ورد إلى لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، يقول صاحبه: «لقد مضى رمضان بدون أن نصلي صلاة التراويح والتهجد في المساجد؛ وذلك نظرًا لجائحة كورونا. فهل يجوز أن نصليها في المسجد جماعة في شهر ذي الحجة في العشر الأول منه؟»ولخصت لجنة الفتوى المبادئ العامة للفتوى، وهي: 1-الأصل في العبادات والشعائر أنها لا تكون إلا بنص، 2-صلاة التراويح جماعة لا تكون إلا في ليالي رمضان، 3- إذا عجز الإنسان عن أداء ما كان يفعلهُ من طاعات وعبادات لعذر منعه من أدائها، كُتِبَ لَهُ أجرُ ما كانَ يعملُهُ قبل قيام العذر به.وأوضحت أن الأصل أن الإنسان لا يُكَلَّفُ بعبادة أو شعيرة من قِبَل نفسه اجتهادًا منه، بل لابد فيها من إذن من الشرع، وبنص منه يبيح فعلها، ويبين كيفيتها؛ لأن الأصل في العبادات أنها توقيفية، أي يتوقف الإنسان فيها حتى يأتي البيان والكيفية من الشرع، فلا تثبت بالقياس، ولا بالاجتهاد. والدليل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» رواه البيهقي (4/ 545)، فالأصل في صلاة التراويح أنها سنة عن رسولنا – صلى الله عليه وسلم - تصلى في ليالي رمضان جماعة.اقرأ أيضًا:ما الفرق بين صلاة التراويح وقيام الليل والتهجد .. الأزهر للفتوى يجيبواستدلت بما ورد في الصحيحين من حديث عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: { قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ} .صحيح البخاري(2/ 50).صحيح مسلم (1/ 524). فبين النبي – صلى الله عليه وسلم أن عدم استمراره على صلاة التراويح هو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –فتثبت سنيتها.لذلك رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يُوسُفَ القاضي الحنفي – رحمه الله - قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ التَّرَاوِيحِ، وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ؟ فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَمْ يَتَخَرَّصْهُ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إِلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الاختيار لتعليل المختار (1/ 68).وواصلت: فإن كان الإنسان مواظبًا على أدائها في المساجد كل عام، وحيل بينه وبين صلاتها في المسجد هذا العام جائحة كورونا، فصلاها في البيت مع أهل بيته، فقد حصل على ثوابها، وصدق فيه قوله – صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ} متفق عليه صحيح البخاري (1/ 16)، صحيح مسلم (1/ 523).وأكملت: بل كُتِبَ لك أجر فعلها في المساجد؛ لأن الأجر يكتب للعبد مادام حيل بينه وبين فعل الطاعة حال خارج على إطار قدرته، ففي البخاري من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: { إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا}. صحيح البخاري (4/ 57).اقرأ أيضًا:قيام الليل كم ركعة ومتى ينتهي؟ .. وأفضل وقت للصلاة فيهوأفادت بأن صلاة التراويح لا يقتصر أداؤها على المساجد، وإن كان فعلها في المساجد جماعة أفضل إلا لعذر، بل استحب بعض العلماء صلاتها في البيت؛ لأنه أبعد عن الرياء؛ ولقوله – صلى الله – عليه وسلم-: «فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ» متفق عليه. صحيح البخاري (8/ 28)، صحيح مسلم (1/ 539).ونبهت على أنه لا يجوز صلاة التراويح في غير رمضان جماعة بأن يجتمع لها الناس كما هو الحال في رمضان، بل فعلها في غير رمضان يدخل في البدع المستحدثة التي تندرج تحت قوله -صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه. صحيح البخاري (3/ 184)، صحيح مسلم (3/ 1343).وأكملت: أما قيام الليل والتهجد فهو سنة طوال العام لمن قدر عليه يصليه منفردًا، فقد ورد في فضله نصوص الكتاب والسنة، قال -تعالى -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، وقوله: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» [السجدة: 16]، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: «وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ» رواه مسلم.اقرأ أيضًا: معنى قيام الليل الوارد في أول سورة المزمل وآخرهاواستطردت: وإن صلاه-أي قيام الليل - وقام معه يصلي بصلاته أحد أفراد أسرته فلا مانع من ذلك شرعًا. ويستدل على الجواز بما رواه مسلم من حديث حُذَيْفَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» صحيح مسلم (1/ 536).واختتمت: «أما أن يجتمع الناس للتهجد في المساجد خلف إمام في غير رمضان على المواظبة فلم يقل به أحد من أهل العلم».
مشاركة :