جينجر زينجي كان لديها شعور جيد بشأن البورصة. على الرغم من أن مؤشر شنغهاي المُركّب ارتفع بنسبة 150 في المائة على مدى الشهور الـ 12 الماضية ووصل لتوه إلى أعلى مستوى منذ سبعة أعوام، إلا أنها رأت إشارة "الشراء" التي ربما غفل عنها المستثمرون الآخرون: عيد ميلاد الرئيس تشي جينبينج. تقول زينجي، البالغة من العمر 26 عاماً، التي تعمل في شركة تقييمات للأوراق المالية في بكين "حين انخفض المؤشر في 15 حزيران (يونيو)، الذي صدف أنه يوم عيد ميلاد الرئيس تشي، قلت في نفسي: نعم، الآن هو الوقت المناسب للشراء". لسوء حظ زينجي، كانت قد قرّرت الشراء بالقرب من أعلى مستوى للاتجاه الصعودي القوي في الأسهم الصينية. بعد وصوله إلى ذروة تبلغ 5166.35 نقطة في 12 حزيران (يونيو)، انخفض مؤشر شنغهاي بنسبة 30 في المائة خلال ثلاثة أسابيع فقط. وبحلول الثالث من تموز (يوليو)، كانت بورصتا شنغهاي وشنتشن قد فقدتا تقريبا 18.6 تريليون رنمينبي (ثلاثة تريليونات دولار) من الرسملة السوقية. ومنذ ذلك الحين، أطلق الحزب الشيوعي الصيني الحاكم سلسلة غير مسبوقة من التدابير -كل منها يبدو أكثر استماتة من سابقه- لمنع حدوث أزمة في البورصات التي يُمكن أن تُعرقل تجربته الممتدة منذ 25 عاماً لإصلاح أسواق رأس المال. التحليل اللاحق على "جثة" قرار زينجي الاستثماري يُلخّص شعور الارتباك في الوقت الذي تترنح فيه الصين على حافة أزمة مالية واقتصادية محتملة أكبر بكثير، الأمر الذي يُمكن أن يُلحق الضرر بالاقتصاد العالمي وتكون له تداعيات سياسية بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني. يوم الأربعاء، بعد فشل بورصتي شنغهاي وشنتشن في الاستجابة إلى محاولة بكين في دعم الأسواق، قالت زينجي "أنا نادمة على ذلك بالفعل. يبدو أن (مستوى النقاط) الثلاثة آلاف سيضيع قريباً. الحكومة تحاول إنقاذ السوق لكنها تفشل. أظن أني سأبتعد عن الأسهم في المستقبل". وبحلول يوم الجمعة، بدأت الخسائر تنعكس، مع إنهاء مؤشر شنغهاي مكاسب كبيرة لمدة يومين تبلغ 10.6 في المائة. لكن الانتعاش جاء فقط بعد تدخل كبير من الدولة -بما في ذلك استخدام البنك المركزي لشراء الأسهم- الذي ربما ألحق ضررا طويل الأمد بصدقية الأسواق التي تحرص القيادة الصينية كثيرا على تعزيزها. يقول واي ياو، كبير الاقتصاديين المختصين في الصين في "سوسييتيه جنرال"، "في حين أننا نتعاطف مع الشعور بالحاجة المُلحّة لتهدئة المستثمرين، إلا أننا نشعر بالقلق من أثرين من الآثار الجانبية المحتملة. أولاً، تحويل مخاطر سوق الأسهم من المستثمرين الأفراد إلى المؤسسات المالية يخلق مخاطر أخلاقية وينطوي على مزيد من المخاطر النظامية. ثانياً، تدابير مثل تقييد البيع على المكشوف وإيقاف التداول في السوق لن تؤدي سوى إلى تأخير التعرّض للخطر". فقد مؤشر الأسهم في شنغهاي 30 في المائة من قيمته خلال ثلاثة أسابيع ويحكي اللون الأحمر الذي يغطي كامل الشاشة الإلكترونية القصة نفسها. عمليات البيع المكثف جاءت في أسوأ وقت ممكن بالنسبة للرئيس تشي ورئيس وزرائه، لي كه تشيانج. فالاقتصاد الصيني ينمو بأبطأ معدل سنوي له منذ ربع قرن. وأرقام النمو للربع الثاني من المُقرر أن تصدر هذا الأسبوع. كيفين لاي، مختص الاقتصاد الإقليمي في دايوا للأوراق المالية، يعتقد أن اضطراب سعر الأسهم هو مجرد دلالة على عودة الأساسيات الاقتصادية المتردية لأن تكون محل التركيز، وأي نجاح تحصل عليه الحكومة من كبح المد الزاحف سيكون مؤقتاً فقط. وقال "من المستحيل بالنسبة