في عالم تعتصره جائحة كورونا بات السؤال الأكثر إلحاحا حاليا كيف تحمي أموالك واستثماراتك في أوقات الأزمات ما بين فيروس سريع الانتشار وتوترات جيوسياسية في عديد من المناطق، جزء منها بين أكبر اقتصادين في العالم وقاطرة نموه الحقيقية من جهة أخرى؟ في الظروف التقليدية، كان المستثمرون يستخدمون السندات الحكومية وسيلة لحماية محافظهم في أوقات الأزمات، إلا أن هذه الفكرة تغيرت اليوم وتحول اهتمام المستثمرين إلى الذهب بدلا من ذلك. ما الذي تغير؟ التغير الأساسي الذي حدث أن البيئة الحالية تشوبها أسعار فائدة منخفضة وسلبية، بالتالي أصبح الذهب بديلا استراتيجيا للسندات الحكومية ذات العوائد السلبية في منطقة اليورو وسويسرا واليابان بشكل أساس، والإيجابية لكنها منخفضة للغاية في الولايات المتحدة، لذا تغيرت المعادلة من السندات الحكومية لمصلحة الذهب كملاذ آمن. في ظل الوضع الحالي، احتمالات صعود أسعار السندات الحكومية خلال هذا العام ستكون قليلة، كما أن السندات الحكومية ذات العائد السلبي لم تعد تتمتع بميزة دخل مثل الذهب. لذلك فالمعدن النفيس أصبح يلعب دورا أساسيا لدى المستثمرين، حيث أصبح ضرورة لتنويع المحفظة والتحوط ضد تراجع أسواق الأسهم ذات المخاطر المرتفعة. إلا أن معظم المستثمرين وبيوت الخبرة يعتقدون أنه يجب ألا يشكل الذهب أكثر من 10 في المائة من الأصول المتعددة في المحفظة الاستثمارية. ما توقعات الذهب؟ من يملك الذهب ليس في حيرة من أمره، حيث يشير معظم التوقعات إلى أن المعدن الأصفر سيواصل ارتفاعه في ظل انتشار فيروس كورونا وتوقعات بفترة طويلة أمام الاقتصاد العالمي للتعافي من أثره. بينما من يود الشراء ينتابه كثير من التردد بعد تسجيل المعدن الأصفر مستوى 1812 دولارا، وهو أعلى مستوى منذ مستوياته القياسية المسجلة في أيلول (سبتمبر) 2011 عند 1895 دولارا. وبحسب تحليل لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، استند إلى بيانات مجلس الذهب العالمي، جولدمان ساكس، سيتي بنك، إندبندنت استراتيجي، بنك أوف أمريكا، لومبارد أودير، بلومبيرج، رويترز، تشير التوقعات إلى الأمل الوحيد في تراجع الذهب إلى قرب مستويات 1500 دولار هو التوصل إلى لقاح ناجع يحمي البشر من الإصابة من فيروس كورونا وهو أمر يشوبه كثير من الغموض حاليا. وحتى يحدث ذلك فالمعدن الثمين من المتوقع أن يسجل مستويات قياسية جديدة هذا العام فوق مستويات 2011، حيث يتوقع جولدمان ساكس صعوده إلى مستوى 1900 دولار خلال العام الجاري، ويتوقع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الذي يستثمر نصف ثروته في الذهب، أن يرتفع إلى ألفي دولار هذا العام. ويتوقع سيتي بنك وإندبندنت استراتيجي أن يصعد الذهب إلى ألفي دولار العام المقبل 2021، فيما يتوقع بنك أوف أمريكا أن يزيد المعدن الأصفر صعوده ليبلغ ثلاثة آلاف دولار في 2021. بالتزامن مع مخاوف الركود في الولايات المتحدة وأزمة الديون في أوروبا في 2011 كان الذهب قد سجل مستوياته القياسية قرب 1900 دولار، تلك الظروف مشابهة لما يتعرض له العالم حاليا بل إن الوضع الحالي أسوأ بشهادة