5 دقائق، اختلطت فيها مشاعر الحنين للماضي، قابلتها نظرات تأمل طويلة واندهاش، إزاء لوحة تشكيلية رُسم عليها زاوية بيت قديم، يحتضن أسرة مكونة من أربعة أشخاص، يفترشون الأرض إلى جوار بعضهم، يتبادلون الحديث والابتسامة تملأ محياهم. الرجل الذي كان ينظر إلى اللوحة بتأمل شديد، بجواره ابنه الذي لا يتجاوز 12 عاما، ويحمل في يده هاتفه المحمول منشغلا بمحادثات الـ”واتس أب” بعيدا كل البعد عن الأجواء التي عاشه أبوه لحظة تأمله للوحة، وما كان من الأب إلا أن انخفض إلى ابنه قليلا، متحدثا إليه عن سر اللوحة وجمال تجمع الأسرة في زاوية البيت، واصفا البساطة والعفوية التي كانت تسيطر على أهل تلك الحقبة. الزائر لمنطقة البلد بجدة التاريخية تغمره فرحة عارمة وهو يشاهد تراث الآباء والأجداد، كل حارة وزقاق تحمل الكثير من الذكريات، فتلك رواشين الحارات العتيقة، وذاك مركاز العمدة يجلس عليه ثلة من أهل الحي، وهذه بسطات الأكلات الشعبية تزينها الأهازيج المصاحبة كلا يسوق لمنتجه بطريقته الخاصة، إلا أن “جدرانية جدة وأيامنا الحلوة” ابتكرت طريقة جديدة لتعريف الأجيال الجديدة والزوار من خارج السعودية بتراث جدة القديم. وتتلخص فكرة الجدرانية في ترجمة التراث الحجازي على شكل لوحات تشكيلية، حمل رايتها منصور الزامل، من بدأ فكرة تجميع الفنانين لتقديم الأعمال الفنية للزوار، وبدأت فكرة إنشاء الجدارنية منذ إطلاق فعاليات “كنا كدا”، علما بأن المعرض مستمر على مدار العام، ولم يعد مقصورا على فعالية معينة، ويتم استقبال الزوار طول العام، وبخاصة الأجانب الذين يحرصون على زيارة المنطقة التاريخية، ويتم خلال زيارتهم تقديم تاريخ جدة القديم عبر لوحات تشكيلية، وهذا هو الهدف الأساسي من فكرة الجدرانية. وبحسب مسؤول جدرانية جدة وأيامنا الحلوة بفعاليات “رمضاننا كدا2″ الفنان التشكيلي إحسان برهان، فإن قرابة 35 فنانا تشكيليا منتسبا للجدرانية، تم اختيارهم بعناية بما يتوافق مع الروح التي يراد إبرازها للزوار والمتذوقين للفن، ويرأس فريق الجدرانية ضياء عزيز ضياء. وتركز لوحات الفنانين على إبراز البيت الحجازي الذي تسمى به بيوت جدة التاريخية، باعتبارها تحفة معمارية تعكس ثقافة سكان تلك المباني، كما تصف الرسومات أيضا شيئا من الحياة المجتمعية التي عاشها الآباء والأجداد، إلى جانب عاداتهم وتقاليدهم، ومجال خصب للباحثين في التراث، ومن تستهويهم أعمال الديكور والبناء. بمجرد أن تخطو خطواتك الأولى لمعرض “جدرانية جدة وأيامنا الحلوة” تجذبك الرسومات، وتخطفك روح الحياة التي عاشها الأسلاف، التي ترجمتها أيدي الفنانين التشكيلين، فالصالة الأولى تحكي معظمها التراث الحجازي باعتباره الهدف الأساسي من الجدرانية، تليها الصالة الثانية التي تتحدث عن حياة الناس في تلك الفترة وعاداتهم وتقاليدهم، والصالات المتبقية تحوي لوحات مواضيع مختلفة لها علاقة بالإرث التاريخي لجدة القديمة. وأشار الفنان التشكيلي إحسان إلى أن الزائر للمعرض سيأخذ فكرة رائعة عن جدة التاريخية لكنها غير كافية، فالمعرض رغم أنه قدم بشكل مختصر فكرة التراث الحجازي، إلا أن بعض الجوانب والمواضيع لم يتم تغطيتها بشكل كامل، ولدينا توجه لإضافة مساحة أكبر لتغطية الجوانب التي تحكي عن التراث الحجازي.
مشاركة :