قالت تحدثني عن يومها الأول في تدريس اللغة الإنجليزية لتلاميذها الصغار. كل شيء عندهم صغير، اليدان والملامح ونبرة الصوت والانفعالات. يكاد المرء أن يتخيلهم ألعاباً جميلة وأقول متسائلة " ما أعمارهم؟ تضحك قليلاً قبل أن تجيب..” لن تصدقي ولكنهم في الثالثة فقط " “ في الثالثة ويتعلمون الإنجليزي يا حليلهم" تعاود مشاغبة فضولي "المشكلة ليست في مبدأ التعلم رغم انهم لم يتفاعلوا معي في أول يوم وكان عليّ ان أعلمهم حفظ جمل بسيطة فيرددون كل شيء تلقائياً فأقول say good morning miss مثلا فيكررونها بدءاً بكلمة say أيضا" يتناثر الضحك بيننا وأجد أن أمومتي تتداخل وربما تبحث في نوع الزمن الذي يمضي فيه الصغار بعيداً عن دفء البيت وألفة الحياة وهم في هذا العمر... “ هناك تلميذ ذكي في الصف.. "تقاطع أفكاري" يجلس على كرسيه متابعاً ثم ما يلبث أن يضع وجهه على كف يده وينام في عمق ! يتكرر هذا المشهد كل يوم" وماذا تفعلون معه كيف تتصرفون؟ تأخذه المساعدة والدادة ليغسلوا وجهه ويعطوه عصيراً كي ينشط ولكنه يكمل نومه فور جلوسه على كرسيه بالصف بعدها إلى حين" ويركض تساؤلي " لمَ لا تخبروا أهله؟" تتنهد قبل أن تعلن في استسلام " يبدو ان الصغير متعلق بأمه وهي تخرج كل يوم للزيارات والأسواق وما شابه فلا يستطيع أن ينام حتى تعود للبيت ويكون ذلك متأخراً فيحرم من ساعات نوم كافية. لذا يشعر بالنعاس دوماً وينام في الصف هكذا أخبرتني المشرفة عندما تواصلوا بالبيت" وشعرت بالشفقة تجاهه ليس لأنه مرهق وينام في المدرسة فقط وإنما لحساسيته ومدي تعلقه بأمه.ليت المشاغل الاجتماعية لا تسبب كل هذا الإلهاء لبعض العائلات فيلتفتوا إلى صغارهم أكثر. المشهد الآخر الذي تنقله لا يقل طرافة وأسى...فالصغار الذين يأتون بفطورهم من عصير وفاكهة وسندوتشات صغيرة ليسوا بنفس المستوى، فإحداهن مثلا وجد في حقيبتها وعاء بلاستيكي غير محكم الإقفال به اندومي مع بسلة! وتقول محدثتي " يبدو ان الشغالة أعدت للطفلة فطورها على عجل فانسكب الاندومي داخل حقيبتها الصغيرة!! تصوري اندومي للفطور... أوف ! المسكينة اتسخت أشياؤها لا شك. تعترض " صحيح ولكن المشكلة كانت ماذا تأكل وزملاؤها يتناولون فطورهم وهي تنظر لهم، عموماً أحضرت لها بعض الطعام ولكنني أتساءل لمَ لا تنهض الأم ربة البيت مع صغارها وتشرف على تهيئتهم للمدرسة قبل أن تعاود النوم مرة ثانية إن شاءت؟ فعلاً. أتصور ان كثيراَ من ملامح الصغار وتفاعلهم يظهر مدى الاهتمام باحتياجاتهم الضرورية من عناية ومتابعة.المشكلة بالطبع في مدي تواصل الأم بمدرسة صغارها بشكل دوري. أما أهم وأحلى صورة نقلتها قريبتي عن معايشة الأطفال في الروضة فقد كان حاجة إحدى الصغيرات للتعلق بها، فإحداهن طلبت أن تجلس على حجر المعلمة فجاءت أخرى من صف مختلف وحاولت تسلق المسافة ولم تقدر فاكتفت بمسك يدها، وتضحك قريبتي من عفوية الصغار في إظهار مشاعرهم وحاجتهم، وتقول ليس هناك أمتع من عالمهم..الله يحفظهم.
مشاركة :