«العرادي» الذي لا يغيب عن البال

  • 7/11/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مر عام على رحيل الصحفي الرياضي الكبير الأستاذ ماجد آل شرف «وشهرته العرادي» ومازال طيفه يتراءى أمامي، تحضرني ثقافته الرياضية وغير الرياضية الواسعة، وأحاديثه الشيقة عن الرياضة والرياضيين وبالذات عن الفرق واللاعبين القدامى، وبدايات تشكل الفرق ثم تأسيس الأندية على أنقاض هذه الفرق، وعلاقاته مع المسؤولين ونجوم الرياضة، وتمثيله الوطن في المسابقات الرياضية العربية والدولية، وبداياته مع الصحافة الرياضية، وغيرها من أحاديث ومواقف ستبقى عالقة في البال. فالراحل لم يكن شخصًا عابرًا في تاريخ الوطن بل ترك لنا تجربة ثرية سوف تستفيد منها الأجيال القادمة المعنية بالعمل الشبابي والرياضي.في فترات استراحة العمل كنت أستثيره ليحدثني عن هذا التاريخ بسبب شغفي في الاطلاع على ماضي البلاد، ثم أعرج في حديثي معه إلى المنامة العاصمة ليطلعني على عوائلها المعروفة وفرجانها وزقاقها. فأنا أحب الاطلاع على تاريخ عاصمتنا القديم التي للأسف هجرها أهلها. كان يسترسل في حديثه الذي لا يتوقف إلا حين العودة إلى مكاتبنا لإنجاز ما تبقى من عمل، فمسؤولياتنا لا تترك لنا المجال لوقت طويل نقضيه في «السوالف».. من خلال الدردشات والأحاديث عرفت أن الرجل يكتنز في ذاكرته كمًّا هائلاً من المعلومات، لذا فقد طرحت عليه أكثر من مرة تدوين هذا التاريخ في كتاب. وكنت على يقين تام أنه يملك القدرة الأدبية والمادة الأرشيفية الغزيرة التي تعينه في إنجاز هذا المشروع وبالتالي تزويد المكتبة الرياضية والمهتمين بالرياضة في البحرين بكم وفير من المعلومات والصور التي ربما لا يحوزها غيره. لكنه فضل أن يختزن في ذاكرته ما لديه من هذا التاريخ لنفسه ولا أعرف ما هو السبب. ربما لانشغاله الدائم في عمله اليومي المزدحم، أو لطبيعة شخصيته المعروفة في الابتعاد عن الأضواء أو الحديث عن نفسه.معرفتي بالفقيد لم تبدأ من هنا في «أخبار الخليج»، بل سبقتها سنوات طويلة عندما كنت طالبًا في مدرسة جدحفص الإعدادية أيام كان مديرها المرحوم الأستاذ إبراهيم بن رجب. في تلك الفترة الطلابية كنت أشاهد مدرسًا للتربية الرياضية يجوب ملاعب المدرسة ببدلته الرياضية الأنيقة دومًا. ومن خلال نشاطه الرياضي تحكم عليه بتميزه بين زملائه المدرسين. فأنت ترى أمامك شخصا بقوام رياضي متكامل، له هيبة بين طلابه في حصص الرياضة وفي فترات الاستراحة، يفرض نفسه على طلابه دونما غلظة أو قسوة عليهم. بل ويفرض حضوره في المدرسة بما أبدع من أنشطة رياضية نوعية لم تكن موجودة من قبل منها المهرجانات الرياضية الترفيهية المليئة بالإثارة والبهرجة والمستوحاة من التراث والعادات البحرينية. وكان له دور في تأسيس فرق مختلطة تضم الطلاب والمدرسين في ألعاب القدم والسلة والطائرة وإقامة منافسات بين هذه الفرق مما يضفي جوًا من المنافسة الشديدة بينها. ومن أجواء الحصص الرياضية التي أبدع في تصميمها المرحوم العرادي بمشاركة زملائه مدرسي التربية الرياضية ومنهم المرحوم الأستاذ عبدالله عيسى أمين سر اتحاد الطاولة لسنوات طويلة والأستاذ الدكتور حسين ضيف أطال الله في عمره والأستاذ عاشور حبيب وغيرهم فقد أنجبت مدرسة جدحفص الإعدادية للبنين نجومًا رياضيين صارت لهم شهرتهم على مستوى الوطن منهم شاكر عبدالجليل ومحمد حبيب وعباس فضل وغيرهم ممن عرفوا بصولاتهم وجولاتهم في الأندية وفي مسابقات الاتحادات المختلفة. بعد سنوات طويلة من ابتعادي عن الوطن في فترة الدراسة الجامعية تشاء الأقدار ان تجمعني هذه الصحيفة العتيدة تحت سقف واحد وفي علاقة حميمة مع أستاذي. فتحولت العلاقة بيننا من علاقة مدرس مع طالب إلى زمالة عمل. وعلى الرغم من هذه العلاقة الجديدة بقي احترامي لشخصه باعتباره أستاذي في المدرسة حتى وإن لم أكن طالبًا من طلابه. وكنت أعتز أن أناديه بالأستاذ دون ذكر اسمه.