لهم استدامة هذه اللعبة. هبوط السوق أمر طبيعي ومنطقي، لكن الحكومة لا تريد حدوث ذلك". لا للبيع يبقى من غير الواضح حجم الأموال التي اقترضها المستثمرون لوضعها في الأسهم. ومن غير الواضح أيضاً عدد الأسهم التي تم التعهد بها كضمان مقابل القروض المصرفية - وهي ممارسة، إن كانت منتشرة على نطاق واسع، ستُثير شبح سلسلة من فشل شركات الوساطة المالية أو المصارف. والتأثير المحتمل، غير المعروف، لهاتين الآليتين من "آليات الانتقال" نحو الاقتصاد الأوسع هو الذي يبدو أنه يُرعب الحكومة الصينية. ارتفع الإقراض على المكشوف -يقترض المستثمرون الأموال من شركات الوساطة المالية لشراء الأسهم- من 698 مليار رنمينبي في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى ذروة بلغت 2.7 تريليون رنمينبي في 18 حزيران (يونيو). لكن هناك حجم غير معروف من الإقراض على المكشوف في السوق الرمادية قد انتشر أيضاً، بتمويل من مصارف الظل، من خلال هياكل مُعقدة معروفة باسم "صناديق الحماية". وخلال الأسابيع الأخيرة خففت اللجنة الصينية لتنظيم الأوراق المالية قواعد الإقراض على المكشوف، ثم عادت لتشديدها في وقت لاحق - هذه علامة واحدة فقط على اضطراب السوق والارتباك في التعامل معها. أحد المستثمرين (25 عاماً)، الذي قال "إن خسارته تُعادل تكلفة سيارة بي إم دبليو ميني كوبر"، لخص التحدّي الذي تواجهه القيادة الصينية. وقال المستثمر الذي يدعي أرون تشانج "أنا لن أبيع لأنني أثق بالرئيس تشي ورئيس الوزراء لي. الضغط واقع عليهما. إذا لم يستطع لي تحقيق نمو بنسبة 7 في المائة هذا العام، عندها ستنتهي حياته المهنية في السياسة (...) لكنني أعتقد أن هذا الأمر مُستبعد للغاية. ما زلت أعتقد أن 6000 نقطة أو حتى 8000 نقطة ليست ضرباً من الخيال. ستنتعش السوق مرة أخرى قبل نهاية هذا العام". في الطرف الأكبر سناً لطيف المستثمرين نجد المتقاعدين المُجتمعين في قاعة في شركة دونجتشيمن للأوراق المالية في بكين، التي يمكن أن تظن خطأ أنها نزل للمسنين. إحدى النساء، التي رفضت الكشف عن اسمها لكنها قالت إنها في الـ 80 من عمرها تقريباً، استثمرت 20 ألف رنمينبي (3200 دولار) حين كانت السوق عند 5000 نقطة. قالت، وصوتها يشي بالبكاء "خسرت ثُلثي أموالي. أنا أريد استعادتها بالفعل وعندما أحصل عليها، فلن استثمر في البورصة مرة أخرى". وأضافت "كان هناك كثير من تقارير وسائل الإعلام عن وصول المؤشر إلى 5000 و6000 نقطة. الصحف كانت تكذب". هؤلاء المستثمرون المُسنون كانوا يدخلون النصف الخلفي من حياتهم في اللحظة التي بدأت فيها الصين احتضان الإصلاح. تقول ني ريمينج، مختصة معاشات التقاعد في معهد شنغهاي للمالية والقانون "الأشخاص الكبار في السن في كثير من الأحيان لا يفهمون الاقتصاد. وبالتالي يسهُل خداعهم". اغتنام اتجاهات السوق تحاول الحكومة الآن دعم الأسواق التي كانت قد ساعدت في وقت سابق على تضخيمها إلى مستويات خطيرة. وسائل الإعلام الحكومية كانت المُشجّع خلال الاتجاه الصعودي للسوق، الأمر الذي عزّز انطباعات بأن الحكومة كانت تدعم الاندفاع. تعليق في نيسان (أبريل) في صحيفة "الشعب" اليومية، الصحيفة الرائدة للحزب الشيوعي، أصبح سيئ السمعة الآن في الصين بسبب الإعلان أن "4000 (نقطة في مؤشر شنغهاي المُركّب) كانت مجرد البداية". وكتبت الصحيفة "السبب وراء الاندفاع الصعودي هو الدعم الاقتصادي الكلي لاستراتيجية التنمية في الصين والقوة الجوهرية للإصلاحات الاقتصادية". شركات الوساطة المالية