سجلت أسعار النفط الخام تراجعا أمس، تحت وطأة المخاوف من الإغلاق الاقتصادي بسبب تسارع وتيرة الإصابات بجائحة كورونا في الولايات المتحدة، ما عزز حالة القلق والتوقعات السلبية للطلب العالمي على النفط الخام. وتتلقى الأسعار بعض الدعم من بيانات عن ارتفاع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة علاوة على التأثير الجيد لتخفيضات الإنتاج القياسية التي ينفذها تحالف المنتجين في "أوبك+" البالغة 9.7 مليون برميل يوميا، ويمتد العمل بها إلى نهاية يوليو الجاري مع توقع تحسن مستوى الامتثال لتخفيضات الإنتاج، وهو ما ستكشف عنه أعمال اللجنة الوزارية لمراقبة خفض الإنتاج في اجتماعها الأسبوع المقبل عبر الإنترنت. ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون "إن الاقتصاد العالمي يكافح للتغلب على واحدة من أصعب الأزمات في تاريخه، حيث أدى الانتشار العالمي لجائحة كورونا إلى زعزعة أسواق الطاقة"، لافتين إلى قلق عديد من الأطراف الفاعلة من صعوبة عودة الصناعة إلى مستويات ما قبل الأزمة نتيجة انخفاض الطلب على النفط والغاز وتراجع هوامش الأرباح علاوة على عمليات الشطب الضخمة للأصول. وأوضح المختصون أن أزمة جائحة كورونا أدت في المقابل إلى انتعاش ملموس في قطاع الطاقة المتجددة وهو ما يعكس الرؤية الثاقبة لدول أوبك وجميع المنتجين التقليديين في اعتماد برامج تحول الطاقة قبل عدة أعوام مضت، وكثير من هذه الدول قطع بالفعل شوطا جيدا في مشاريع الطاقات النووية والشمسية والرياح وغيرها. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة "إن ارتفاع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة قدم بعض الدعم إلى الطلب العالمي في مواجهة ضغوط هبوطية هائلة ناجمة عن ارتفاع الإصابات بوباء كورونا واتجاه عديد من الولايات إلى الإغلاق الاقتصادي للسيطرة على الجائحة". وأوضح أن جزءا كبيرا من الولايات المتحدة يشهد ارتفاعا طفيفا في استهلاك البنزين على الرغم من انتشار الفيروس حيث إن الحالات تتزايد في أكثر من 30 ولاية، مشيرا إلى ارتفاع الطلب على البنزين في الولايات المتحدة إلى 8.6 مليون برميل يوميا في الأسبوع الأخير من يونيو الماضي، لكن الطلب تراجع قليلا بحلول نهاية يونيو مع بدء انتشار الفيروس بسرعة أكبر، ذلك بحسب بيانات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية، عادّا ارتفاع مخزونات النفط الخام يزيد من أعباء السوق. من جانبها، تقول فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، "إنه إذا كان وضع الاقتصاد الأمريكي مقلقا فإن اقتصادات أخرى على الطريق لتجاوز الأزمة وحققت بعض الخطوات الجيدة نحو الانتعاش، حيث نرصد ارتفاعا في النشاط الصناعي في ألمانيا بوتيرة سريعة في يونيو وكذلك نشاط التصنيع في الصين كما تمكن عديد من الدول من السيطرة نسبيا على الجائحة وإعادة فتح الاقتصادات إلى حد كبير". وأشارت إلى أن المخاطر الواسعة متركزة في الولايات المتحدة والهند والبرازيل وهي جميعا من الاقتصادات الكبرى والمؤثرة في وضع الاقتصاد العالمي واستقراره، لافتة إلى أن الجميع يدرك بشكل متزايد وجود مخاطر سلبية على توقعات الطلب سواء على النفط الخام أو على البنزين. ويرى أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات أن أزمة كورونا تسببت في هدم وتغيير جميع التوقعات للتجارة العالمية والطلب على الطاقة خاصة أن السوق في يناير الماضي سجلت حالة من الانتعاش النسبي مع التوصل إلى المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين الذي كان يقضي بشراء الصين ما تصل قيمته إلى 26 مليار دولار أمريكي من منتجات الطاقة الأمريكية هذا العام. وأشار إلى أن هذا الهدف أصبح صعبا الآن في ظل انتشار الجائحة وتدميرها الطلب على النفط والغاز الطبيعي وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط