ارتبط المدفع بشهر رمضان، فأطلق عليه مدفع رمضان، ولم يأنس بهذا الارتباط سوى من عاش تلك الليالي، ولتقريب هذه الصورة الرائعة لمن لم يعاصرها التقينا مع عدد ممن عاشوا تلك الأيام الخوالي للحديث عن ذكرياتهم في محافظة الوجه. العم رشيد بن حامد الفتوح يتذكر من كان يقوم بإطلاق مدفع رمضان مثل سالم بن صالح الوابصي، عودة بن ساعد الوابصي، ومن كان يقوم بالإشراف وتوزيع المهام والمناوبات وهما أحمد بن إسماعيل سنيور ولويفي بن حمود الجوهري يرحمهما الله. ويضيف أن مهمة التعامل مع المدفع انتقلت بعد ذلك إلى حجي بن إسماعيل النحاس وظل في عمله هذا حتى تم الاستغناء كلياً عن ذلك الرمز الرمضاني. أما العم زارع بن حمزة أبو دريهم فيقول: أول من أطلق مدفع رمضان عباس وحمزة ابنا حامد أبوسالم كما كان شقيقهما محمد أول من قام بمهمة المسحراتي بترديده عبارة (سحورك يا صايم)، وكان يجوب شوارع البلد الرئيسية التي لم تكن تتجاوز خمسة شوارع. وأفاد أنه لم يكن في الوجه سوى خمسة مساجد: مسجد بديوي، أبونبوت، الزاوية، الأشراف ومسجد البادية. وعن صلاة الجمعة قال: كانت تقام في مسجد بديوي وكان يؤم المصلين الشيخ علي عيسى الفقيه ومن بعده ابناه عباس وبكر ـ يرحمهما الله ـ ومن بعدهم الشيخ عمر الفقيه، وكان ينادي للصلاة في ذلك الحين الشيخ درويش الخناني ـ يرحمه الله ـ ثم الشيخ عبدالحفيظ الفقيه. أما العم علي بن مسعود المعيقلي عضو المجلس المحلي ومجلس المنطقة سابقاً، فقد آثر أن ينقلنا إلى مكان وزمان آخرين، فيقول: في ستينيات القرن الماضي كان جميع سكان البادية يأنسون ويفرحون رغم صعوبة المعيشة بقدوم شهر رمضان، بسبب الأجواء الأسرية التي يضفيها الشهر الكريم على الجميع، فكان التجمع في بيت كبيرنا هو ديدننا طوال أيام الشهر الفضيل. وفيما يتعلق بطعام الإفطار يقول العم علي: كان عبارة عن رشوف من طحين الدخن والتمر، على قلته في ذلك الزمان، واللبن والقهوة، أما سحورنا فكان لا يتجاوز العصيدة أو الأرز مع اللبن والسمن. وأضاف: كنا نفرح إذا دعينا لفطور أو سحور الحاضرة؛ لتنوع وتعدد أصنافه. وننتقل إلى حياة البحار، فيخبرنا عنها شيخ الصيادين العم عوض بن سيد المطري فيقول: كنا نبحر بعد صلاة الفجر مباشرة والعودة بعد ساعتين أو ثلاث من الإبحار وهي مدة كافية للحصول على ما يكفينا من الصيد، ويتم البيع بعد صلاة الظهر أثناء التجمع لأداء الفريضة. وعن ذكرياته مع مدفع رمضان يحدثنا حجي بن إسماعيل النحاس وهو آخر من قام بإطلاق المدفع، فيقول: تعايشت مع مدفع رمضان لمدة 27 عاما، كانت بدايتي مع مدفع البارود، حيث كنا نقوم بحشوه بالملح والبارود ثم نقوم بإشعال الفتيل حتى يصل إلى الحشوة ثم يتم الإطلاق عن طريق ذراع المدفع، بعد ذلك تم تبديل هذا المدفع بآخر أكثر حداثة منه ويمتاز بجاهزية قذائفه، إذ نكتفي بسحب إبرة خلفية تكون كفيلة بإطلاق المدفع مع موعد غروب الشمس. ويتذكر النحاس تجمع الأطفال من حوله قبل الغروب كل بزجاجته المليئة بشراب التوت ويردد القوي منهم (زكي وإلا أكسر) معبرا عن وجوب إعطائه شيئا من هذا المشروب.
مشاركة :