وشركات التمويل كانت متواطئة في الجهود الدعائية، إذ كانت تشجّع الناس على فكرة أن سياسات الحكومة ستدفع السوق إلى الأعلى. الحكايات الرئيسية حول الاستثمار تحدّثت عن "مفهوم الأسهم" المُرتبط بمواضيع كبيرة، مثل إصلاح الشركات المملوكة للدولة وبرنامج عمل البنية التحتية "طريق الحرير الجديد" الخاص بالرئيس تشي لآسيا وأوروبا. في الشهر نفسه الذي صدر فيه تعليق صحيفة "الشعب" اليومية، وضع أحد فروع المصارف في شنغهاي لوحة إعلانية خارج مبانيه. مكتوب عليها رسالة تحثّ المارة على التالي "تابعوا السياسة واغتنموا اتجاهات السوق! البيع الحماسي: إصلاح الشركات المملوكة للدولة، طريق الحرير الجديد، مفهوم الأسهم الأكثر إيماناً بالسوق الصاعدة"! بعد أن تحوّلت السوق في 12 حزيران (يونيو)، لم تُظهر وسائل الإعلام الحكومية ما يُقارب الحماسة نفسها للقصة في أي مكان. وكالات الأنباء التي كانت فيما مضى تعرض حركة السوق اليومية بشكل روتيني تخلت عن مواكبة السوق. وصدرت تعليمات لبعض الصحافيين بالامتناع من استخدام عبارات مثل "كارثة الأسهم" و"إنقاذ السوق" في تقاريرهم. أندرو باتسون وتشين لونج، من شركة جافيكال دراجونوميكس للأبحاث، القائمة في بكين، كتبا هذا الأسبوع "ما تخشاه الحكومة في النهاية (...) هو صدقيتها والدعم الشعبي. على الرغم أن من الواضح أن الحملة الدعائية التي كانت تحثّ الناس على دخول البورصات على مدى أشهر كانت غلطة، إلا أن الحكومة ربما لا تزال تشعر بأنها مضطرة إلى دعم السوق حتى تُظهر أنها تستطيع أن تفي بوعودها". جهود الحزب الشيوعي الصيني لإنعاش السوق بدأت في نهاية حزيران (يونيو)، بعد ثلاثة أسابيع من انفجار الفقاعة. حينها قرر البنك المركزي الصيني تخفيض كل من أسعار الفائدة القياسية ومتطلبات احتياطات المصارف التجارية. ويقدر أن الخطوة الأخيرة أدت إلى ضخ نحو 470 مليار رنمينبي في النظام المصرفي. بعد ثلاثة أيام حثت الجمعية الصينية لإدارة الأصول، المدعومة من الدولة، المستثمرين على عدم "قتل الإوزة التي وضعت البيضة الذهبية" واغتنام الانخفاض بنسبة 20 في المائة، في ذلك الحين، باعتباره "فرصة استثمارية". ومع استمرار انخفاص السوق حتى أوائل تموز (يوليو)، قالت اللجنة الصينية لتنظيم الأوراق المالية "إنها ستحقق في تلاعب في السوق"، في حين ذكرت وسائل إعلام محلية أن السلطات كانت تضغط على المتداولين لعدم التداول على المكشوف في السوق من خلال مؤشرات العقود الآجلة. تدابير الإنقاذ شملت تعهدا بـ 120 مليار رنمينبي من قِبل شركات الوساطة المالية المملوكة للدولة، للمساعدة على رفع مؤشر شنغهاي المُركّب مرة أخرى إلى 4500 نقطة، وتوجيهات للسيطرة على المساهمين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات بحيث لا يتجهون إلى بيع الأسهم. وكان الأمر كما لو أن الحزب الشيوعي، الذي يضم في صفوفه فصائل قوية تعتبر حساسة للخطر بجميع أشكاله، قرّر أن بإمكانه ببساطة إيقاف السوق حسب رغبته عندما تُصبح مُتقلّبة فوق الحد. ويعتقد بعضهم أن الآثار المترتبة على برنامج الإصلاح الأكبر والتحويلي ظاهرياً، الخاص بالرئيس تشي تُنّذر بالسوء. في مذكرة للعملاء في الخامس من تموز (يوليو)، وصف جن هينج لي، من شركة جيه إل وارين كابيتال، جهود الإنقاذ بأنها "خطوة ضخمة إلى الوراء في مسار إصلاح السوق". شخص يُقدّم المشورة لصنّاع السياسة في الصين أضاف أن "التدخل كان يثير القضية المتناقضة حول ما إذا كان الأمر بمثابة ضربة كبيرة للناس الذين أرادوا المضي