د. حسن مدن «الصداع لا يقارقني منذ أيام»، قال الرجل لصديقه الذي هاتفه يطمئن عليه. قال الصديق: «يلزمك بعض التغيير». سأله: «من قبيل ماذا؟» ردّ الصديق: «اذهب للمشي في المجمع التجاري»، وأضاف ضاحكاً: «احلق لحيتك البيضاء التي طالت».مضى شهران أو ثلاثة، منذ أن شاعت الجائحة، لم يفكر الرجل خلالها في حلق لحيته وهو الدؤوب على فعل ذلك قبلها. لا الناس اعتادوا أن يروه بلحية، ولا هو سبق أن رأى نفسه ملتحياً. مع المكوث الممل في البيت تشابهت الأيام والليالي، ولم يعد لحلق اللحية معنى. وليس مفاجئاً له أن لحيته كفّت عن أن تكون سوداء منذ سنوات، لكن أما وأن شعرها قد نمى وطال، فقد بدا هذا البياض لافتاً.ضحك الرجل من نصيحة صديقه بحلق اللحية، ولكن قرّر بينه وبين نفسه أن يفعل. حين همّ بذلك لاحظ أن ما لديه من شفرات حلاقة قد نفد، فعهده بها يعود إلى ما قبل الوقت الذي كفّ فيه عن حلاقة لحيته، فقرر من فوره أن يذهب إلى المجمع التجاري لينال من عصفورين بحجر، فينفذ وصيتي الصديق: المشي، وشراء الشفرات ليحلق اللحية.حين صعد سيارته باتجاه المجمع فتح محطة إذاعة الأغاني الطربية؛ إذاعته المفضلة حين يقود سيارته. كانت نجاة الصغيرة تغني: «هل حقاً أنا حبيبته؟». أهذا وقته يا نجاة؟ وأنت أيها القابع في استوديو الإذاعة ألم تختر في هذه اللحظة سوى هذه الأغنية؟ أما من أغنية أكثر بهجة، لكن لا أحد أصغى له، وواصلت نجاة: «أما كسرنا كؤوس الحب من زمن؟/ فكيف نبكي على كأس كسرناه؟».بلغ المجمع، وفيه أمضى ساعة كاملة مشياً، ذهاباً وإياباً في أرجائه، كانت عيناه تجول في مشاهد مألوفة، لكنه بدا مندهشاً منها كأنه يراها أول مرة. وفي ذهنه تطوف تساؤلات عما يراه، تستحق أن تدوّن. العادي في الظروف غير العادية يصبح أيضاً غير عادي.في نهاية الساعة قصد صيدلية في المجمع لشراء شفرات الحلاقة. أمام الصيدلية لمح عربة صُفّت عليها كتب للبيع. أخذه الفضول نحوها، وكمن يخاطب نفسه قال: «لألقي نظرة». ألقى نظرة بالفعل. عنوان كتاب بغلاف أصفر وطباعة أنيقة استوقفته. «كن سعيداً» كان عنوان الكتاب. لم يستطع غلّ يده عن أن تمتد نحوه لتصفّحه. إنه من فصيلة كتب: «تعلّم الإسبانية في أسبوع»، أو: «كيف تصبح مليونيراً في شهر؟».ساخراً من نفسه ومن الكتاب، قال: «السعادة لا تُعلّم. السعادة تعاش». madanbahrain@gmail.com
مشاركة :