يشهد قادة القطاع المصرفي العالمي حماسا متزايدا نحو استخدام ميزانيات البنوك المركزية لتحقيق أهداف السياسات الخضراءتحمي البنوك المركزية الحديثة استقلاليتها عن الجهات الأخرى بغيرة شديدة ما لم يكن الأمر يتعلق بحماية البيئة. وفي الفترة الحالية يشهد قادة القطاع المصرفي العالمي حماسًا متزايدًا نحو استخدام ميزانيات البنوك المركزية لتحقيق أهداف السياسات الخضراء (الصديقة للبيئة).وفي هذا الصدد، قالت كريستين لاغارد Christine Lagarde رئيسة البنك المركزي الأوروبي لصحيفة فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي إنها تريد من البنك المركزي الأوروبي الذي ترأسه «أن ينظر في جميع خطوط الأعمال والعمليات التي ينخرط فيها من أجل معالجة تغيّر المناخ».ويمكن أن يشمل ذلك تحويل مشتريات سندات البنك المركزي الأوروبي في إطار برامج التيسير الكمي كيو إي (QE) لصالح الديون الصادرة عن الشركات السليمة بيئيًا.واقترح محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي Andrew Bailey هذا الشهر أن البنك قد يراعي المخاوف الخضراء بشكل أكبر في برنامج التيسير الكمي الخاص بمحفظة سندات الشركات الخاصة به.إن جاذبية البنوك المركزية لتشجيع ناشطي المناخ واضحة، كما أن البنوك المركزية من بين أقوى المؤسسات الاقتصادية التي يمكنها إحداث تغيير، مع سيولة نقدية كبيرة تتحكم بها، وأقل قدر من المساءلة أمام الناخبين، الذين غالبًا ما يشككون في الحماقات الخضراء باهظة الثمن التي تهتم بالحفاظ على البيئة.على الجانب الآخر، يخشى أنصار البيئة أنه مع تعمّق البنوك المركزية في أسواق ديون الشركات، فإن السلطات النقدية قد تميل لصالح دعم شركات الوقود الأحفوري. وتصدر شركات الطاقة التقليدية كميات كبيرة من الديون المتداولة على نطاق واسع للمصارف المركزية، حتى تتمكّن من الشراء في السوق الثانوية، كما يكون لديهم أيضًا التصنيف الائتماني المطلوب ليكونوا مؤهّلين للشراء، لكن شركات التكنولوجيا الخضراء غالبًا ما تفتقر للأمرين.وهذا الافتقار يكون بمثابة حجة كبيرة للبنوك المركزية لعدم شراء أي ديون للشركات الخضراء، ولكن بدلًا من ذلك يريد المسؤولون بشكل متزايد إمالة الميزان في الاتجاه الآخر نحو شركات التكنولوجيا الخضراء.ويمكن ترجمة ذلك التوجه البيئي بتحويل الأمر إلى التزام بتخصيص نسبة معينة من مشتريات التسهيل الكمي لشركات التكنولوجيا الخضراء، وربما يمكن أن يكون ذلك مصحوبًا بتخفيف المعايير لجعل المزيد من السندات الخضراء مؤهلة.وهذا سوف يلقى استحسان الناشطين في مجال البيئة فيما يخص عمل محافظي البنوك المركزية وفي العديد من وسائل الإعلام كذلك. لكن التكاليف ستكون باهظة، والأكبر من ذلك أنه سيشكّل ضربة لاستقلال البنك المركزي.لقد قوّضت لاغارد وبيلي وأقرانهم العالميون في البنوك المركزية استقلالية مؤسساتهم التي حصلوا عليها بصعوبة بالفعل بعد إصدار برامج التسهيلات الكمية الحالية، وكلما أصبحت البنوك المركزية أكثر انخراطًا في التسعير وتخصيص رأس المال، زاد تعرضها للضغوط السياسية، خاصة إذا اعتقد بعض القادة أو غيرهم أن البنوك المركزية تسير في الطريق الخاطئ.وتواجه لاغارد انتقادات بأن سياساتها الخاصة بالوباء كانت بمثابة «إعانة لدين الحكومة الإيطالية». ويخوض رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول Jerome Powell معركة مع وزارة الخزانة بشأن التنفيذ الفاشل لبرنامج إقراض الشركات.لذا فإن تبنّي أهداف ائتمانية قائمة على المتطلبات الصناعية سيفتح الباب أمام انتقادات جديدة بلا نهاية أمام المطالب السياسية. وإذا كانت البنوك المركزية تدعم الائتمان لشركات الطاقة المتجددة، ألا يجب عليها أيضًا استبعاد مصنعي الأسلحة والطاقة النووية من التيسير الكمي؟.أيضًا، كان من الأفضل أن تكون لاغارد وبيلي مستعدين للقصف الذي سيتعرضون له عندما تفلس بعض مشتريات السندات الخضراء الخاصة بهم.ختامًا، يمكن القول إن المصرفيين المركزيين يواجهون بالفعل تحديات في استقلالهم عن المحاكم الألمانية والرد على تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تويتر. وسبب سعيهم لدخول تحدٍّ آخر الآن يُعدّ لغزًا.
مشاركة :