تعززت خطط سلطنة عمان الرامية إلى زيادة دور المناطق الصناعية في الاقتصاد بالإعلان عن تدشين مشروع مدينة عبري الصناعية، ما يضع البلد الخليجي في طريق بناء مرحلة متقدمة من استراتيجية تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط لتجاوز مخلفات زمن الوباء. عبري (سلطنة عمان) - أعلنت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية بسلطنة عمان (مدائن) الثلاثاء أنها أطلقت رسميا أعمال تشييد مدينة صناعية بولاية عبري بمحافظة الظاهرة. وتسير مسقط وفق جدول زمني لتنفيذ خطة تحول متكاملة لتعزيز دور المناطق الصناعية في الاقتصاد، متحدية الظروف الصعبة، التي أثرت على توازناتها المالية بسبب تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014 وكذلك تداعيات فايروس كورونا. ولم يكشف المسؤولون عن تكاليف المشروع، لكن يتوقع أن يتطلب ملياراتٍ من الدولارات قد توفرها مسقط من استثمارات أجنبية وقروض. ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى سيف بن حمير آل مالك الشحي، محافظ الظاهرة، قوله إن “تدشين مدائن لهذا المشروع يأتي في توقيت مثالي لإيجاد بيئة متكاملة للقطاع الصناعي في المحافظة بصورة خاصة، والسلطنة بصورة عامة”. وأشار إلى أن المحافظة تتمتع بمقومات كبيرة في عدد من الأنشطة الاقتصادية لاسيما الصناعات المتعلقة بالرخام والكروم. وأوضح أن وجود مدينة صناعية مجهزة بالخدمات الأساسية سيكون داعما حقيقيا للدفع بتطوير مثل هذه الأنشطة ودعم الاقتصاد الوطني للسلطنة. وستعمل المدينة على إيجاد الكثير من فرص العمل لشريحة كبيرة من الكوادر العمانية، كما أنه سيوفر البيئة المناسبة للقطاع الخاص لمزاولة مختلف الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية في مكان واحد متكامل، الأمر الذي سينعكس إيجابا في زيادة دخل الفرد وانتعاش المجتمع. وسيتم تشييد مدينة عبري الصناعية على مساحة إجمالية تقدر بنحو 10 ملايين متر مربع، والعمل جار حاليا على إعداد المخطط العام لها من خلال الشركة الاستشارية التي تم تعيينها. ومن المتوقع الانتهاء من أعمال التصميم التفصيلية وإعداد مستندات مناقصة التنفيذ للمرحلة الأولى خلال الربع الأخير من 2020، والتي ستتضمن أعمال البنية الأساسية والخدمات، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من الورشات الصناعية والمرافق الأساسية. وأوضح هلال بن حمد الحسني، الرئيس التنفيذي لمدائن، أن إنشاء المدينة الصناعية يأتي مواصلة لخطط الحكومة الرامية إلى توزيع التنمية الاقتصادية على مختلف المحافظات وتماشيا مع أولويات “رؤية عمان 2040”. وقال “المشروع ينسجم مع خطط التنويع الاقتصادي وإيجاد بيئة تنافسية جاذبة للاستثمار المحلي والخارجي، وبالتالي تحقيق أهداف مدائن المتمثلة في جذب الاستثمارات الأجنبية للسلطنة وتوطين رأس المال الوطن، وتحفيز القطاع الخاص”. وتتضمن المدينة الصناعية الجديدة التي تقع على الطريق المؤدي إلى المنفذ الحدودي بين السلطنة والسعودية إقامة مجموعة من الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية كالصناعات الخفيفة والمتوسطة ومنطقة تجارية ومكاتب إدارية. كما ستحتضن المدينة ورشات صناعية ومخازن لوجستية ومركزا صحيا ومساكن للعمالة الوافدة، بالإضافة إلى مركز الخدمات وغيرها من الأنشطة والخدمات المقدمة لأصحاب الأعمال والمستثمرين بصورة خاصة وسكان المحافظة بصورة عامة. وقال الحسني إن “مدائن ستعتمد في تصميم مدينة عبري الصناعية لأول مرة على أنظمة إنشاء المدن الذكية القائمة على استخدام الطاقة الشمسية التي تهدف إلى المحافظة على البيئة وإدخال التقنيات الحديثة في مجال إدارة المدن الصناعية”. وخطت سلطنة عمان في شهر يوليو 2018 خطوة كبيرة نحو إنشاء أول مدينة صناعية ذكية بتوقيع اتفاقية مع كوريا الجنوبية لتنفيذ المشروع الضخم في المنطقة الاقتصادية الخاصة في ميناء الدقم. ويؤكد الحسني أن المؤسسة العامة للمناطق الصناعية ماضية بثبات نحو تحقيق رؤيتها المتمثلة في تعزيز مكانة البلد الخليجي كمركز إقليمي ريادي في مجالات التصنيع وتقنية المعلومات والاتصالات والابتكار والتميز في مبادرات القيمة المضافة. وسيتم تحقيق ذلك عبر جذب الاستثمارات الصناعية وتقديم الدعم المتواصل لها من خلال وضع الاستراتيجيات التنافسية إقليميا وعالميا، وإيجاد بنية أساسية متطورة، وتوفير خدمات القيمة المضافة، وتسهيل العمليات والإجراءات الحكومية. وأشار سيف بن سعيد البادي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان ورئيس فرع الغرفة بالظاهرة، إلى أن المدن الصناعية التي تشرف عليها المؤسسة العامة للمناطق الصناعية تعد رافدا اقتصاديا حيث تسهم في إيجاد حراك اقتصادي في السلطنة. وقال “ما يميز هذه المدن الصناعية أيضا مساهمتها في توفير فرص أعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال العمانيين وبالتالي إيجاد فرص وظيفية مباشرة وغير مباشرة”. وتنفق الحكومة مليارات الدولارات منذ فترة على تطوير المدن الصناعية لتصبح مناطق أنشطة اقتصادية كبيرة بهدف جذب شركات لتوفير فرص عمل جديدة. ويرى اقتصاديون أن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر كثيرة، إذ أنها تقوم على الإنفاق بسخاء على البنية التحتية وإطلاق صناعات أساسية بتمويل حكومي، رغم أن الدولة تعاني من شح في السيولة وتباطؤ في نمو اقتصاد البلاد. ووفق البيانات الرسمية تتولى مدائن حاليا إدارة وتشغيل 7 مدن صناعية موزعة على مختلف محافظات السلطنة، وهي صور وصحار وريسوت ونزوى والبريمي والرسيل وسمائل، بالإضافة إلى عبري.
مشاركة :