خرج رؤساء أجهزة الاستخبارات البريطانية من الظل، وخضعوا لاستجواب في مجلس العموم أمس، بثت وقائعه عبر شاشات التلفزيون، وذلك للرد على انعكاسات محتملة على بريطانيا لتسريبات العميل المنشق عن وكالة الأمن القومي الأميركي إداورد سنودن اللاجئ في روسيا. وحضر الاستجواب غير المسبوق لجهة بثه على الهواء، كل من أيان لوبان مدير «المقر العام للاتصالات الحكومية» (وكالة الأمن القومي) وأندرو باركر المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية (أم آي 5) وجون سويرز مدير الاستخبارات الخارجية (أم آي 6). وتلخصت إجابات المسؤولين الثلاثة أمام لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني، في تأكيد حرص الأجهزة البريطانية على «الحرية والديموقراطية»، ونفي وجود تهديدات من «دول معادية»، كما كان الحال إبان الحرب العالمية الثانية، واستبعاد تكرار «سيناريو سنودن» في بريطانيا، حيث «تتبع أساليب أكثر تشدداً من أميركا» لتفادي اختراق أمني كالذي أقدم عليه العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي باستيلائه على آلاف الوثائق المتعلقة بنشاطات التجسس الأميركية وتسريبها إلى الإعلام. وأكد مدير «المقر العام للاتصالات الحكومية» المتهم بالتعاون مع الأميركيين في التجسس على ملايين الاتصالات، أن جهازه لا يريد التطفل على رسائل بريدية واتصالات هاتفية بريئة. وأشار مدير الاستخبارات الداخلية إلى إحباط 34 محاولة اعتداء إرهابية في بريطانيا منذ اعتداءات حزيران (يونيو) 2005، وذلك في معرض تبريره ميزانية الأجهزة التي تبلغ بليوني جنيه إسترليني. وشدد الوزير السابق السير مالكولم ريفيكند الذي رأس الاستجواب بحضور أعضاء لجنة الاستخبارات والأمن، على مغزى مشاركة رؤساء الأجهزة في استجواب علني غير مسبوق، مشيراً إلى أنه «خطوة مهمة في اتجاه إضفاء شفافية على عمل أجهزة الاستخبارات». وسبق للجنة أن استجوبت مسؤولي الأجهزة في جلسات مغلقة، لكن ظهورهم العلني الأول ترافق مع تفاهم ضمني معهم على عدم الكشف عن عمليات جارية لتفادي الإضرار بالأمن القومي. ورداً على سؤال حول فشل الاستخبارات البريطانية في توقع أحداث مثل انهيار الاتحاد السوفياتي أو «الربيع العربي»، قال مدير الاستخبارات الخارجية إن عملها محصور «في الحصول على أسرار تخفيها دول أخرى»، مشيراً إلى أن جهازه «ليس متخصصاً في توقع ما سيحصل الشهر المقبل أو العام المقبل» حول العالم. ولم يخف رؤساء الأجهزة البريطانية استياءهم من تسريبات سنودن، وألمحوا إلى قلقهم من استفادة المنظمات الإرهابية، مثل «القاعدة»، من تلك التسريبات التي تقدم تفاصيل عن أساليب عمل أجهزة الاستخبارات الكبرى. وأتى استجواب مسؤولي الاستخبارات البريطانيين في أعقاب تسريبات لسنودن تحدثت عن جهاز تنصت سري مثبت على سقف السفارة البريطانية في برلين مخصص للتجسس على مقر المستشارية الألمانية، في وقت اتهمت وكالة الأمن القومي الأميركي بالتجسس على الهاتف الجوال للمستشارة أنغيلا مركل. وينظر كثير من الدول بعين الريبة إلى تعاون لندن وواشنطن في مجالات الأمن، فيما تحاول الأجهزة البريطانية النأي بنفسها قدر الإمكان عن «فضائح التجسس الأميركية». وقوبل الظهور العلني لرؤساء الأجهزة البريطانية بردود فعل مختلفة لدى الرأي العام في بلادهم، إذ أبدى بعض البريطانيين خشيتهم من تهديد قد ينتج عن انكشاف الاستخبارات وخروجها عن السرية «المطلوبة والضرورية»، فيما اعتبر آخرون أن هدف هذا الظهور دعائي لتبرير أي فضائح قد تظهر نتيجة تسريبات سنودن، فيما يتهم كثير من البريطانيين أجهزة بلادهم والغرب، بالعجز عن القضاء على «الإرهاب»، مصدر التهديد الأول في العالم.
مشاركة :