أثار قرار ترميم تمثال "ديليسبس" ووضعه في بورسعيد موجة من الغضب، في الأوساط الشعبية، فهذا الرجل الاستعماري يُلقي في خواطر وأذهان كل من يقرأ أو يستمع لاسمه تاريخًا صعبًا عاشه أبناء الشعب والآلاف من الفلاحين الذين ضحوا بأرواحهم قبيل حفر قناة السويس وسط طغيانه وقهره حتى فقدوا أعمارهم، وناشد عدد من السياسيين والفنانين التشكيليين والإعلاميين والمحامين والكُتاب وكل فئات الشعب عدم الاستمرار في هذا القرار المُغضب والذي يُعتبر تمجيدًا للاستعمار الذي عاشت مصر في ظله خلال هذه الفترة.وناشد العديد من الفنانين التشكيليين رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي للتدخل في هذا القرار، ويأتي على رأسهم الفنان التشكيلي والناقد عز الدين نجيب قائلًا: "سيادة الرئيس، لن يُرضيك أن تصبح مصر أمثولة لبلد يستحضر ويُخلد رمزًا لجلد أبنائه واستعمار أرضه ونهب ثرواته، في الوقت الذي كنا وما زلنا دعاة التحرر من الاستعمار وإعلاء إرادة الشعوب وامتلاك مصيرها، لهذا ننتظر - بثقة في وطنيتكم - أن تستمعوا إلى أصوات الرافضين لعودة هذا التمثال، متحديًا إرادة الشعب الذي أسقطه منذ ٦٤ عامًا، كما نثق في استجابتكم للمبادرة التي ندعو إليها، بإقامة صرح نحتي يعبر عن معاني استرداد القناة ومضاعفة طاقتها، وعن معاني العزة والكرامة والتضامن الشعبي من خلالها".وتابع الفنان عز الدين نجيب بشأن إعادة وضع تمثال ديليسبس على مدخل القناة ببورسعيد في تصريحاته الخاصة لـ"البوابة نيوز": "شعب بورسعيد أسقط التمثال من على منصته في 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر باعتباره رمزًا من رموز الاستعمار، وما يفعله اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد في الوقت الحالي هو تحدٍ لإرادة الشعب، فكيف يعيد وضع التمثال في مكانه مرة أخرى بعد أن أسقطه الشعب؟!، وهذا يتزامن مع توقيت المتمردين في أمريكا وإسقاطهم التماثيل التي اعتبروها رموزًا للعنصرية والاستبداد، وأسقطوها بالفعل ولم يستطع الرئيس الأمريكي ترامب أن يوقف حركتهم، فهل بعد رؤية ذلك نفعل هنا العكس!!، أي منطق أو شعور بالوطنية؛ هذا فالوقت الذي كنت شخصيًا شاهدًا في شهر أكتوبر الماضي ورئيسًا لمؤتمر أدباء مصر الذي أقيم في بورسعيد، وفي حفل الختام ألقيت أمام وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم ومحافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان، توصيات المؤتمر وجاء من بينها توصية بعدم التفكير في إعادة التمثال إلى قاعدته ووضعه في متحف باعتباره جزءًا من التاريخ، والمحافظ تسلم الرسالة كما تسلمتها وزيرة الثقافة فكان التعبير عن إرادة الأدباء في ذلك اليوم، تأتي الآن بتحديهم كما تحدى إرادة شعب بورسعيد بإعادة التمثال، رغم أن الجميع يعلم من هو ديليسبس".وواصل نجيب: "ديليسبس هو رجل الاستعمار الأول الذي فتح قناة السويس للاحتلال البريطاني عام 1882 بالتواطؤ مع الخديو والانجليز، هذا فضلًا عن أنه أشرف بنفسه على قيام الفلاحين المصريين بحفر القناة بنظام أشبه بالسخرة، وباستخدام الإرهاب والجلد حتى مات منهم أكثر من 120 ألف فلاح خلال عملية الحفر، فكيف يُمكن الآن وضعه كرمز لمشروع وطني ضحت مصر كلها من أجله كل هذه التضحيات، وحتى آخرها تضحيات منذ سنوات حين اكتتف الشعب جميعًا في شق قناة جديدة مُكملة للقناة الأولى".وحول قرار إعادة التمثال، أضاف عز الدين نجيب: "علامة استفهام مجهولة تفتح الباب للتكهنات، وأن هناك صفقة تتم في الظلام لأغراض غير معروفة، فليس طبيعيًا أن يتطوع من نفسه ويفعل ذلك على الرغم من معرفته أن هذا الفعل سيُغضب مصر والشعب المصري، فلا بد من أن يكون هناك ضوء أخضر من جهة تُلوح له ببعض المكاسب، ليس من الضروري أن تكون مكاسب شخصية وإنما ممكن لأي سبب آخر لصالح المدينة أو للخدمات أو لأي شيء فأنا لم أدخل في ضميره حتى أعرف دوافعه، ولو كان حريصا على الشفافية لكان أعلن بالضبط دوافعه من وراء هذا العمل، لكنه التزم الصمت كما التزمت وزيرة الثقافة الصمت فأنا لا أعفيها من المسئولية، لأنها كانت حاضرة في المؤتمر وتسلمت نسخة من توصياته ووافقت عليها".فهذا الفعل إشعار بعدم اعتزازنا بكرامتنا الوطنية، فهو تفريط وإعلان بعدم احترامنا للكرامة الوطنية، فكيف نتوقع نظرة الأجيال القادمة إلينا عندما نُحدثهم عن الكرامة الوطنية ونحن نُفرط فيها بهذا الشكل".
مشاركة :