قُدماً بالإصلاح (لأنه) إذا كنت ضد الإصلاح فبإمكانك القول: أرأيتم، لقد قلت لكم". اختلال السوق الواضح الأسبوع الماضي بلغ درجة جعلت نحو نصف الشركات المُدرجة في الصين توقف التداول في أسهمها بحلول صباح الخميس، في محاولة واضحة لتجنّب الاضطراب الذي أدى إلى عزل نحو 1.4 تريليون دولار من القيمة السوقية عن عمليات البيع. وهذا يعتبر بمثابة شكل سرّي من إغلاق السوق وقد لقي ترحيبا من بعضهم. وبحسب تعبير تشانج، المستثمر البالغ من العمر 25 عاماً من سوتشو "أنا محظوظ. على الأقل تم إيقاف بعض أسهمي من التداول قبل الانخفاض". تدابير استثنائية لكن الإجراء الأكثر إذهالاً، الذي كُشف النقاب عنه خلال الأسبوع الماضي، كان عمليات شراء الأسهم الممولة من البنك المركزي - عملية وصفها بعض المراقبين بأنها "برنامج تسهيل كمي بخصائض صينية". قبل ساعات فقط من افتتاح الأسواق صباح يوم الإثنين، أعلنت اللجنة الصينية لتنظيم الأوراق المالية أن شركة تشاينا سيكيوريتيز المالية، وهي شركة حكومية ظلت غامضة حتى الآن، تقرض شركات الوساطة المالية، ستضخ سيولة ممولة من البنك المركزي إلى عملائها. البنك المركزي لم يؤكد العملية حتى يوم الأربعاء، عندما كشف النقاب أيضاً عن أن شركة تشاينا سيكيوريتيز المالية جمعت احتياطي أموال يبلغ نحو 260 مليار رنمينبي. ولا يزال من غير الواضح كم من ذلك المبلغ جاء من البنك المركزي، لأن شركة تشاينا سيكيوريتيز المالية تقترض أيضاً من السوق التي بين المصارف، وتصدر سندات خاصة بها. يقول يي تان، وهو مُعلّق مالي مُستقل، مُشيراً إلى خلاف محتمل داخل الحكومة بشأن برنامج الإنقاذ "في البداية، البنك المركزي لم يُظهر أي دعم. يوم الأربعاء كانت المرة الأول التي يُعلن فيها عن موقفه. لكن البنك المركزي لا يستطيع التهرّب من المسؤولية. فهو يزوّد الأسلحة". والمُتشككون موجودون بكثرة. أحد الأشخاص الذي لديه تعاملات منتظمة مع اللجنة الصينية لتنظيم الأوراق المالية أخبر "فاينانشيال تايمز" يوم الأربعاء، تماماً قبل انتعاش الأسواق "ما ينبغي السؤال عنه هو ما قاموا به بفعالية، هل نجح؟ اليوم عليك أن تقول إنه لا يبدو كأنه تدخل جيد، لأنه أرعب السوق بالكامل فيما يبدو. أن يكون هناك كثير من الشركات التي تسعى لإخفاء نفسها عن المستثمرين، من خلال إيقاف التداول بأسهمها، فهذا أمر مُحرج للغاية". وأضاف "هناك أمران يحدثان لا ينبغي أن يحدُثا. الدولة تتدخل في السوق بطريقة مباشرة جداً لمنع الأسعار من الانخفاض والشركات العامة المُدرجة تنسحب من السوق. إنها تُعلن إيقاف التداول لتقول إنها لا تعتقد أن الحكومة تعرف ما تفعله، وإنها لن تنجح. كل من الحكومة والمؤسسات العامة المُدرجة لا يملكان الثقة بالسوق". حتى وزير المالية في روسيا، البلد المستميت للحصول على صداقة الصين ودعمها الاقتصادي، كان يبدو أنه يطعن في صدقية المديرين الماليين في الصين. فقد قال أنتون سيلوانوف يوم الأربعاء، بعد حضور الرئيس تشي قمة الأسواق الناشئة في روسيا، جنباً إلى جنب مع الرئيس فلاديمير بوتين ونظرائه من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا "نحن نأمل أن يكون إجراء المنظمين الصينيين فعّالاً". وأضاف "انخفضت أسعار النفط وبعض المعادن انخفضت (هذا الأسبوع). ونحن نعزو هذا إلى عدم وجود استقرار في السوق المالية الصينية". وأضاف دبلوماسي من بكين "نهجهم هو مزيد من سيطرة الدولة، ثم إلقاء مزيد من المال على الناس. لكن حتى في الصين، الأموال ليست بلا نهاية".
مشاركة :