بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ برسالة تهنئة إلى الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد يوم الاثنين عبر رابط فيديو، أعرب فيها عن أمله في أن تغتنم الصين والدول العربية فرصة عقد الاجتماع لتعزيز التواصل والتنسيق الإستراتيجيين، ودفع التعاون بشكل مطرد في مختلف المجالات بما في ذلك الاستجابة لجائحة كوفيد-19، وتعزيز بناء مجتمع صيني عربي ذي مصير مشترك من أجل المضي قدما بشكل أعمق وأكثر عملية، لتحقيق منفعة أفضل لشعبي الجانبين. ويأتي انعقاد هذه الدورة الجديدة لمنتدى التعاون الصيني العربي في توقيت يشهد سلسلة من التحديات الكبيرة التي يفرضها مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، ليبعث برسائل عدة بشأن تعزيز التوافق والتضامن والتعاون بما يخدم مصالح الجانبين. -- رسالة هامة ومنتدى فاعل وقد لاقت رسالة الرئيس شي اهتماما كبيرا من الخبراء والمحللين في الدول العربية، حيث ذكر خبير الشؤون الصينية الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية بالقاهرة ضياء حلمي أن الرسالة هي استمرار للعلاقات الطيبة الودودة، علاقات الصداقة الحقيقية بين الصين والعالم العربي، مضيفا بقوله إنها "علاقات نحترمها جدا ونقدرها كقيادات وشعوب عربية". وأشار حلمي إلى أن تأكيد الرسالة على أهمية العمل سويا لبناء شراكة إستراتيجية يبرز أن الصين تبني علاقات الصداقة على المكاسب المشتركة مع الدول العربية ومع كل أصدقاء الصين في العالم، قائلا إن ما يميز الرسالة كذلك هو أن الرئيس يتحدث دائما بإيجابية عن مستقبل العلاقات العربية الصينية وعما يمكن أن نصنعه سويا لرفاهية الشعوب العربية والشعب الصيني. ومن جانبه، ذكر الكاتب السعودي والخبير في الشؤون الصينية عبدالعزيز الشعباني أن رسائل الرئيس شي "عادةً ما تمتاز بتحفيز وتنشيط العلاقة بين الصين والدول العربية بدون حدود، ودائماً ما نتذكر عمق العلاقة الصينية العربية وأهمية توطيدها بشكلٍ متسارع مع تسارع العصر وتحدياته". ورأي الكاتب الأردني المتخصص بشؤون الصين والعلاقات العربية الصينية سامر خير أحمد أن الرئيس شي أكد في الرسالة على رؤيته الإستراتيجية لعلاقة الصين مع المنطقة العربية، على أساس الصداقة التاريخية التي تربط الصين بالعرب، وكذلك على أساس التطلعات المستقبلية المشتركة بين الأمتين من أجل تحقيق مزيد من التقدم الحضاري والتنمية والمشاركة في بناء مستقبل البشرية. -- تعاون إستراتيجي وإفادة مشتركة ذكر المحلل السياسي الجزائري الدكتور محمد عمرون أن منتدى التعاون الصيني العربي شكل منذ انطلاقه عام 2004 إطارا متميزا لدفع العلاقات الصينية العربية في المجالات الاقتصادية والثقافية وتوجيهها لخدمة الطرفين، وحافظ على نشاطه وديمومته، واستطاع بمرور الوقت أن يبلور لرؤية متجانسة صينية عربية في مجال التنمية. واعتبر المُحلل السياسي التونسي الجمعي قاسمي أن هذه الدورة من المنتدى تكتسب أهمية بالغة لجهة تطوير علاقات التعاون الإستراتيجية الصينية العربية وتستمد أهميتها أيضا من طبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة التي تتسم بتزايد التفاعل الإيجابي بين القادة العرب والصين ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس شي في العام 2013، والتي ساهمت في تغيير التعاون الثنائي بين الصين والدول العربية، والدفع به نحو مستقبل زاهر. وقال قاسمي إن هذه الدورة التي تُعقد في ظل تطور التعاون الصيني العربي في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، ستساهم في زيادة تعميق العلاقات الصينية العربية والدفع بها نحو مستقبل أفضل على قاعدة شراكة متينة وتعاون صادق يخدم