اليوم بشكل كبير مقارنة بشهر يناير الماضي، لافتا إلى أن فرص تعافي الأسعار محدودة مهما تم احتواء الخلافات التجارية ومهما زادت واردات الصين من النفط الأمريكي والغاز الطبيعي المسال والفحم ومنتجات النفط المكررة مثل البروبان، حيث ستظل قيمتها أقل من المتوقع في بداية العام. وتقول نينا إنيجبوجو المحللة الروسية ومختص التحكيم الاقتصادي الدولي، "إن المنتجين الأمريكيين بشكل خاص يسعون إلى السيطرة على وتيرة بناء المخزونات المرتفعة خاصة بعدما أظهر تقرير تقييم الأثر البيئي أن مخزونات نواتج التقطير الأمريكية وصلت إلى أعلى مستوى منذ يناير 1983، ما يشير إلى أن النقل بالشاحنات والأنشطة الصناعية الأخرى لا يزال أقل بكثير من المعتاد، بينما انخفضت مخزونات البنزين بأكبر قدر منذ مارس بسبب موسم القيادة الصيفية. وأشارت إلى ضرورة استمرار منتجي "أوبك+" في العمل على تقييد المعروض ومكافحة تخمة الأسواق خاصة مع عودة الإنتاج الليبي إضافة إلى استعادة ما لا يقل عن 20 في المائة من الإنتاج الكندي المغلق إلى جانب تأهب "أوبك+" لتخفيف قيود خفض الإنتاج بدءا من أغسطس المقبل بعد انتهاء الأشهر الثلاثة التي شهدت تخفيضات قياسية بقيمة 7ر9 مليون برميل يوميا حيث من المقرر أن تهبط إلى 7ر7 مليون برميل يوميا بحسب الجدول الزمني للتخفيضات الذي تم التوافق عليه بين المنتجين في أبريل الماضي. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، نزلت أسعار النفط أمس حيث طغت المخاوف بشأن تجدد فرض إجراءات العزل العام الهادفة إلى احتواء مرض كوفيد - 19 في الولايات المتحدة على مؤشرات لتعاف في الطلب على البنزين في الولايات المتحدة. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 94 سنتا أو 2.2 في المائة، ليستقر عند 42.35 دولار للبرميل بعد ارتفاعه 0.5 في المائة، أمس الأول. كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.28 دولارا أو 3.1 في المائة ليستقر عند 39.62 دولارا للبرميل. وقال تاماس فارجا لدى "بي.في.إم أويل أسوسيتس"، "إنه نطاق محدود للحركة بسبب المخاوف حيال موجة ثانية من فيروس كورونا مقابل قوة أسواق الأسهم، على الأخص في الصين، بينما تمنع بيانات بشأن البنزين في الولايات المتحدة أسعار النفط من الهبوط"، مؤكدا أن الدعم سيختفي بعد هذا الأسبوع مع ارتفاع حالات فيروس كورونا في عدة ولايات أمريكية. وأضاف "الأكثر ترجيحا حدوث نزول، واستئناف الصادرات الليبية، إذا مضى قدما، فسيكون تطورا آخر يميل إلى الهبوط، كما أن السوق في حالة ثبات قبيل اجتماع في 15 تموز (يوليو) للجنة معنية بمراقبة السوق من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وحلفائها. وارتفعت أسعار النفط أمس الأول، إذ أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض مخزونات البنزين في الولايات المتحدة 4.8 مليون برميل الأسبوع الماضي، بما يزيد كثيرا على ما كان يتوقعه المحللون، إذ ارتفع الطلب إلى 8.8 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ 20 آذار (مارس). لكن ارتفاع حالات كوفيد - 19 في أنحاء عدة ولايات أمريكية عزز احتمال تجدد فرض إجراءات العزل العام التي ستكبح على الأرجح أي انتعاش مستمر في طلب الوقود. ويبقي ذلك عقود الخامين القياسيين في نطاقات ضيقة هذا الأسبوع، على الرغم من أنها تقبع فوق 40 دولارا للبرميل. وتسعى ليبيا إلى استئناف الصادرات بعد أن رفعت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة في مرفأ السدر النفطي أمس الأول. وارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 43.44 دولار للبرميل أمس الأول، مقابل 43.15 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، وإن السلة كسبت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 42.69 دولار للبرميل".
مشاركة :