صندوق النقد والبنك الدوليين، ما يدعم توقعات صعود الذهب إلى مستويات أعلى ما لم يتم التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا. الأوعية الاستثمارية تأتي هذه التوقعات بالتزامن مع تفوق الذهب على أداء أبرز الأوعية الاستثمارية منذ مطلع العام الجاري، حيث ارتفع 19 في المائة عن مستوياته نهاية 2019 البالغة 1525 دولارا. بينما سجل مؤشر الدولار الأمريكي الذي يقيس أداء الدولار أمام سلة من ست عملات رئيسة، استقرارا عند مستوياته نفسها نهاية العام الماضي البالغة 96 نقطة. كذلك تراجعت أسعار النفط 34 في المائة، لتبلغ 43.3 دولار لخام برنت، مقابل نحو 66 دولارا بنهاية العام الماضي. وحذت الأسهم حذو النفط، حيث تراجع مؤشر داو جونز الأمريكي 9 في المائة منذ مطلع العام عند 25981 نقطة، مقابل 28538 نقطة نهاية 2019، وتقترب الأسواق الآسيوية من مستويات تراجعه نفسها، فيما تراجعت الأسهم الأوروبية بمعدلات أعلى من ذلك. صناديق الذهب المتداولة ETF ومن بين المؤشرات الواضحة على الطلب الكبير على الذهب كملاذ آمن ولحماية محافظ المستثمرين، سجلت صناديق الذهب المتداولة ETF عالميا، تدفقا نقديا إيجابيا للشهر السابع على التوالي بزيادة 2.7 في المائة خلال حزيران (يونيو) الماضي بما يعادل 5.6 مليار دولار (104 أطنان). كذلك سجلت صناديق الذهب المتداولة أعلى مستويات لحيازتها من المعدن الأصفر بنهاية النصف الأول عند 3.62 ألف طن، ما يعادل احتياطيات عدة دول مجتمعة. وتعد هذه الحيازة العالمية المسجلة حتى نهاية الشهر الماضي، هي أعلى مستوى للتدفقات السنوية من حيث الحجم بالطن (646 طنا في عام 2009) ومن حيث القيمة الدولارية (23 مليار دولار في عام 2016). وبعبارة أخرى، فإن تدفقات الذهب الوافدة لصناديق الاستثمار المتداولة خلال النصف الأول من العام الجاري أكبر بكثير من المستويات القياسية لصافي مشتريات البنوك المركزية من المعدن في عامي 2018 و2019. كما يمكن أن تمتص هذه التدفقات نحو 45 في المائة من إنتاج الذهب العالمي في غضون أول ستة أشهر من عام 2020. رحلة المعدن الأصفر وبهذه التوقعات المتفائلة للذهب، سيكمل المعدن الأصفر رحلة طويلة من الارتفاعات الماراثونية، حيث تضاعفت أسعاره 51 مرة خلال الـ51 عاما الأخيرة (من 1969 إلى 2020) نظرا لأن سعره كان 35 دولارا في عام 1969 بينما يبلغ حاليا 1812 دولارا. وكان الذهب قد سجل أعلى مستويات في أيلول (سبتمبر) من عام 2011 عند 1985 دولارا بالتزامن مع مخاوف من الركود في الولايات المتحدة وأزمة المديونية في أوروبا، وهي ظروف مشابهة لما يتعرض له العالم حاليا بل إن الوضع الحالي أسوأ. احتياطيات الذهب وفي طور الحديث عن الذهب، يمكن الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي صاحب أكبر احتياطي من الذهب لدى بنكها المركزي بـ8.1 ألف طن، ثم ألمانيا 3.4 ألف طن، وصندوق النقد 2.8 ألف طن، وإيطاليا 2.5 ألف طن، وفرنسا 2.4 ألف طن. خلفهم روسيا 2.3 ألف طن، والصين 1.95 ألف طن، وسويسرا 1.04 ألف طن، واليابان 765 طنا، والهند 655 طنا، وهولندا 612.5 طن، وتركيا 560.8 