مصالح الشعبين، لافتا إلى أن هذه المبادرة الطموحة ساهمت في جعل التجربة الصينية الناجحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، نموذجا لدى غالبية الدول العربية للاستفادة منها على قاعدة المصالح المشتركة. ومن الأردن، ذكر مروان سوداح رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين أن رسالة شي تشير إلى أنه من الضروري في الزمن الراهن تعميق العلاقات العربية الصينية في المناحي ذات الإفادة المشتركة للجانبين، وهو الطريق الأمثل لتعزيز الروابط التاريخية والإنسانية بين الجهتين من خلال روافع اقتصادية وحكومية وشعبية نشطة، مبينا أن محتوى رسائل الرئيس شي تركز على روابط طريق الحرير القديم ومثيله الجديد، الذي ستنمو على جانبيه علاقات ذات محتوى جديد معنوياً ومادياً. وفي هذا السياق، لفت محمد عمرون إلى أن مبادرة "الحزام والطريق" تعد مؤشرا قويا على التوجه الصيني الجديد في القرن الواحد والعشرين، مبادرة اقتصادية طموحة تسعى إلى ربط الصين بأوروبا من خلال المرور بقارتي آسيا وإفريقيا برا وبحرا. وأضاف عمرون أن الدول العربية تجد نفسها في قلب هذه المبادرة التي ستستفيد منها على مستوى البنية التحتية كالموانئ والمطارات والطرق، كما ستعزز هذه المبادرة انخراط الدول العربية المشاركة في التجارة العالمية، لتتحول الصين إلى شريك أساسي ونموذج تنموي يمكن الاستفادة من خبراته وتعزيز فرص الاستثمار معه. -- صداقة راسخة ودعم متبادل أوضح الرئيس شي في الرسالة أن الصين والدول العربية قدمتا مساعدة متبادلة ودعما قويا لبعضهما البعض، وشاركتا في تعاون وثيق منذ تفشي كوفيد-19، مشيرا إلى أن هذا مثال حي على مشاركة الصين والدول العربية في السراء والضراء. وفي هذا الصدد، قال إبراهيم السواعير الناطق الرسمي باسم اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، ومدير تحرير في صحيفة ((الرأي)) الأردنية "يلفتني في هذه الرسالة ثقة الرئيس شي بثمرة المنتدى وتصميم العرب والصين على النجاح، وكذلك عرض الرئيس شي لتجربة وظروف بلاده وفكرة التنسيق واحترام ما يؤهل العرب لهذه الشراكة، خاصةً في فترة تزامن المنتدى مع وجود كوفيد-19". وأعرب محمد عمرون عن اعتقاده بأن جائحة كورونا شكلت امتحانا حقيقيا للبشرية، مضيفا أنه في الوقت التي عبرت فيه الدول الغربية عن "أنانية مفرطة" في تعاملها مع الجائحة، تفرّدت الصين والدول العربية بمبدأ التضامن المتبادل، إذ قدمت الدول العربية إمدادات طبية للصين أثناء فترة تفشي الجائحة، وفي المقابل سارعت الصين إلى اقتسام خبراتها مع العديد الدول وإرسال مساعدات طبية إليها، وأبانت عن حس تضامني ومسؤول لاقى استحسان العديد من الدول والمنظمات الدولية. وأشار الخبير والمحلل السياسي السوري غسان يوسف إلى أن إرسال الصين مساعدات إلى أغلب الدول العربية ومنها السودان ومصر والعراق وسوريا والجزائر لمواجهة مرض فيروس كورونا الجديد يدل على حرص الصين على سلامة الشعوب وتقديم كل ما يلزم من خبرات وأدوية للحد من انتشار المرض. كما سلط الدكتور ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الإفريقي الصيني للتنمية في المغرب، الضوء على هذا الدعم المتبادل، معربا في الوقت ذاته عن تمنياته بأن تشهد المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد الجائحة، تركيزا على تكوين الأطر الصحية وإطلاق مشاريع لتصنيع المعدات الطبية في الدول العربية بشراكة مع الشركات الصينية. وعبر الخبير العراقي المهتم بالشأن الصيني ناظم علي عبد الله عن رأيه، قائلا إن الشعوب العربية تنظر بشكل عام إلى المساعدات الطبية الصينية وإرسال الخبراء لمواجهة جائحة كوفيد-19 بعين الاحترام والتقدير، مضيفا