أدباء ونقاد: «أدب العزلة» يتطلب استعدادا قبليا يسمح للمبدع بإنتاج أعمال أدبية خالدة

  • 7/15/2020
  • 23:40
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

«أدب العزلة».. ذلك الضوء الجميل المنبثق بين حنايا العتمة، وإن سلمنا ألّا أدب دون عزلة، إلا أن أزمة «كورونا» التي مازالت تلقي بظلالها على الفضاء الاجتماعي العام، كانت أحرى من أي وقت آخر بشيوع هذا النوع الإبداعي. ولكن الملاحظ ورغم ما أطلقته وزارة الثقافة من مبادرات تعنى بهذا الجانب؛ قلة أو ندرة نتاج زمرة المثقفين والأدباء خلال هذه الأزمة وكأنهم بـ»معزل» عن الإبداع الأدبي و»تباعد» عن النسيج الثقافي الذي يفترض أن يكونوا جزءًا لا يتجزأ منه.«حكم مبكر»الناقد الأدبي الدكتور خالد الدخيل، أكد أنه من المبكر الحكم على ما قدم الأدباء في عهد جائحة كورونا أو عنها، مشيرًا إلى أنها -حتمًا- لن تمضي بدون نتاج أدبي يؤرخ لها أو يصفها «لأن الأدب لا بد أن يستوعب هذه الفترة التي تؤثر في الإنسان اجتماعيًا ونفسيًا، وبها يعيش الأدب ويتفاعل الأديب». وأضاف متسائلًا: «هل فعلًا يعيش الأديب في عزلة بسبب جائحة كورونا؟»، مجيبًا: «لا أظن ذلك، لأن العزلة بمفهومها المعروف هو الانقطاع التام عن الناس، والانفراد بالنفس، وهذا غير موجود فترة هذه الجائحة؛ فالانقطاع ليس تامًا، إذ يعيش الفرد بين الناس في وسائل التواصل وعن طريق الهواتف وغيرها من الوسائل التي تربطه بالناس وتلزمه بالتفاعل معهم، ولهذا علينا أن ندقق النظر فيما أنتجه الأديب بعد الجائحة كما هو متوقع ونضعه في سياقه المناسب، لا أن نفترض أنه سينتج أدب العزلة».«أدب متكلف»من جهته أوضح الدكتور خالد الغامدي -أستاذ اللسانيات الثقافية بجامعة الطائف- بأن العزلة لا تعد دافعًا كافيًا للإبداع، حيث من الضروري توفر دافع فكري وعاطفي لتأتي بعدها العزلة لتشكّل إثارة وتهيئة تصل بالدافع إلى المستوى الذي تتم فيه عملية توليد النص. وقال: «حين نصف موقف الأدباء والمبدعين بأنه غياب فإننا نتوقع ضمنًا تقديم أعمال من قِبَل الكتّاب الذين خوطبوا بمبادرة أدب العزلة، والحقيقة أن العمل الإبداعي ليس استجابة مباشرة لطلب أو إعلان من أي جهة، وإلا كان نصًا خدماتيًا لا يستحق أن يوصف بالنص الأدبي فضلًا عن النص الإبداعي». وأكمل: «إن كلمة العزلة إذا طبقناها على واقعنا الآن لا نجد لها مضمونها العرفي المعتاد، فمع التواصل الإلكتروني على اختلاف وسائله لا يشعر الناس بالعزلة أصلًا، فيصبح الحديث عن «أدب العزلة» حديثًا بعيدًا في الفكر والشعور».وأضاف الغامدي: «الكتابة استجابة، والعزلة في ذاتها لا أظنها دافعًا كافيًا للكتابة إلا من حيث كونها ظرفًا مهيِّئًا للتنفيس، أو لعلها عنصر مزدوج يجمع بين التغذية والتهيئة؛ فلابد من توفر دافع فكري وعاطفي سابق». وذهب الغامدي إلى أن العزلة التي نعيشها الآن مع كورونا لم تُنتج ما كان البعض ينتظره من إبداع «فهي إذن عزلة مزيفة، فالناس يتواصلون فيما بينهم صوتًا وصورة، كما أنهم يستنفدون مخزونهم الفكري والعاطفي عبر الثرثرة اليومية في وسائل التواصل، فهذا الواقع اللغوي الجديد لم يُبقِ مجالًا لضرب من أدب العزلة، وإن وُجِد فسيكون أدبًا مناسباتيًا لا قيمة له في ميزان النقد».