دبي: عبير أبو شمالة أكد صندوق النقد الدولي أن الإمارات نجحت في اعتماد تدابير رائدة في مواجهة جائحة «كورونا» ساعدتها على احتواء تفشي الفيروس، وتقليص تبعاته من خلال توسعة نطاق الفحوص وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة على شتى المستويات ما أسهم في فتح اقتصادها بشكل تدريجي. وقال جهاد أزعور مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إن اقتصاد الإمارات سوف ينكمش هذا العام وبشكل يفوق التوقعات السابقة للصندوق في إبريل الماضي، لكنه مؤهل للتعافي في العام المقبل من تبعات الجائحة. وكان الصندوق توقع في إبريل الماضي انكماش اقتصاد الإمارات بحوالي 3.5% في العام الجاري، ليتعافى بقوة مسجلاً نمواً يتوقع أن يصل معدله إلى 3.3% في العام المقبل، لكنه لم يورد في تقرير يوليو توقعات محدثة ومحددة لاقتصاد الدولة.وأكد خلال مؤتمر صحفي لإعلان تحديث الصندوق الأخير لتقرير آفاق النمو الاقتصادي للمنطقة وجود عوامل إيجابية تدعو للتفاؤل حيال نمو الإمارات الاقتصادي، ومنه العودة الناجحة للإمارات إلى الأسواق العالمية، مع إصدارات استقطبت اهتماماً واسع النطاق من المستثمرين العالميين، وتحدث عن إصدار أبوظبي الناجح قبل أسابيع قليلة لسندات اليورو. ولفت إلى وجود بعض المخاطر على مستويات القطاعات المتأثرة بحركة الاقتصاد العالمي وتتمثل في الضيافة والسياحة. ولفت أزعور إلى أهمية حفاظ الإمارات على النجاح المحقق في استثماراتها في التكنولوجيا، إضافة إلى توفير فرص أوسع للتمويل، خاصة أمام الشركات المتوسطة والصغيرة. وقال إن الإمارات يمكنها أن تستفيد من تحويل وتطوير الشركات شبه الحكومية، لتصبح أكثر تنافسية.وأضاف أزعور، إن اقتصاد الإمارات هو ثاني أكبر الاقتصادات العربية وواحد من أكثر الاقتصادات المنتجة للنفط تنوعاً في قاعدة مواردها الاقتصادية، وأوصى بالاستمرار على نهج تنويع الموارد الاقتصادية والحد من الاعتماد على الموارد النفطية لتعزيز أسس النمو في المرحلة القادمة. انكماش اقتصادات الخليج ووفقاً لآخر تحديثات الصندوق لتقرير آفاق النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يتوقع الصندوق أن تسجل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي انكماشاً يصل معدله هذا العام إلى 7.1%، لتعاود النمو بمعدل 2.1% في العام المقبل مع عودة الأنشطة الاقتصادية والنجاح في احتواء فيروس كوفيد -19. وبحسب التقرير يتوقع أن تنكمش القطاعات الاقتصادية غير النفطية لدول المجلس بحوالي 7.6% في العام الجاري، لتعاود النمو بإيقاع قوي عند 3.4% في العام المقبل. ويرجح الصندوق أن تسجل اقتصادات دول المجلس عجزاً في الحسابات الجارية بمتوسط 7% في العام الجاري، و5.8% في العام المقبل، أما على المستوى المالي فيتوقع الصندوق أن يصل متوسط العجز المالي لدول المجلس إلى 12% هذا العام، وحوالي 9.6% في العام المقبل مع بدء تبعات الجائحة على اقتصادات المنطقة في الانحسار.ومن جهة أخرى قال الصندوق إن مستوى التضخم لدول المجلس من المرجح أن يستقر عند 1.3% في العام الجاري ويرتفع إلى 3.2% في العام المقبل، الجدير بالذكر إنه ووفقاً لتقديرات الصندوق شهدت دول المجلس في 2019 انكماشاً في أسعار المستهلك بمتوسط 1.4%. انكماش اقتصادات المنطقة وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط يتوقع الصندوق انكماش الناتج المحلي لاقتصادات المنطقة بمتوسط 1.1% في العام الجاري، لتعود للنمو بمعدل يصل إلى 1.8% في العام المقبل، ورجح أن يصل متوسط عجز الموازنات المالي لدول المنطقة إلى حوالي 10.8% في العام الجاري، و8.9% في العام المقبل.