أن الصين أثبتت أنها صديق حقيقي للعرب ولكل الدول التي عانت من خطر هذه الجائحة. وأشاد المحلل السياسي الجزائري الدكتور سليم حمادي بالمساعدات التي قدمتها الصين، قائلا إنها هي في الحقيقة مساعدات إنسانية بالدرجة الأولى وإن الصين استطاعت أن تحجز لها المكان وتعزز مكانتها لدى الدول العربية من خلال حملات المساعدة التي اشتملت على إرسال أدوات وأجهزة طبية وأطقم من الخبراء الطبيين لنقل الخبرات للأطباء العرب. واستنادا لما سبق، ذكر محمد عمرون أن جائحة كوفيد-19 أثبتت أن التعاون والتضامن على الصعيد الدولي كفيل بمواجهة العديد من التحديات والتهديدات العالمية الراهنة، وإن ثنائية "الصين-الدول العربية" تستطيع أن تكون نموذجا لمنظومة دولية أكثر إنسانية. -- مخاطر شديدة ومصير مشترك ووسط عالم مضطرب تكثر فيه الحروب والأزمات الدولية، قال محمد عمرون إن "النظام الدولي الحالي أصبح عاجزا عن تقديم حلول للبشرية من أجل تحقيق الأمن والسلم العالميين، لذا فنحن بحاجة إلى ثورة مفاهيمية وإطار دولي جامع يكون أكثر شفافية وعدلا، ترتقي فيه مفاهيم التبادل والتعاون والتشارك على مفاهيم المصلحة والقوة والهيمنة". وذكر أن فكرة المجتمع ذي المصير المشترك للبشرية التي طرحها الرئيس شي تدخل في هذا السياق، "فكثيرة هي نقاط التشارك بيننا، والتي يمكن الاعتماد عليها للتأسيس لمستقبل قائم على التعاون لا الصدام، ولعل أكثر ما يؤكد على المصير المشترك للبشرية، هو جائحة كوفيد-19، التي أكدت أننا نعيش في عالم نتقاسم فيه نفس التهديدات والمخاطر، وبالتالي نفس المصير". ورأى الخبير العراقي ناظم علي عبد الله أن فكرة المجتمع ذي المصير المشترك للبشرية بما فيها المصير المشترك بين العرب والصين، هي فكرة جديرة بالاهتمام كونها تعالج التحديات التي تواجه العالم بأسره لأن إيجاد مجتمع بشري مشترك يعيش على التعاون وبث قيم السلام بدلا من الحروب والاختلافات سيقود إلى نتائج إيجابية تعزز التنمية الاقتصادية والثقافية كما أنها تساهم في فرض السلام والأمن في كل أرجاء الأرض. -- حضارتان عريقتان وتعلم متبادل أما عن الحضارتين الصينية والعربية، فقال إبراهيم السواعير "إنهما حضارتان ضاربتان في جذور التاريخ، وتمتلكان من الأسباب المنطقية ما يؤهلهما لأن يتبوأ كل طرف مكانته اللائقة به، وإنّ الطريقة المثلى لتحقيق الطموحات، بالرغم مما قاسته عبر الزمن ومرّت به كلّ أمّة، هي العمل والفهم الذي يشكل المظلّة وباقي الأمور تصبح بمثابة التفاصيل". كما رأى محمد عمرون أن العلاقة بين الحضارات هي علاقة تبادل وتأثير وتأثر، فلا توجد حضارة تأسست بمعزل تام عن الحضارات التي سبقتها أو التي كانت تعاصرها، وقد تلاقحت الحضارتان الصينية والعربية-الإسلامية، واستفاد الجميع من بعضهم البعض، ما وطّد العلاقة بين الطرفين. وأعرب عمرون عن تطلعه إلى مزيد من التبادل الحضاري والثقافي، وإشاعة القيم الإنسانية المشتركة، خصوصا وأن الحضارتين لهما رصيد مشرق في مجال التعايش والتسامح، كما يمكن أن تلعبا دورا بارزا في حوار الحضارات. وألمح عبدالعزيز الشعباني إلى أن التعلم بين الأمتين الصينية والعربية أمرٌ مطلوب، هو تعلم بين حضارتين تاريخهما يضم الكنوز المعرفية والفكرية التي من الممكن أن تكون الطريق المضيء لمستقبلٍ باهر ومتطور يتجاوزان فيه كل معوقات التقدم. وسلط إبراهيم السواعير في الختام الضوء على ما تتضمنه رسالة الرئيس شي من فكر وفهم عميق يدعو إلى توارث روح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتكامل والمنفعة المتبادلة جيلاً بعد جيل، معربا عن تقديره للمثل الصيني القائل إن "تكامل الألوان يزيد من جمالها وتناغم الألحان يزيد من هدوئها".
مشاركة :