طن، والمركزي الأوروبي 504.8 طن، وتايوان 422.4 طن، والبرتغال 382.5 طن، وكازاخستان 377.1 طن، وأوزبكستان 342.8 طن، وفي المركز الـ18 السعودية بـ323.1 طن وفق أحدث بيانات لمجلس الذهب العالمي. كبار المنتجين أما المنتجون، فتتصدرهم الصين بنحو 400 طن سنويا، وأستراليا 312 طنا، وروسيا 282 طنا، والولايات المتحدة 253 طنا، وكندا 193 طنا، وإندونيسيا 190 طنا، وبيرو 155 طنا، وجنوب إفريقيا 124 طنا، والمكسيك 122 طنا، وغانا عاشرا بنحو 102 طن. الذهب وسندات الخزانة وجهان لعملة واحدة ويعتقد أن ارتفاع أسعار الذهب وانخفاض العائدات الحقيقية لسندات الخزانة الأمريكية وجهان لعملة واحدة، ما يعكس مخاوف النمو الاقتصادي أو النفور من المخاطرة، وهذا يتضح بشكل لا لبس فيه من خلال البيانات التاريخية لأداء كل من الذهب وسندات الخزانة. الحالة التي تمر بها أسعار الذهب من ارتفاعات قياسية هي الحالة نفسها التي شاهدناها قبيل الأزمة المالية العالمية، ولكن في الوقت نفسه نجد أيضا تراجعات قياسية لمعدلات الفائدة لسندات الخزانة. لذلك نستطيع القول إن الذهب لطالما يتداول عكسيا مع عائد السندات وقد لا تكون الخطوات متشابهة تماما، ونستطيع مشاهدة ذلك من خلال مقارنة الأداء بينهما. ومع تسجيل العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام خلال مطلع آذار (مارس) الماضي أدانى مستوى في تاريخه، في وقت تزامن معه عدة أحداث من بينها بداية انتشار كورونا في أنحاء العالم أجمع وكذلك بداية حرب أسعار النفط، تسارعت أسعار الذهب لتحقيق مستوى تاريخي، يفصلنا عنه 120 دولارا فقط. ويقيس عائد سندات الخزانة المبلغ الذي تدفعه الحكومة الأمريكية للفائدة لاقتراض الأموال، ومثل هذه السندات يمكن أن تكون مؤشرا اقتصاديا. ونتمكن في الأغلب من لمس شعور المستثمرين بشأن الاقتصاد، بشكل عام كلما ارتفع عائد الخزانة شعروا بشكل أفضل بمستقبل الاقتصاد، والعكس في حال انخفاضه. وكان مجلس الاحتياطي الاتحادي خفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في مطلع آذار (مارس) الماضي، وهو أول خفض طارئ منذ الأزمة المالية، لحقه خفض آخر بعد نحو أسبوعين لمواجهة تأثير فيروس كورونا في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، لتقترب معها معدلات الفائدة في نطاق ربع النقطة المئوية والصفر، لتكون بذلك عوائد السندات خيارا عقيما مقارنة على سبيل المثال بالذهب أو الأسهم. ومنذ ذلك الحين، نجد أن انتشار كوفيد - 19 ما زال يثير مخاوف المستثمرين على الاقتصاد العالمي، حيث صدر أخيرا تقرير من صندوق النقد الدولي خفض من خلاله التوقعات حيال الاقتصاد العالمي إلى انكماش 4.9 في المائة مقارنة بآخر تقرير له في نيسان (أبريل) الذي توقع انكماشا بنحو 3 في المائة، حيث بين الصندوق أن الضرر الذي تلحقه الجائحة بالنشاط الاقتصادي أوسع وأعمق من التكهنات السابقة. وذلك الأمر أعطى دفعة لمستثمري الذهب الذي تعد سندات الخزانة الأمريكية أكبر منافس له، فعندما تنخفض عائدات السندات، يتمتع الذهب بميزة تنافسية كاستثمار ملاذ آمن. وحدة التقارير الاقتصادية
مشاركة :