سعود الفيصل.. النجم الساطع في سماء الدبلوماسية السعودية

  • 7/12/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ونحن كصحفيين في التسعينيات الميلادية نحضر لتغطية الاجتماع الوزاري الخليجي لا نتفاجأ حين يصل الأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية) وهو يقود سيارته بنفسه إلى مقر الاجتماع، لقد كان سموه -رحمه الله- أنموذجاً رائعاً مختلفاً عن غيره من الوزراء، فبمجرد انتهاء الاجتماع كانت تصريحاته دقيقة وفي السياق، وتعبر بشكل واضح عن ماذا يريد أن يقول وماذا يريد أن يوصل من معلومة إلى الجميع. لقد عاشت المنطقة أزمات متعددة من حروب وغيرها منذ توليه وزارة الخارجية في العام م. نتذكر حرب الخليج الأولى والتي نشبت بين العراق وإيران وخلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى وخسائر مليار دولار ودامت ثماني سنوات وكانت المملكة آنذاك حريصة على العراق ووحدته وأمنه واستقراره، وكان الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- يعقد مؤتمراً صحفياً لبيان المتابعة السعودية والموقف الرسمي من تطورات تلك الحرب، ثم جاءت الحرب الكارثة في الخليج عندما غزا العراق دولة الكويت في (م) بشكل مفاجئ وغادر شكل طعنة في خاصرة اللُحمة العربية والخليجية، وقام سموه -رحمه الله- بدور دبلوماسي كبير في الدفاع عن الشرعية الكويتية ودولة الكويت وأسهم في القرارات الإيجابية للأمم المتحدة في هذا الخصوص والتي تمخضت عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم بتحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي بالقوة. وقف بقوة أمام ملفات شائكة.. وأزمات طاحنة.. وحروب وإرهاب.. ومن حرب الخليج الثانية (الغزو العراقي للكويت) إلى حرب الخليج الثالثة التي قامت فيها الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق والإطاحة بحكم صدام حسين مما أدخل العراق في أتون إنفلات أمني وظهور التنظيمات الإرهابية واستمرار الصراعات والقتال إلى اليوم مما آذى المواطن العراقي وأدى إلى قتل وتشريد أعداد مهولة من العراقيين، لقد ظهر جلياً موقف الراحل سعود الفيصل في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك والتي عبّر فيها عن مخاوف المملكة من تقسيم العراق، وقال -رحمه الله- "إن السياسة الأميركية في العراق تتعامل مع طوائف الشعب وكأنها معزولة كل منها عن الأخرى". وأضاف سموه: إنكم تتحدثون الآن عن السنّة كما لو كانوا كياناً منفصلاً عن الشيعة، وطالب -رحمه الله- الولايات المتحدة بدلاً من ذلك بالعمل على لم شمل هذه الطوائف محذراً أنه بخلاف ذلك فإن حرب أهلية ستندلع في البلاد. وحذر الفيصل من أن هذا الصراع سيؤدي إلى تدخل كل من إيران بسبب مصالحها في جنوب العراق الذي يهيمن عليه الشيعة، وتركيا بسبب قلقها من ظهور كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي في الشمال والدول العربية في المنطقة. وأضاف: لقد خضنا معاً حرباً لإبعاد إيران عن العراق بعد طرد العراق من الكويت والآن فإننا نسلم البلاد كلها لإيران دون مبرر!. لقد عرف سموه -رحمه الله- ببعد نظره الأثر الإستراتيجي للغزو الأميركي للعراق وأسماه "احتلالاً" بجرأته المعهودة وصراحته التي لا مواراة فيها، فها قد تحول العراق إلى مستنقع للصراعات الطائفية والتشتت السياسي وموطئاً للجماعات الإرهابية التي ترتكب أفظع الجرائم بحق المواطن العراقي، بل إن التفكك يلوح في الأفق في هذا البلد العربي العريق. القضية اللبنانية: الجميع يعرف الحرب الأهلية اللبنانية وما قادت إليه من دمار للبنية التحتية والخسائر البشرية وما خلفته من آثار دموية بحق لبنان وشعبه ونتذكر دور المملكة الكبير ومبادئها التاريخية تجاه هذا البلد العربي حين أطلقت "اتفاق الطائف" الذي جمع الفرقاء اللبنانيين وأدى إلى مصالحة جمعت لبنان كبلد واحد متوافق التطلعات والرؤى. القضية الفلسطينية: أما القضية الفلسطينية الحاضرة للأبد في مختلف الملفات السياسية والدبلوماسية العربية منذ عشرات السنين، فإن الأمير سعود الفيصل كان حاضراً وبقوة من خلال تأكيده دائماً بأن قضية فلسطين والقدس هي قضية المملكة العربية السعودية الأولى، ولاشك أن المملكة منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وهي تولي قضية المسلمين الأولى اهتماماً ودعماً على كافة المستويات والأصعدة، وهنا نشير إلى مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك عبدالله -رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد وأقرتها القمة العربية في بيروت عام م، والتي أكد الأمير سعود الفيصل على أنها هي الأمل الذي ينشده الجميع في المنطقة لإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي وإحلال السلام في المنطقة. سبتمبر: وبعد أحداث سبتمبر م والحالة الأميركية بعد تلك الحادثة كان حضور الأمير سعود الفيصل الدبلوماسي الذي شدد على أهمية التفريق بين الإسلام والإرهاب، كما كان لسموه دور في استمرار دفء العلاقات بين البلدين وما يمثله ذلك من أهمية إستراتيجية لهما. حوار الأديان: الأمير سعود الفيصل أكد في تصريحاته الصحفية بعد اتفاقية إنشاء مركز الملك عبدالله للحوار بين اتباع الأديان والثقافات في فيينا "ان التعايش المسؤول في البعدين الديني والروحي لا يشكل أي تهديد.. وإن الحوار يمكن أن يكون أساساً لاكتشاف أوجه التشابه والتقارب. رؤية ثاقبة للأحداث لقد تمتع الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- برؤية ثاقبة للمعطيات والأحداث وما ستقود إليه التراكمات السياسية في المنطقة في المستقبل، فكان ذا توجه شديد نحو منع إيران من التسلح النووي، لأن ذلك بالتأكيد سيكون مصدر تهديد للمنطقة واستقرارها، كما أن وجود نظام بشار الأسد في سورية لن يقدم سوى المزيد من الدمار والدماء، كما أن تأكيده الحضور الخليجي العسكري في البحرين ممثلاً في قوات درع الجزيرة هو واجب خليجي تجاه بلد في منظومة مجلس التعاون.. ونحن نتذكر تصريحاته وردوده الدبلوماسية ذات اللهجة الصارمة تجاه ما يتعلق بالذات بإيران وسورية والأحداث الأخرى في المنطقة. وما قاله في قمة القاهرة رداً على الرئيس الروسي حول الأزمة السورية وما أكده أيضاً بخصوص اليمن حين قال: "نحن لا نحارب إيران بل نساعد اليمن". فقدان مؤلم إنه فقدان مؤلم للدبلوماسية السعودية برحيل ذلك الفارس، ولكن العزاء في ذلك أنه استطاع أن يكوّن بصمة دبلوماسية سعودية لها مواقفها الثابتة ورؤيتها الثاقبة بعين الخبير، يمضي خلالها الدبلوماسيون السعوديون ولديهم رصيد خبرة كبير كونوه بتعلمهم وتدربهم على يد الأمير سعود الفيصل الرائد المتفرد في بحر السياسة العميق.

مشاركة :