كثيراً ما سمعنا عن خطوط الأنابيب شرق/ غرب، ولكن من أين تبدأ وأين تنتهي؟ وما هي أهميتها لشركة أرامكو السعودية واقتصاد المملكة؟ والحقيقة أن خط أنابيب الزيت الخام شرق/غرب يتكون من خطي أنابيب كبيري القطر، ويمتد الخطان لمسافة 1200 كيلومتر تقريباً من معامل بقيق شرقاً إلى فرضة الزيت الخام في ينبع على ساحل البحر الأحمر غرباً. إبداعٌ هندسي للتحكم في الضغط تتصل إحدى عشرة محطة ضخ ومحطتان لتخفيض الضغط بخط الأنابيب شرق/غرب، بحيث تتوزع محطات الضخ بالتساوي على طول خط الأنابيب، فيما تقع محطتا تخفيض الضغط على الجانب الخلفي من الجبال على مدخل فرضة الزيت الخام في ينبع. وتقع محطتا تخفيض الضغط في الجزء المنحدر من خط الأنابيب بين أعلى نقطة وينبع، وهما ضروريتان للإبقاء على ضغط التشغيل في حدود آمنة. تقع أولى محطتي تخفيض الضغط على بُعد عشرات الكيلومترات من ينبع، وتقع المحطة الثانية في ينبع. ولخط الأنابيب أهمية استراتيجية وحيوية لأرامكو السعودية وللمملكة، حيث يوفر خط الأنابيب مساراً بديلاً لتصدير الزيت الخام عبر الساحل الغربي، كما يوفر إمدادات الزيت الخام إلى مصافي الرياض ورابغ وينبع. ويساعد خط الأنابيب أيضاً في نقل الزيت العربي الممتاز المنتج من حقل الحوطة، ونقل إنتاج حقلي خريص والنعيم من الزيت العربي الخفيف والممتاز. وطاقته 5 ملايين برميل من الزيت وتستغرق رحلة الزيت إلى محطته النهائية في ينبع حوالي 14 يوماً. مشروع استبدال أجهزة التحكم تتكون كل محطة ضخ من خمس مضخات رئيسة تتميز بقابلية التشغيل على التوازي، وتعمل بخمسة توربينات احتراق غازي. والوقود المستخدم في هذه التوربينات هو سوائل الغاز الطبيعي التي يتم الحصول عليها من خط أنابيب سوائل الغاز الطبيعي أو من خط أنابيب غاز البيع، وكلاهما يمتد بالتوازي مع خط أنابيب النفط الخام. ويقول أحمد آل الشيخ، مهندس مشاريع أعلى في إدارة مشاريع خطوط الأنابيب والاتصالات في أرامكو السعودية، والمسؤول عن مشروع استبدال أجهزة التحكم في التوربينات: واجهتنا العديد من التحديات خلال عملنا في المشروع واستطعنا التغلب عليها، حيث تم إعادة النظر في الإجراءات التي نُفّذتْ لتحسين عدد من الوحدات، وتطبيق مبدأ الدروس المستفادة والتي وفّرت على أرامكو السعودية 16 % من مجمل الميزانية المعتمدة للمشروع. وهذا بحد ذاته قد أدّى إلى تقليص عدد أيام العمل على أجهزة التحكم في المضخات من 60 يوماً إلى 18 يوماً لكل وحدة. كما أن هذا الإجراء قد قلّص عدد الساعات التي كان يقضيها المستشارون في فحص تلك المضخات. وقد انعكس تقليص مدة إعادة تأهيل تلك المضخات على تقليص الزمن الذي سوف تكون فيه تلك المضخات خارج الخدمة، مما أسهم كذلك بوفر كبير على أعمال خطوط الأنابيب شرق/غرب. التحديات والإنجازات ويؤكد أحمد آل الشيخ أن استبدال توربينات الغاز بمجموعات جديدة لم يكن خياراً مطروحاً، لأنه سوف يؤدي إلى توقف التشغيل لفترات طويلة، فضلاً عن زيادة تكلفة وزمن التنفيذ كثيراً، بالمقارنة بمشروع استبدال نظام التحكم. وعلاوة على ذلك، فإن محركات أجهزة التحكم في توربينات الغاز ما زالت بحالة جيدة وخاضعة لدعم الموردين، ويتوقع لها أن تستمر حتى عشرين سنة أخرى. إلا أن المشروع كان يواجه تحديات كبيرة، تطلبت خبرة ومعرفة كبيرتين وعميقتين من