وقال أزعور، إن الصندوق إلى اليوم قدم إعانات بقيمة إجمالية 17 مليار دولار لمساعدة 15 دولة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على تجاوز تبعات الجائحة. أسعار النفط وقدر الصندوق خسائر الدول المنتجة للنفط في المنطقة من العائدات النفطية بحوالي 270 مليار دولار في العام الجاري. وقال أزعور، إن أسعار النفط بدأت تتحسن بالفعل، بعد أن تراجعت نتيجة الجائحة إلى مستويات لم نرها منذ عام 1973، لكنها ما زالت بعيدة عن المستويات المحققة في بداية العام الجاري، حيث مازالت أقل بفارق 30% تقريباً عن مستوياتها في بداية العام والتي وصلت إلى 68 دولاراً للبرميل، كما لفت إلى أن أسعار النفط في الفترة القادمة مرهونة بعوامل عدة منها مستويات الطلب بطبيعة الحال والتي من المتوقع أن تتأثر نتيجة مخاوف موجة ثانية من الفيروس، ودرجة تعافي الاقتصاد العالمي، خاصة أن حركة التجارة العالمية يتوقع أن تتراجع 12% هذا العام. وقال إن التطورات على مستوى أسعار النفط تعتمد كذلك على نتائج مفاوضات الدول المنتجة للنفط، وإن كان سيتم الاتفاق على تمديد اتفاقية خفض الإنتاج الحالي التي ينتهي مفعولها في نهاية الشهر الحالي. وتوقع استمرار الأسعار في الفترة القادمة، ليتراوح سعر البرميل بين 40 و 45 دولاراً.ويتوقع الصندوق أن يصل متوسط الانكماش لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى 4.7% هذا العام، ما يقل بحوالي 2% عن مستويات النمو التي توقعها الصندوق سابقاً ضمن تقرير آفاق النمو الاقتصادي العالمي في شهر إبريل الماضي. حالة عدم الوضوح وعدد التقرير التحديات التي تواجه المنطقة وتخيم على آفاق نموها الاقتصادي في المرحلة المقبلة وأبرزها حالة عدم الوضوح الاستثنائية وغير المسبوقة المتعلقة بتطورات الجائحة وتأثيرات الإغلاق الكبير على أداء الشركات والتذبذب المحتمل تجدده على مستوى أسعار النفط. وقال الصندوق، إن الجائحة مازالت تختبر الإمكانات الصحية والصلابة الاقتصادية لدول المنطقة، وأكدت أن على الحكومات أن تركز أولوياتها، فبعد ضمان قوة أنظمتها الصحية كأولوية أساسية عليها أن تركز على دعم التعافي وتعزيز شبكات أمان اجتماعي فعالة وشاملة. ولفتت إلى أنه وبمجرد انتهاء مخاوف الجائحة على حكومات المنطقة العمل على تيسير حركة التعافي الاقتصادي من خلال رفع القيود على حركة العمالة والموارد بحسب ما تقتضي الحاجة، في ذات الوقت الذي تستأنف فيه الإصلاح المالي وإعادة بناء المصدات السياسية. عدم توازن سلاسل العرض ولفت التقرير إلى أن الجائحة أدت بحجمها وطابعها العالمي، إلى تراجع حركة التجارة وخلق حالة من عدم التوازن في سلاسل العرض، إضافة إلى توقف أنشطة السياحة والتحويلات على مستوى المنطقة، وتمثل التحويلات الخارجية حوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي للدول الأكثر ضعفاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال آسيا. أما على مستوى البطالة فقال التقرير إن مستويات التوظف والبطالة في دول المنطقة غالباً لا تتغير كثيراً جراء الأزمات، كما رأينا في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008، وذلك بالنظر للاعتماد في التوظف إلى