاظ التام على هويتنا كمصريين لنا قرارنا وأعيننا ووجهة نظرنا في تناول موضوعاتنا والاخرى، وفق توجيهات واملاءات حضارتنا الإنسانية العظيمة؛ وهذه العملية تمر بلا انتهاك لهويتنا إذا قمنا بتدوير الأفكار وتحليلها وتأويلها من جديد، وتشيدها على أساس مشاكلنا الأم، وتلك مهمة تسند للباحثين والمفكرين والعلماء، والذين هم السند والمرجع القوي لرجالات الادارة والسياسة. فالسياسي يملك الإرادة والقدرة علي التنفيذ والادارة، ويملك العالم والمفكر حلولا حقيقية للمشاكل كافة؛ ولا يملك الأخير تلك الإرادة السالفة، ومن ثم وجب التعاون والتأسيس لعلاقة وثيقة ومترابطة بين أبناء السلطة وأبناء العلم، سبيلا في حل المشكلات التي فصلت بين شخصيتنا امس، وشخصية شبابنا اليوم، وما تجهله عن ماضيها المليء بالفخر والعبقرية. وعلى هذا قد رأينا ضرورة سرعة البدء الفعلي في البناء القيمي والأخلاقي والثقافي للانسان، الذي إذا تربى وكبر بشكل صحي وأخلاقي وعلمي صحيح، استطاع أن يقود الحركة كلها إلى ما تستحقه البلاد، ووفق مكانتها الطبيعية في قيادة أمتنا العربية والأفريقية. وربما يصبح هذا الشأن متضمنا المشاركة الفعالة من المجتمع المدني؛اذا شيدنا وسائل اتصال قوية توحد الجهد والصف في أية مشروعات يهدف مضمونها إلى تنمية شاملة ومستديمة؛ قوامها الأول الإنسان المصري، وهدفها النهائي .. الإنسان المصري الجديد، القادر -بعلمه وصحته ووعيه الحضاري والمعاصر - على بناء دولته والمحافظة عليها . والذي يضمن قيام تلك العلاقة الضرورية بين المسؤل والمواطن ،هم الذين يمثلون الحلقة التي تربط بين هؤلاء وهؤلاء ،وهم الكتاب والصحفيون والاعلاميون،وأساتذة المدارس والجامعات والمفكرون، وأصحاب الرأي والنظرية ..والمقام. وبعدما تعرضنا جميعا للكثير من المؤامرات والخطط المرسومة مسبقا لانعدام الهوية وزيادة القابلية بأن نكون مجرد أتباع..أو قطيع؛ علينا استرجاع وإعادة بناء الشخصية المصرية من جديد،وذلك بمعرفة جذورنا التاريخية، والعمل علي دمجها مع الصفات الرئيسية في واقع اليوم، ولا ملجأ لنا إذا ما أظهرنا قوتنا الحقيقية من فؤاد تراثنا الفريد، ووعينا به واستعنائه هو وعينا بذواتنا واستيعابها كذلك. وربما نستطيع فعل ذلك من خلال : ١- مشاركة علماء المصريات مع أساتذة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ واللغة العربية ؛من أجل استخلاص وتدوين مادة علمية ممنهجة تدرس منذ المرحلة الاساسية في التعليم الي نهايته. ٢-اشراك الموهوبين بحثيا في هذه العملية البحثية،وكذلك الطلاب المتفوقين دراسيا. ٣-استظهار ملامح الشخصية المصرية القديمة،من أخلاق وقيم إنسانية ووطنية؛وتسند هذه المهمة الي وسائل الاعلام،وأهل القلم والرأي. ومن النتائج الهامة التي ستطالنا جميعًا قيام الجامعة بدورها الحقيقي في تبني مشكلات واقعها المجتمعي، وذلك بتقديمها النخب العلمية، والكوادر الشبابية في مجالات عدة أهمها الفلسفة والعلوم الانسانية، وتعود طلبة العلم علي البحث فيما يعنيهم من مشاكل خاصة بهم ومجتمعهم العلمي والمجتمعي والإنساني أيضًا، ومن بعد.. بناء حجر الأساس الجديد لنخب المستقبل والتي ستقودنا بالعلم والفعل إلى مجتمع أكثر وعيا وأكثر فهما وأكثر فاعلية وأكثر مشاركة مع مشروعات التنمية الحقيقية في مجالات الحياة.. والإنسان. وتحقيق ذاك الهدف المنشود سيعيد لنا هويتنا المصرية كاملة، ويجعلنا نمتلك إرادة وقدرة في مواجهة قضايانا على اختلافها،وهذه خطوة أراها مهمة في ظل وضع القيادة السياسية "الإنسان المصري" كمركز لخطة التنمية الشاملة والمستدامة.

مشاركة :