ماجد كيالي يكتب: خيارات التغيير السياسي الفلسطيني

  • 7/16/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعد الجدل بين الفلسطينيين، مجدداً، من حول البديل السياسي المطلوب، أو المرتجى، وذلك على خلفية تنامي شعورهم بالإحباط والعجز وغياب الأفق في محاولتهم مواجهة التحديات أو المخاطر الناجمة عن السياسات التي تنتهجها إسرائيل، مسنودة من الولايات المتحدة الأمريكية، سيما على خلفية سعيها لمواجهة خطتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (“صفقة القرن”)، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (ضم أجزاء من الضفة الغربية).المشكلة أن ذلك الشعور (الإحباط والعجز وغياب الأفق) يفاقم منه مسألتين، الأولى، نتاج تجربة تفيد بعدم الثقة بالإجراءات التي تقوم بها القيادة الفلسطينية لتحصين الوضع الفلسطيني، إذ إنها لم تفعل ذلك قبلا، فهي لم تهيء ذاتها، ولا شعبها، لمواجهة هكذا اختبار تاريخي، بل إنها ظلت عاما تلو العام تؤجل استحقاقات كثرة، ضمنها، مثلا، إعادة بناء منظمة التحرير على أسس تمثيلية ووطنية وانتخابية لتفعيلها وتعزيز دورها، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة، ووقف العمل وفقا لاتفاق أوسلو، وملحقاته الأمنية والاقتصادية، رغم أن هذا الاتفاق دفنته إسرائيل منذ عقدين، في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000). والثانية، نتاج شعور عام عند الفلسطينيين بوهن وفوات البنى السياسية الجمعية، التي باتت متآكلة ومتقادمة، سيما أن الحركتين الرئيستين، أي فتح وحماس، باتت كل واحدة منهما بمثابة سلطة في إقليمها، حيث فتح سلطة في الضفة، وحماس سلطة في غزة، وهاتان السلطتان تشتغلان ضد بعضهما، أو تستنزفان بعضهما، أكثر مما تستغلا لتعزيز صمود الفلسطينيين، في مواجهتهم للسياسات والتحديات الإسرائيلية. ومعلوم أن تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة أدى، أيضا، إلى تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، وإضعاف مكانتها ككيان سياسي للشعب الفلسطيني، وكممثل شرعي وحيد له وكمعبر عن قضيته.على ذلك يبدو من المفيد حث التفكير بكيفية إحداث تغيير سياسي فلسطيني في البني والكيانات الجمعية (أي المنظمة والسلطة والفصائل)، مع التأكيد بأن هذا التغيير يفترض أن يشمل، وبالتوازي) الرؤى والخيارات السياسية، فهذا هو معنى التغيير السياسي الحقيقي.وكمساهمة في هذه النقاش يمكن طرح عدة طرق للسير في عملية التغيير السياسي الداخلي، التي طال أمدها، ربما أهمها يكمن في الآتي:أولا، اعتماد طريقة المحاصصة الفصائلية (الكوتا) في صياغة بنى ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الطريقة التي تم اعتمادها منذ دخول الفصائل إلى المنظمة (1968)، وفق منطق ما يسمى “الشرعية الثورية”، والتي تفترض إخضاع العملية الانتخابية فيها إلى المحاصصة الفصائلية. بيد أن تلك الطريقة تعني صراحة إعادة إنتاج الواقع القائم، والالتفاف على عملية التغيير، أو إحداث مجرد تغيير شكلي، لا أكثر، علما أن مفهوم “الشرعية الثورية” أكل عليها الدهر وشرب، إذ أن تلك الفصائل لم تعد موجودة، كما في السابق، ومعظمها لم يعد له تلك المكانة عند شعبه، ولا ذلك الدور في مواجهة إسرائيل، والمعنى أن هذا الخيار هو يرسخ هيمنة الطبقة السياسية السائدة، لا أكثر.ثانيا، ثمة خيار يتمثل بالذهاب نحو حوار وطني جديد، تنخرط فيه الفصائل وشخصيات من المستقلين، لتخليق “إطار قيادي مؤقت”، يدير مرحلة انتقالية، وهو أمر تم الاتفاق عليه سابقا، ولكن لم يجر تفعيله، بحكم تخلي الفصيلين الكبيرين “فتح” و”حماس” عن التوافقات العديدة التي جرى التوقيع عليها في القاهرة والدوحة ومكة وصنعاء وموسكو وغزة، وبحكم إصرار كل واحد منهما على الاحتفاظ بمكانته في السلطة، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة. ويستنتج من ذلك أن استحضار هكذا خيار مجددا، كما أوحى مؤخرا المؤتمر الصحفي للقياديين في فتح وحماس (الرجوب والعاروري) لا يفيد إلا بتقاسم الشراكة والنفوذ والمكانة بين الحركتين الكبيرتين في المجال الفلسطيني.ثالثا، ثمة الخيار الثالث، الذي لوح به مؤخرا عباس زكي عضو اللجنة المركزية لفتح، في استعادته لشعار قديم لفتح هو: “اللقاء في أرض المعركة”، في تلويحه إلى نوع من التوحد التدريجي العملي، في سياق المواجهة المشتركة للتحديات القائمة، إلا أن هذا الطريق لا يضمن النتيجة المرجوة، ناهيك عن اختلاف الزمن بين أواخر الستينات وعقد السبعينات، وبين المرحلة الراهنة حيث ثمة سلطتان، لا ترضى أي منهما بالتنازل للأخرى، لا “فتح” تتنازل لـ”حماس”، ولا الثانية تتنازل للأولى، هذا إضافة إلى اختلاف الحركتين في تحديد معنى المعركة وحدودها.رابعا، يبقى الطريق الرابع، وهو طريق صعب ومعقد، ويتطلب توفر وضع فلسطيني مناسب، ووضع عربي ودولي ملائم، وهو يقضي بإتاحة تنظيم انتخابات عامة للمجلس الوطني الفلسطيني، كبرلمان عام لكل الفلسطينيين، باعتبار ذلك بمثابة المدخل لإعادة بناء البيت الفلسطيني، أي منظمة التحرير، بوصفها الإطار الوطني الجامع لكل الفلسطينيين، دون استثناء أي تجمع، وهو خيار يعيد القضية والتقرير بالخيارات السياسية للشعب. ومع أن هذا الطريق أصعب من الطرق الأخرى إلا أنه الطريق الأنسب والأجدى لإحداث تغيير سياسي حقيقي، في حين أن الطرق الثلاثة الأولى لا تفيد إلا ببقاء القديم، أو إعادة تدوير الكيانات السائدة، ما يعني إبقاء الحالة الفلسطينية على حالها من الفوات والتكلس والشيخوخة.لا يوجد طريق سالك للتغيير السياسي في حال بقي القديم على حاله، ولا يوجد تغيير سياسي في حال لم تتغير الرؤى والخيارات السياسية، بحيث تتم استعادة الرواية الفلسطينية، المتأسسة على النكبة (1948) والتي تنطلق من التطابق بين الشعب والأرض والقضية، واستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني.

مشاركة :