حد كبير على القطاع العام في العديد من دول المنطقة. استثمارات خرجت من المنطقة وقدر الصندوق من جهة أخرى حجم الاستثمارات التي خرجت من المنطقة خلال أزمة الجائحة بما يتراوح بين 6 إلى 8 مليارات دولار، ولفت إلى أن الحجم الحقيقي ربما يكون أكبر، لكن ما يحجبه هو عدم توافر البيانات الرسمية الشاملة بعد لجميع دول المنطقة، وقال التقرير إن المشاعر العامة في الأسواق العالمية بدأت تتحسن في الفترة الأخيرة بصورة لافتة، بفضل التدابير السريعة والفعالة لاقتصادات المنطقةوأكد الصندوق أن الإمارات وغيرها من الاقتصادات التي لديها تقديرات ائتمانية مرتفعة استقطبت إقبالاً قوياً على إصداراتها الأخيرة في الأسواق العالمية، في الوقت الذي تمكنت فيه دول أخرى من المنطقة من الدخول إلى الأسواق العالمية بإصداراتها لكن بكلفة أعلى مع انخفاض تقييماتها الائتمانية. لبنان: الحوار لم يتوقف أكد أزعور أن صندوق النقد الدولي مازال مستمراً في مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية، وقال، إن آخر الاجتماعات معها جرى عقده يوم الجمعة الماضي لبحث المستجدات على مستوى إصلاحات الكهرباء والطاقة. وقال إن الصندوق يركز في مفاوضاته على تفاصيل خطة الإصلاح بما في ذلك التفاصيل المتعلقة بالجوانب المالية والإصلاحات الهيكلية وشبكات الحماية الاجتماعية.وأضاف، إن لبنان يعاني أسوأ الأزمات مع انكماش اقتصادي كبير، ومستوى تضخم مرتفع للغاية، وزادت أزمة كوفيد- 19 الطين بلة، لكن لبنان نجح في تجاوز الأزمة الصحية وتمكن من السيطرة على تفشي الفيروس.من جانبه قال ثانوس أرفانيتيس نائب مدير الصندوق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن لبنان يواجه تحديات كثيرة مستمرة وسمح لها بالاستمرار على مدى أعوام، الدين لا يمكن أن يستمر على مستواه الحالي، وهناك مستوى غير ملائم من الخدمات، وضعف على مستوى الحكومة، وتدنٍ في التنافسية، وقال إن الحكومة تجري مع الصندوق تقييماً للأوضاع المالية. وقال إنه لاستمرار المفاوضات الإيجابية من المهم أن يكون هناك دعم لخطة الحكومة، وما يهم أيضاً تخفيف الخسائر وتحسين الإدارة في المستقبل لنتمكن من وضع حد للأزمة وإلا سوف تستمر وستكون هناك صعوبة في استرداد اقتصاد لبنان لعافيته. إيران قال جهاد أزعور، إن اقتصاد إيران عانى في السنوات السابقة تأثير العقوبات، وقد كان من أكثر المتضررين بالجائحة على مستوى المنطقة، كما تأثر الاقتصاد بحدة جراء تراجع أسعار النفط العالمية. ويتوقع الصندوق أن يسجل اقتصاد إيران انكماشاً للعام الثالث على التوالي في 2020. وتحدث أزعور عن التدابير اللازمة لاحتواء الوضع الاقتصادي في إيران مبرزاً من بين التدابير الأساسية مواجهة التضخم وتعزيز أطر الرعاية الصحية ومواجهة أزمة أسعار الصرف، والسماح للاقتصاد بالعودة للإنتاجية. العراق من جهة أخرى قال جهاد أزعور، إن اقتصاد العراق يعتمد بشكل أساسي على النفط الذي يمثل نسبة 90% من العائدات الحكومية، ما يزيد تأثر الاقتصاد بالتذبذب في أسعار النفط. وقال، إن الجائحة بدورها أثرت في اقتصاد العراق نتيجة تدابير الإغلاق الاقتصادي لاحتواء الفيروس. ولفت إلى 3 أولويات على العراق التركيز عليها في المرحلة المقبلة وتتمثل في حماية الأرواح وتعزيز استقرار الاقتصاد وبخاصة تحسين المالية العامة، وأخيراً زيادة التنويع الاقتصادي والتركيز على القطاعات المهمة استراتيجياً.
مشاركة :