طوال هذه الفترة الممتدة عبر السنوات لم أختلف مع الأستاذ سوى مرة واحدة. وما عداها من أيام وسنين فقد سادت بيننا روح الأخوة والاحترام والعمل بروح الفريق الواحد. كنا نجلس مع بعض سواء في مكتبه أو مكتبي نتحاور في مختلف القضايا. والاختلاف المذكور انحصر في: هل يحق للصحفي الرياضي أن ينحاز لناد معين وأن يواليه دون غيره؟ وقد فهم أستاذي أنني أقصده هو. فكان رده نعم من حق الصحفي أن ينتمي إلى النادي الذي يعجبه وأن يدافع عنه لكن ذلك يجب ألا ينعكس في كتاباته وفي عمله الصحفي، فأنا مثلاً -يقول العرادي- في عملي الصحفي لا انحاز لأي كيان رياضي فالواجب الوطني والمثل الرياضية تقتضي الحيادية وخدمة الجميع. وفعلاً فالأستاذ العرادي عمل بمهنية عالية وروح رياضية خلاقة. ويمكن أن أضرب مثلاً هنا في تفانيه لخدمة الرياضة والرياضيين بلا استثناء، من خلال ما لمسته من تعاون لا محدود مع نادي باربار منظم دورة التعارف الكروية المعروفة المنضوية تحت مظلتها معظم أندية القرى التي لا تشارك في منافسات اتحاد الكرة. فقد ظل حريصًا على تغطية مباريات هذه الدورة ونشر أخبارها يوميًا في صفحات «أخبار الخليج الرياضي» رغم محدودية المساحة حيث لم تصدر الجريدة ملحقًا رياضيًا في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي. كما كتب موضوعات في نشرة «التعارف» التي تصدر عن الدورة. إضافة إلى كتاباته في الكتيب الذي يصدره النادي بمناسبة مهرجان الكبار السنوي الذي يحييه النادي تكريمًا للاعبين القدامى من أبناء القرية ومن نجوم المنتخبات الوطنية.. هذا هو العرادي صاحب النفس الرياضي الذي ينتمي إلى ناد كبير لكنه لا يتعالى على الأندية الصغيرة.الأستاذ الراحل معروف عنه ارتباطه بتخصصه في المجال الرياضي إلا أنه يمتلك ثقافة عامة وتستهويه قراءة كتب الشعر والأدب والتاريخ. فكان يحفظ للشعراء القدامى والمعاصرين أمثال المتنبي وجرير ومحمد مهدي الجواهري وفي الأدب يقرأ للسوري نبيل سليمان والمصري يوسف إدريس وغيرهم من الأدباء والكتاب. ومع أن العرادي يبتعد عن السياسة ودهاليزها، فهو ملم بما يجري في العالم من سياسات وخاصة ما تحيكه الدول الكبرى من مؤامرات لفرض سيطرتها على العالم. كما إنه يتألم لما تمر به المنطقة العربية من ظروف قاسية ومؤامرات متتالية من قوى لا تريد الخير لهذه الأمة. وتراه يفرح لأي إنجاز أو انتصار يحققه العرب إن كان عسكريًا أو علميًا أو رياضيًا بالطبع. ومن أجمل تسلياته لنا ونحن ننجز العمل اليومي معرفته -كما يقول- لغة لا يعرفها غيره هو وقبيلة واحدة تعيش في أدغال إفريقيا وأنه على اطلاع بعادات وتقاليد هذه القبيلة وعلى تواصل مع زعيمها!! وكان للأستاذ حسن بهلول -المخرج الفني في الجريدة- دور في تمرير هذا الزعم بوجود هذه اللغة فقد حفظ بعض الكلمات التي كان يرددها العرادي. بل إن بعض ضيوف الجريدة اقتنعوا بما جاء به العرادي من لغة الأدغال هذه لما رأوا فيه من جدية في الكلام وسرعة في نطق كلمات بحروف مركبة بشكل غريب. هذه اللغة العجيبة الغريبة عندما ينطق بكلمة واحدة منها ويثني على كلامه حسن بهلول تثير فينا الضحك وتنسينا هموم العمل وهذا ما أراده المرحوم.. أراد أن يكون جو العمل بعيدًا عن الروتين والملل، مليئًا بالفرح والابتسامة، فرحمك الله يا أستاذنا العزيز يا من ستبقى ذكراك باقية في نفوسنا ويبقى إبداعك الصحفي قبسًا ينير لنا طريق العمل لما فيه خير الوطن.

مشاركة :