أجل التغلب على هذه التحديات وتجاوزها وتنفيذ المشروع بنجاح. ومن تلك التحديات: • ان هذا هو أكبر مشروع لتحديث التوربينات يتم تنفيذه على مستوى العالم، من حيث عدد التوربينات، وهذا ما أكده جميع مقدمي العطاءات. • تنفيذ المشروع دون التأثير على معدل شحن النفط. • عَمِلَ فريق الإنشاءات على مدار الساعة لإعادة تشغيل التوربينات والمحافظة على طاقة خطوط الأنابيب. • العمل بالتوازي في 11 موقعاً موزعة على 1200 كيلومتر. السلامة من الأعطال والحوادث ويقول عمر الهاشم، مدير مشاريع أعلى في أرامكو السعودية، عن الدور الذي قام به الموظفون الشباب، وهم «قادة المستقبل»، في إنجاح المشروع وثقة الإدارة بهم: «كان تصميم وإنهاء واختبار أكثر من 10 آلاف من دوائر الأدوات الحساسة الموزعة على عشرات أجهزة التحكم في توربينات الغاز تحدياً هائلاً، وقد تم تصميم وإنهاء واختبار وتشغيل جميع الدوائر الإلكترونية بنجاح». ويضيف قائلاً: «كذلك نستطيع القول بكل ثقة إن هذا المشروع قد غيَّر أيضاً وسيلة الربط بين أجهزة التحكم في توربينات الغاز وغرف التحكم من الكابلات المحورية إلى كابلات الألياف البصرية، مع توفير كابلات احتياطية بديلة، وشمل ذلك كثيراً من أعمال التنسيق للحفر في منشآت مزدحمة تحت الأرض داخل المعامل لمد كابلات ألياف بصرية لأطوال بلغت آلاف الأمتار. ويضيف الهاشم، سار المشروع وفقاً للجدول الزمني المخطط له، حيث استمر العمل لمدة سنتين ونصف السنة، وفي حدود مدة زمنية بلغ إجماليها 1.2 مليون ساعة عمل دون وقوع حوادث، إذ كان يتواجد في مواقع العمل ما يقرب من 500 عامل في نفس الوقت، من المختصين والخبراء والفنيين، بعضهم جاء من خارج المملكة لمدة محدودة، وقد تم إنهاء العمل بمؤشر جودة بلغ أكثر من 90 %. وتعمل التوربينات في الوقت الحاضر دون تعطل أو توقف. وخلال زيارة صحيفة «اليوم» لمحطة الضخ رقم 3، التقت بعددٍ من الموظفين الذين يعملون هناك، وأجرت معهم لقاءات تحدثوا خلالها عن طبيعة أعمالهم والمهمات الملقاة على عاتق كل منهم لضمان سير العمل بشكل صحيح، حيث التقينا بداية مع جعفر طاهر العبود، الذي عمل في المشروع من بدايته حتى إنجازه. جعفر يبدو عليه الحزم والإصرار في إنجاز العمل في الوقت المناسب وبجودة عالية. يقول العبود: «معظم الصعوبات التي واجهناها كانت تتمثل في الانتقال من موقع لآخر، فالمضخات متباعدة ويحتاج الوصول لكل مضخة زمناً ليس بالقصير». أما محمد حسن آل إبراهيم، فقد عمل منسقاً مع الشركات المحلية والعالمية على السواء، التي عملت على رسم التصاميم. وكان من ضمن مهماته متابعة الخطط مع كل الشركات خاصة فيما يتعلق بالجوانب التقنية. ويقول: «كنا نعمل جاهدين على توفير كل المواد التي نحتاجها من الأسواق المحلية والدولية، حيث إننا ملتزمون بتوفير المعدات والأجهزة والأدوات التي تتوافق مع معايير ومواصفات أرامكو السعودية. من جانبه يقول عبدالله القديري، الذي كان يتابع القراءات على شاشات أجهزة الحاسب الآلي في غرفة التحكم : أراقب جميع الآلات والمعدات والأجهزة التي تعمل في المحطة عن طريق أجهزة الكمبيوتر المربوطة بشبكة إلكترونية، كما أتواصل دائماً مع المرحّل عبر الأجهزة السلكية واللاسلكية، وأتابع أثناء فترة عملي الحرارة والضغط والسرعة والاهتزاز لجميع الوحدات