احتشد عشرات آلاف الأشخاص أمس السبت في سريبرينيتشا للمشاركة في مراسم إحياء الذكرى العشرين للمجزرة التي حصدت ثمانية آلاف رجل وشاب مسلم، ووصفها القضاء الدولي بأنها «إبادة». وقد حضر إحياء الذكرى الرئيس الأميركي في ذلك الحين بيل كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت. وفي هذه المناسبة التي تعيد ذكريات أسوأ الفظائع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، جرت مواراة نعوش 136 من ضحايا مجزرة يوليو (تموز) 1995 بعد التعرف على هوياتهم، بمشاركة نحو 50 ألف شخص، منهم أقارب الضحايا وناجون. وقد دفن حتى اليوم 6241 ضحية عثر عليهم، وتحددت هوياتهم في مدفن سريبرينيتشا، و230 آخرون في مدافن أخرى. وفي بلغراد، قبيل توجهه إلى سريبرينيتشا، وجه رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوسيتش رسالة مفتوحة أمس انتقد فيها «الجريمة الفظيعة» التي وقعت في سريبرينيتشا. وكتب فوسيتش الذي وصل إلى سريبرينيتشا: «لقد مضى 20 عاما على وقوع الجريمة الرهيبة في سريبرينيتشا. ولا أجد الكلمات التي يمكن أن تعبر عن الحزن والأسف على الضحايا، أو عن الغضب حيال الذين ارتكبوا تلك الجريمة الفظيعة». لكنه لم يستخدم كلمة «إبادة». لكن لدى وصوله سخرت منه مجموعة من المشاركين في الحفل قبل أن يوقع سجل التعازي، وتحدث مع أمهات ضحايا وصافحهن. وأضاف رئيس الوزراء أن «صربيا دانت صراحة ومن دون لبس تلك الجريمة الرهيبة، ولا تشعر إلا بالاشمئزاز من الذين شاركوا فيها، وستواصل ملاحقتهم أمام القضاء». أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد ندد في بيان بـ«إبادة سريبرينيتشا» مؤكدا أن بلاده تبقى «عازمة على مساعدة شركائها في البلقان لتضميد جروح الماضي». وعمد مشاركون في مراسم إحياء الذكرى العشرين لمجزرة سريبرينيتشا إلى رمي حجارة في اتجاه رئيس الوزراء الصربي، مما اضطره إلى مغادرة المكان محاطا بحراسه الشخصيين. وكان فوسيتش قد وضع لتوه وردة أمام نصب يحمل أسماء أكثر من 6200 ضحية تم التعرف على هوياتهم ودفنوا في المقبرة حين بدأ الحشد يهتف «الله أكبر» ويرشق الحجارة في اتجاهه. وقد تمكن رئيس الوزراء من مغادرة المكان وهو يركض، فيما كان المنظمون يدعون عبر مكبرات الصوت إلى التزام الهدوء. وقد أصيب فوسيتش في رأسه بعدما تعرض للرشق بالحجارة وتحطمت نظارتاه. واعتبر وزير الخارجية الصربي أن الحادث يعد «هجوما على صربيا»، إذ قال إيفيكا داسيتش في بيان إن «رئيس الوزراء تصرف كرجل دولة عبر اتخاذه قرارا بالتوجه إلى سريبرينيتشا للانحناء أمام الضحايا (...) إنه ليس هجوما على فوسيتش فحسب، بل على كل صربيا وسياستها من أجل السلام والتعاون الإقليمي». وقبل عشرين عاما، أي في يوليو 1995، وفيما أعلنت الأمم المتحدة سريبرينيتشا «منطقة محمية»، قتلت القوات الصربية البوسنية فيها نحو ثمانية آلاف رجل وفتى مسلم، فارتكبت بذلك أسوأ مجزرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أسفرت الحرب في البوسنة (1992 - 1995) عن 100 ألف قتيل ونحو مليوني لاجئ، ما يناهز نصف الشعب في تلك الفترة. وبعد أن تخلى عنهم داعموهم في الأمم المتحدة قرب نهاية الحرب بين عامي 1992 و1995 أعدمت قوات صرب البوسنة ثمانية آلاف رجل وصبي مسلمين على مدى خمسة أيام في يوليو، وألقت جثثهم في حفر، ثم انتشلتها بعدها بأشهر وألقتها في قبور أصغر في محاولة ممنهجة لإخفاء معالم الجريمة. ولم يعثر حتى الآن على جثث نحو ألف من الضحايا. وقضت محكمة تابعة للأمم المتحدة بأن المذبحة إبادة جماعية، وهو مصطلح يجادل كثير من الصرب في استخدامه، كما يشككون في عدد القتلى والرواية الرسمية لما حدث، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على الروايات المتضاربة لحرب يوغوسلافيا التي لا تزال تغذي الانقسامات السياسية، وتعرقل التقدم صوب الاندماج مع غرب أوروبا. وفي هذا الصدد وصف زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك الشهر الماضي سريبرينيتشا بأنها «أكبر خدعة في القرن العشرين». كما طلب رئيس الوزراء الصربي مساعدة روسيا الأسبوع الماضي لكي تستخدم حق النقض (فيتو) ضد قرار بمجلس الأمن الدولي كان سيدين إنكار وصف سريبرينيتشا بأنها إبادة جماعية. وكانت منيرة سوباسيتش، رئيسة رابطة أمهات سريبرينيتشا، التي قتل زوجها وابنها في المذبحة، في استقبال فوسيتش. وقالت خلال حضورها مراسيم دفن عظمتين من عظام زوجها عثر عليهما «انظروا إليه (فوسيتش) وهو ينظر إلى آلاف من شواهد القبور. ألا يخجل من نفسه لقوله إنها لم تكن إبادة جماعية.. ألا يخجل من نفسه لكي يأتي إلى هنا».
مشاركة :