وبيّن الغامدي بأن العزلة قد تكون اختيارية وقد تكون إجبارية، «فالاختيارية قد تكون في شكل «انسحاب» إما كامل كما في نصوص حمزة شحاتة المتأخرة «رسائله إلى ابنته شيرين»، وإما نسبي تتم فيه إعادة هيكلة، لبناء تموضعٍ جديد في المجتمع، كما في نصوص المعري التأملية والناقدة للعقل الجمعي من وجهة رؤيته هو. وقد تكون في شكل «تأسيس رؤية» لكشف غَيْهب، كما في المنقذ من الضلال للغزالي الذي استوحاه فيما بعد ديكارت في مقالة في المنهج، وكما في فتوحات ابن عربي وهو مجاور بالحرم المكي، بقطع النظر عن تقييم هذه المناهج والرؤى منطقيًا وروحيًا. أما العزلة الإجبارية قد تكون لمصلحة فرضتها «كارثة طبيعية»، كما وقع لأبي تمام وهو في طريقه إلى بغداد راجعًا من خراسان، فقطع طريقه هبوط الثلج، فبقي مضطرًا في بيت أبي الوفاء بن سلمة، وكانت فرصة للتسلي بخزانة كتب المضيِّف مدة انتظار ذوبان الثلج، فكانت النتيجة أن كسب الأدب العربي رائعته «الحماسة»، أو «وباء عام» كالكوليرا التي هيأت لنازك كتابة نصها الشهير، أو «وباء خاص» كالفالج الذي حبس الجاحظ في بيته ونتج عنه رائعته الكبرى الحيوان».واختتم أستاذ اللسانيات الثقافية حديثه بالقول: «قصدتُ بهذا التقسيم والعرض التوضيحَ -ولو بالإشارة- إلى وجود دوافع نفسية قبْلية كامنة، لا تقوم العزلة معها إلا بوظيفة المثير الإضافي الذي يقدح الشرارة في كومة الحطب الجاهزة للاشتعال، أما مجرد عزلة شكلية عارضة، لمصلحة عامة، والجميع يتواصلون على الشبكة -كما حصل مع كورونا- وليس تحتها مخزون فكري أو عاطفي سابق، فليست دافعًا كافيًا لإنتاج نصوص أدبية جميلة فضلا عن أعمال إبداعية خالدة تؤرخ لعصر وتعبّر عن تجارب إنسانية كبرى».وأشار الدكتور خالد عمر الرديعان -أستاذ مشارك علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- إلى أن المجتمع لا يزال في معمعة أزمة الجائحة، وهو ما يعني أن المعركة لم تنتهِ بعد، حتى يكون هناك مجال لعمل جرد كامل لحساب الغنائم والخسائر». وأضاف: «نحن الآن أشبه بمن يقف على مسافة قريبة جدًا من اللوحة الفنية الأمر الذي يحد من استيعابنا لمدلولها العام، حيث لابد أن نبتعد عنها مسافة لا تقل عن مترين حتى نراها عن بُعد كاف لكي يأتي حكمنا أكثر دقة، وبزيادة المسافة قليلًا دون إسراف فإن فكرة اللوحة ستكون أكثر وضوحًا، بل وسيصبح لدينا قدرة أكبر على استيعاب تفاصيلها الصغيرة وبلورتها في فكرة مركزية». واستطرد: «الأحداث الكبرى، لا يمكن بالطبع الكتابة عنها وهي في طور التشكّل، لابد من مرور فترة كافية لكي نستوعب هذا الحدث المزلزل الذي هز العالم أجمع».وقال الرديعان: «كل ما يكتب أو يقال عن -كورونا- لا يعدو أن يكون أخبارًا من قبيل أُصيب عدد كذا ونجا عدد كذا ويلزم عمل كذا وكذا للنجاة من الفايروس، أما إذا كان الحديث عن أدب ورواية وتحليل اجتماعي وفلسفي فهذا لن نراه قبل مرور عدة سنوات. صحيح أن الأكثرية منا كانوا في عزلة، وهي العزلة التي يفترض أن تنتج أدبًا ورؤى فيما يجري حولنا، لكننا لسنا في «وضع طبيعي»، لكي ننظر ونحلل بما فيه الكفاية، نحن لا نزال في مرحلة الصدمة القوية وبحاجة إلى وقت كافٍ للتعبير عنها، حتى يأتي حكمنا صادقًا ومعبّرًا بل ومتبلورًا بصورة تسمح برؤيته. ووصف العزلة التي نعيشها هي أشبه بـ»عزلة المريض» الذي لا يبحث إلا عن فرصة الشفاء»، مشددًا على أن الجو العام لا يساعد كثيرًا على التأمل والكتابة رغم الخلوة التي أتاحتها هذه الجائحة.وتحدث الرديعان عن تجربته الشخصية الذي وصفها بالصعبة، عندما علق في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر مارس الماضي ليتنقل من ولاية إلى أخرى حتى وصل إلى المملكة، وقال: «فكرت كثيرًا بتدوين هذه التجربة في كتاب، لكني لم أستطع حتى اللحظة وذلك لتوالي الحدث وعدم انقطاعه، كنا أكثر من مئة (عالق)، ولكلٍ قصته وكيف أصبح عالقًا، وهي قصص صغيرة قابلة للكتابة، لكني كما ذكرت احتاج إلى وقت لتدوين كل شيء واستخلاص نتيجته في عمل قد يدخل ضمن علم الاجتماع تخصصي الرئيسي».«مرحلة الصدمة»< Previous PageNext Page >

مشاركة :