العاملة في محطة الضخ رقم 3، وباستطاعة أجهزة الكمبيوتر أن تحذرنا فيما لو حدث أي خلل، وحسب طبيعة ذلك الخلل يتم اتخاذ القرار بإيقاف المعدة أو الجهاز الذي تعرض للخلل، أو المتابعة مع الصيانة التي تقوم بعملية فحص فنية ثم تتخذ القرار». ويتم العمل في غرفة التحكم على أساس نوبتين تتكون كل نوبة من 12 ساعة، ولا بد من تواجد شخصين على الأقل في غرفة التحكم في جميع الأوقات. وتقع مسؤولية كتابة وتقديم تقارير يومية وأسبوعية وشهرية عن سير العمل على عاتق موظفي غرفة التحكم، حيث تُرفع تلك التقارير إلى الإدارة. فحوصات مركّزة من أجل الجودة في بداية كل نوبة يقوم المشغل بفحص جميع المعدات والأجهزة في المعمل، حيث يتم التأكد من عدم وجود التسربات، والموصلات الكهربائية والإلكترونية، وأجهزة الإنذار، والتكييف، ومستويات الزيت، وبرنامج الحماية، ومكافحة الحريق، والمكثفات، وعزل المياه من الزيت، وتجهيز الوحدات قبل التشغيل، وتشغيل المضخات، وتجاوب أو عدم تجاوب المضخات، وفحص جميع المرشحات وأخذ عينات من الزيت، والنظافة العامة في المكان والترتيب. كل فحص لواحد من هذه الأجهزة أو المعدات له أهمية كبيرة في سلسلة العمل وسلامته واستمرارية تدفق الزيت بشكل طبيعي، وهو ما يضمن جودة الأداء. وبدوره يتركّز عمل عبد العزيز الفوزان والذي يشغل منصب ملاحظ أشغال في دائرة خطوط الأنابيب في أرامكو السعودية، على عملية فصل الشوائب والعوالق والماء من الأنابيب التي تحمل الزيت، الذي يُرسل إلى المحطة رقم 3 ومن ثم إلى ينبع. أما بالنسبة للتحديات التي يواجهونها في العمل، فيقول الفوزان: «أكثر التحديات التي نواجهها تتمثل في حدوث الاهتزازات وتغير قراءة نسبة الضغط، ولكننا نراقب ذلك عن كثب ولا نغفل عنه لحظة واحدة، وعند حدوث أي خلل لدرجة تشكل خطورة على المحطة، فإننا نتصل على المرحل فوراً ليقوم بإقفال الخط. وعندما ينقطع الاتصال بيننا في غرفة التحكم وبين المرحل لأي سبب، فإننا مؤهلون لاتخاذ القرار المناسب. أجيال من التطور التقني 31 عاماً من اكتساب الخبرة والمعرفة قضاها عبدالعزيز أحمد أبو دقن في أرامكو السعودية، فقد عمل على أجهزة الكمبيوتر في مبنى الإكسبك في الظهران، ثم انتقل للعمل في دائرة خطوط الأنابيب حيث خدم في عدد من محطات الضخ. ويقول عبدالعزيز: لقد تطور العمل كثيراً في غرفة التحكم في محطة الضخ رقم 3 خلال السنوات الماضية،حيث كانت معظم الأعمال التي كنا نؤديها تُدار بأجهزة يدوية، وكانت بعض تلك الأجهزة تعمل على البروبين ومن ثم الديزل، ولم يكن التحكم فيها كما هو الآن. لقد عاصرت أجيالاً من النماذج البدائية والمتطورة من أجهزة التحكم، كما أن المضخات التي كانت تُستخدم آنذاك بسيطة ولا تتطلب الكثير من الحماية، مقارنة بالمضخات التي تستخدم الآن، فهي في غاية التطور والدقة»، فكل جهاز يوفر معلومات دقيقة عن المعمل، حيث يستطيع موظف غرفة التحكم قراءتها بكل وضوح. واستمر عمل مهندسي إدارة المشاريع وإدارة خطوط الأنابيب شرق/غرب على إعادة تأهيل تلك المضخات لمدة عامين ونصف العام. عبدالله القديري أحد الشباب العاملين في المشروع يقوم بمراجعة الإشارات التحذيرية لقطة لمحطة أنابيب شرق غرب رقم 3 شاب سعودي يقوم بفحص الدوائر الإلكترونية الدقيقة في المعمل عبدالعزيز أحمد أبو دقن
مشاركة :