إلياس فركوح.. الروائي صاحب السرد الأنيق

  • 7/17/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عمّان: «الخليج» ودّع مثقفون أردنيون وعرب الكاتب الكبير إلياس فركوح، مؤكدين قيمته الكبيرة المتمثلة في مؤلفاته على صعيد القصة والرواية والترجمة، فضلاً عن دوره اللافت في النشر.وأكد د. باسم الطويسي وزير الثقافة الأردني أن فركوح كان مثالاً بارزاً على الأديب المنسجم مع قناعاته الفكرية، وقال في بيان حكومي: «فقدنا قامة كبيرة في الحركة الثقافية، وستبقى سيرة الراحل في المشهد الثقافي، وسيظل دوره المؤثر في إغناء المكتبة العربية».وشارك الطويسي في تشييع فركوح، أمس الخميس، مؤكداً أن الراحل «فقيد وطن». وقدّم بحضور كتّاب ومثقفين العزاء لعائلة فركوح باسم الحكومة، وقال: «إن للراحل فضلاً على جيل كامل من المبدعين ولن يغادر وجدان القارئ العربي»توالت رسائل النعي من مسؤولين ومثقفين على المستوى العربي، فيما أكدت رابطة الكتاب الأردنيين أهمية فركوح التي وضعته في مصافّ مقدمة المبدعين.وبرحيل فركوح المولود في عمّان عام 1948 يتوقف نبض أحد أبرز الأسماء الإبداعية ليس بسبب حضوره الريادي والتنويري في طرح رؤى فكرية وثقافية ضمن إصداراته الأدبية والمقالات في العديد من الدوريات والصحف العربية، ولكن أيضاً لثراء الآراء الفلسفية في المؤتمرات والملتقيات كان آخرها خلال الاحتفاء بتجربته في مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية قبل شهور.بدأ فركوح كتابة القصة عام 1968 للخروج من ردود فعل آثار «النكسة»، ولذلك حملت محاولته الأولى عنوان «الرجال يبكون أيضاً»، ولأنها لم تُنشر قرر التوقف لخمس سنوات عن الكتابة القصصية وانهمك في اكتساب المعرفة للمضي بعيداً عن وجه الهزيمة.ذهب إلياس الحاصل على البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس إلى محاولة ثانية بعنوان «طائران»، لكنه لم يكن راضياً عن مكوناتها من الناحية التقنية للكتابة حتى ظهر عام 1976 إصداره «الطين» في تجربة عدّها «ناضجة» مقارنة بما سبقها.عُرف إلياس المعروف بانكبابه على القراءة الأدبية ولغته المحكمة، فضلاً عن مزج تجاربه الشخصية مع دراسته الفلسفية في مجموعتيه «الصفعة» عام 1978 و«طيور عمّان تحلق منخفضة» عام 1981، ويجد فيهما القارئ حرص الكاتب على نقل دقيق وتفصيلي لصراعات إنسانية يمكنها أن تتماهى معه. شك الباحث فركوح ورغم حضوره الذي أخذ مكانة أوسع عربياً حينها ظل تلك الفترة يمارس شك المثقف الباحث عن مغامرة مختلفة وجديدة وإن كانت غير سائدة، لذلك يؤكد في لقاءات وتحقيقات صحفية سابقة إحداها نُشرت في «الخليج» أن مرحلة الثمانينات شهدت تحوّلاً في مساره الإبداعي بعدما قرر الكتابة عن العمق، وليس الاكتفاء بسرد تفاصيل يثير التساؤلات المحفزة على التفكير.القصة عند فركوح تحوّلت من حدث صغير غارق بمواقف كثيرة ورؤى مكثفة إلى حالة صغيرة تختزن حياة كاملة وفق رؤيته الخاصة يقول في تعبير موجز عن تلك الفترة: «الكتابة يجب أن تكون فعلاً مقصوداً وليس مجرد صدفة أو حصيلة مواقف وإذا لم تأت بجديد فهي تتحول إلى صور وأشباه ولا تكون أصلية».مرحلة الرواية عند فركوح اتسمت بالاهتمام الشديد باللغة حتى أن الناقد فيصل دراج وصفه ب«صاحب المقام اللغوي الخاص»، وذكر نقاد أن فركوح ابتعد تماماً عن التقليدي والمطروق إلى المفاجأة وتجديدها كل مرة. يصف الناقد العراقي طراد الكبيسي رواية فركوح «أعمدة الغبار» بأنها «رواية الأناقة في الأسلوب واللغة ». بوصلة للاستنارة أصدر فركوح : «قامات الزبد» و«من يحرث البحر» و«ميراث الأخير» و«الكتابة عن التخوم» و«أسرار ساعة الرمل» و«الملائكة في العراء» و«غريق المرايا» و«الكتابة علامة سؤال» و«بيان الوعي المستريب»، وفي الكتاب الأخير تناول العلاقة بين المثقف والسياسي فيما ترشحت «أرض اليمبوس» للقائمة القصيرة ضمن الدورة الأولى لجائزة البوكر العربية عام 2008 وكانت نالت جائزة تيسير السبول للرواية في عمّان.حصلت مجموعته القصصة «إحدى وعشرون طلقة للنبي» عام 1982 على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين، وحصدت المجموعة القصصية «شتاءات تحت السقف» نقاشات متفاوتة قبل حصده جائزة الدولة التقديرية في الأردن.في سجلّه الأدبي تأسيس دار أزمنة للنشر والتوزيع عام 1992 والتي أطلقت كتباً لأهم الأسماء العربية وأخرى لمثقفين شباب، وهو من مؤسسي اتحاد الناشرين الأردنيين وعضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وعضو هيئة إدارية لدورات عدة في رابطة الكتاب الأردنيين. صدق مع النفس يقول فركوح في شهادة سابقة عن نفسه: «أتساءل وبصدق نسبي إذا ما كنت بعد رحلة الكتابة الفعلية قد عثرت على ما أريد أم ثمة خطأ في الاختيار، ثم يخطر لي أن أتخيّل نفسي أي شخص سأكون إن لم أكن ما أنا عليه الآن فلا أجد إلاّ بياضاً بمقدور كل الناس سواي أن يملؤوه، فأنا الأضعف ربما».فور رحيله استذكر مثقفون ومسؤولون عاصروه مودته للجميع وحرصه على الإنصات أكثر من الرد حتى أن صديقه الروائي الراحل مؤنس الرزاز قال له مرة: «أنت مستمع جيد».في رثائه كتب الناقد اللبناني شربل داغر: «لأول مرة في صداقتنا الممتدة منذ ما يقرب من أربعين عاماً تخلفت أيها النفيس عن موعد معي وعما التزمت به، لم ترسل غلاف كتابنا الجديد المعد للإصدار عن دارك النشرية». رسالة وداع قبل أسبوع من رحيله وتحديداً الخميس قبل الماضي كتب فركوح على صفحته الإلكترونية ما يشبه رسالة وداع أخيرة قال فيها: «أمشي في هواء الصباح النقي لتنشيط الدورة الدموية في شوارع نظيفة من عوادم السيارات.. أمرُّ بزهرة عباد الشمس ألتفت إليها يساراً لترميني بأصفرها الباذخ وهمسها السري: صباحك خير يا صديق!.. فأفرح. هذا خميسُ أمل».

مشاركة :