الشارقة: أوميد عبد الكريم إبراهيم تعكس سلسلة لوحات «زنابق الماء» للفنان الكبير ورائد المدرسة الانطباعية كلود مونيه (1840-1926)؛ قدرته الفائقة على التقاط مناظر الطبيعة بعين انتقائية، وإحساس مرهف، وولعٍ بالجمال؛ حيث استطاع أن يحول كل منظر يلفت انتباهه إلى تحفة فنية تعبر عن إحساسه بما رأى، والسحر الذي انطبع في أعماقه، وتتكون سلسلة «زنابق الماء» التي تعد من أشهر أعمال مونيه من نحو 250 لوحة زيتية، وهي تصور حديقة الزهور الخاصة به في منزله بمنطقة «جيفيرني» قرب العاصمة الفرنسية، باريس. أصبحت هذه السلسلة المحور الرئيسي لإنتاج مونيه الفني خلال ال30 عاماً الأخيرة من حياته، وقد أنجز العديد من أعمال هذه السلسلة، بينما كان يعاني مرض «إعتام عدسة العين»، وقد حظيت سلسلة «زنابق الماء» باهتمام كبير من جانب الفنان الفرنسي الذي تعلق بها كثيراً، وراح يرسمها مرات عدة بشغف واهتمام بالغَين، وفي فترات زمنية متباعدة؛ كما رسم بعضها في المساء، وبعضها الآخر في الليل أو مطلع الفجر؛ فضلاً عن أنه رسم قسماً منها في فصل الربيع، وقسماً آخر في فصل الشتاء، وفي كل مرة كان يترك بصمة قوية تعكس مدى ولهه وتأثره الشديد بما كان يراه. فضاء الواقع هذا الاهتمام الكبير من جانب مونيه ب«زنابق الماء»، والمناظر الطبيعية بشكل عام؛ يعود إلى شدة تعلقه بالريف الفرنسي الخلاب، وهو ما دفعه إلى قضاء سنوات طويلة من عمره في الأرياف، وكان يتَّبع أسلوب رسم المشهد ذاته في فترات وأوقات متباينة؛ بهدف التحكم بالمتغيرات التي تحدث، وهذه السلسلة تُصوِّر بِرك الزنابق التي تطفو على سطح الماء في فضاء حديقته التي كان مولهاً بها، وفيها حاول مونيه نقل الواقع أو الحدث الذي صوَّره من الطبيعة مباشرة؛ من دون أن يلجأ إلى استخدام مخيلته؛ ويمكن مشاهدة الضوء العاكس في أوقات متباينة من الليل والنهار، كما تظهر في لوحات السلسلة أشجار الصفصاف إضافة إلى جسر أحدب الشكل؛ في حين يبدو جلِّياً تركيز مونيه على بركة الماء، مما يمنح المشاهد انطباعاً قوياً بالوقوف في وسط البركة، فضلاً عن أن ضربات الفرشاة والأصباغ التي تصور الزهور والمياه تختلف اختلافاً كبيراً عن الأساليب الانطباعية المبتكرة. شهرة طاغية بدأ مونيه بالعمل على سلسلة «زنابق الماء» منذ عام 1889، وأنجز منها 10 لوحات على الأقل في تلك الفترة، وفي عشرينات القرن الماضي خصصت الحكومة الفرنسية غرفتين بيضاويَتَي الشكل كمقر دائم لثماني لوحات من سلسلة «زنابق الماء»، وفتحت الأبواب أمام الزوار منتصف عام 1927 بعد بضعة أشهر من وفاة مونيه؛ كما تم تجميع 60 لوحة من هذه السلسلة في معرض خاص عام 1999، ويتم عرض اللوحات في متاحف مختلفة حول العالم، بما في ذلك متحف جامعة برينستون للفنون، ومتحف مارموتان مونيه، ومتحف أورسيه في باريس، ومتحف متروبوليتان للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك وغيرها الكثير. بيعت إحدى لوحات سلسلة «زنابق ماء» مقابل 18.5 مليون جنيه استرليني في مزاد سوثبي في لندن عام 2007، وفي العام التالي بيعت لوحة أخرى منها مقابل 41 مليون جنيه استرليني في لندن أيضاً، وكان من المتوقع أن تباع لوحة أخرى بمبلغ يراوح بين 30 و40 مليون جنيه استرليني عام 2010. هَوَس استمر المعجبون بلوحات هذه السلسلة في التهافت على شرائها، وقد بيعت لوحة أخرى منها بالمزاد العلني في نيويورك مقابل 27 مليون دولار منتصف عام 2014، وبعدها بنحو شهر واحد بيعت لوحة أخرى من السلسلة مقابل 54 مليون دولار أمريكي في مزاد سوثبي بلندن، وهذه الأخيرة أصبحت جزءاً من معرض «رسم الحديقة الحديثة من مونيه إلى ماتيس» في متحف كليفلاند للفنون والأكاديمية الملكية للفنون بلندن، وحتى يومنا هذا تحظى السلسلة بشعبية كبيرة؛ حيث يوجد العديد من اللوحات في معارض لم يتم طرحها للبيع في المزادات بعد. عُرضت أول مجموعة من السلسلة مكونة من 25 لوحة في معرض «جاليري دوراند - رويل» في فرنسا عام 1900، وبعدها بنحو 9 سنوات عُرضت سلسلة ثانية مؤلَّفة من 48 لوحة، وقد كتب كلود مونيه في عام 1908: «لقد أصبحت هذه المناظر الطبيعية للماء والانعكاس هوساً، وهذا يتجاوز قوة رجل عجوز، ومع ذلك أريد أن أعبر عما أشعر به، آملُ أن يأتي شيء من كل هذا الجهد».
مشاركة :