أزمة إنسانية خانقة .. لمَ نعيشها؟

  • 7/17/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تتجه الأنظمة العالمية اليوم للخروج من أزمتها الصحية، عبر الإجابة على سؤال: "ما الطبيعة؟ "إذ نعطف التاريخ الإنساني السياسي بأكثر من نموذج Paradigme: فرض النموذج اللاهوتي نفسه بين القرنين ١٦ و١٧، بعد ذلك فك العزلة مع الدين نحو الأخلاق في استرجاع للفلسفة المثالية (قرن ١٨)، تلاه مباشرة نمودج الدولة السيادية الحارسة "الدولة - الأمة -الحزب"، إلى جانب النظام الليبيرالي وما سمح به من حرية محققة للفرد بعد صراع أزلي للحصول عليها، أما الإمكانية التي تفرضها أزمة كورونا فهي نمودج "البيىئة - الحرية - الثقافة"، من دون شك لاسيما بعد إعادة صياغة التساؤولات الكانطية بصيغة العصر، فعوض اليوم طرح السؤال الكلاسيكي: "ما الإنسان؟"، اتخدت الفلسفة لبوسا مخضرا عبر سؤال: "ما الطبيعة" متخلية بذلك عن تقليدها الماهوي، انفصال مؤلم  يجد شرعيته في الحفاظ على البقاء من خلال الطبيعة وليس دونها.  تحذو السياسة حذوها في نفس الإتجاه، حيث صارت الدول فجأة تبحث عن فرصة تشكيل "حكمة بيئية سياسية"، تجمع بين فن الممكن وقوانين الطبيعة التي جعلت الإنسان الأول يفر من حالة الطبيعة نحو التعاقد مخافة الوقوع ضحية الغضب الطبيعي الوشيك: "الكوارث الطبيعية"، تقتضي الحكمة السياسية إجابة منهجية تربط معدلات النمو بالرفاهية، بينما تحاكي نظيرتها قدرة النظام السياسي على التعامل مع العلة  العاطفية للبشرية؛ بلغة إدغار موران "الإنسان العاقل المعتوه"، ذلك العبد الحذيث للإستهلاك وليد النظام الرأسمالي المصنع.  في خضم هذا الوضع يطالب باتريك فيفري الإشتراكيين الأوروبيين إعادة النظر مرة أخرى في المسألة الإجتماعية، في طريق للربط بين الذكاء والإنفعالات، نفس الشيء يقترحه فيلكس غيتاري تحت مسمى: "تناول الحكمة من منظور بيئي"، قياسا على ذلك يلمع نور جون جاك روسو كمنظر لحياة الضروريات دون الكماليات، وتعود من جديد أفكار الفلسفة الرومانية على يد مشيل اونفري تحت لواء فن العيش ببساطة والتحرر من الشره الذي تخصبه الإشهارات والإعلانات المنشرة بكل مكان، بالشارع، بالبيت، بالمشفى حتى.   لعل الأزمة النظامية التي يعيشها العالم ليست غريبة على الوعي الإنساني، إنما هي مجرد تحصيل حاصل لزواج كاثوليكي طال بين مفهومي: "الإفراط وسوء العيش"، حيث الأول معلول التاني، فالإفراط يعكس المغالاة" l’ubris   حسب اليونانيين القدماء، وهو جوهر التفاوتات الطبقية التي تغذي الحقد الدفين بين من يملك ومن لا يملك ومن يريد أن يملك، خاصة إذا طرحت في ساحة نظام شمولي ينطلق من طبقة كادحة أشد كدحا نحو مقابلتها البرجوازية الأشد رفاها، في هذه الحالة يكون البنيان السياسي آيل للسقوط لا محال؛ إذ تقوض الإحتجاجات داخله بشرعية الحاجة لعدالة إجتماعية.   سوء العيش يجد مصدره على نحو مستمر في المزج بين الإقتصاد المالي المشفر،  والإقتصاد الحقيقي الذي يفضي للحرمان، مما يجد مبررا لإستغلال الطبيعة والصراع معها مرة أخرى في زمن آخر، كردة فعل طبيعية على الإستغلال البيئي يكشر خطر ثالت على أنيابه: "فناء البشرية."  على نطاق أوسع من ذي قبل لفهم الأزمة النظامية يجدر التعاطي مع الطابع العرضي للإفراط "الإستهلاك"، وربطه بسوء العيش وبضرورة فلسفة بيئوية سياسية، تعطي الفرصة لتوازن بين المتوازي في الكبر والمتوازي في الصغر، فالإستهلاك لن ينتج إلا مجتمعات إستهلاكية تحارب من ثلاث جبهات فقط: "الذات - الطبيعة - الغير"، هذه بكل بساطة هي مجتمعات السلوان ذات البعد البرتريكي.    المواجهة بين الضرورات والكماليات، تطرح عنفا سياسيا تبرره الأيديولوجيا والأسطورة حينا آخر، خاصة  في عز موجة الإشهار الحالمة الحاذة، ومقارنات نسق شرق غرب، بين مجتمعات لا  تجد حتى الماء للشرب ومجتمعات أخرى تبشر بنعيم مفقود، البحث عن المواد الأولية، وحشية الرأسمال، ووصفات الربح المالي جعل أكثر من دولة جيوستتراتيجية في مأزق الأمن، والخصومات المعتقدية لأسبقية الحيازة والعيش برفاه بناءً على نصوص مقدسة ومعطيات لاهوتية تعزز سلطة رمزية للصراع.   ناقش الكلبيون العيش  بالإكتفاء على  الخبز والماء فقط، والتأمل أكثر أي العيش بقناعة، لا لشيء سوى تحقيق مفهوم الإنسان دون المستهلك، ما يسمى اليوم "إقتصاديات العيش السعيد"،  أما كبديل للخوف والملل يسترجع أندري كونت سبونفيل وجهة نظر سبينوزا في التمني أقل لألم أقل، حيث لا شيء يستحق البكاء ولا شيء يستحق الضحك كل شيء يستحق الفهم، هنا تفرض الحكمة وجودها لما تقتضيه من احتضان للإنسانية دونما الهروب منها لأي سبب من الأسباب، في سؤال عن السلعنة وأين تجد مرتعها، يكون الجواب مباشرة الهروب من الإنسانية، هو بالذات ما نعيشه وما أخضعنا لأزمة تبشر بسقوط حقبة الحداثة في هذا الصدد يرد ماكس فيبر هذا الإنهيار بالإنتقال من اقتصاد الخلاص، إلى الخلاص من لإقتصاد، أما النهاية فإن عنت شيئا فلن تكون إلا نعكاسا لوعود لم يفِ بها.   لا يجذر بالمطلق قتل الحداثة بجرم مشهود بل يجب الإبقاء على سيماتها: كالتحرر النسوي وحقوق الإنسان، والشك المنهجي، لبناء مواطنة مشتركة تفك أسر الإنسان بالسلعنة "التشييئ"، ما يخلق مصيرا لا يعتز إلا بالصراع الحضاري دونما سواه ...الأمر مريب للغاية!    الخيار الوحيد المتبقي هو الحوار بدل المواجهة، المحاور والمحاور لن يكون إلا إنسانا عاقلا  عاقلا يطرح السؤال قبل أن يوجه سلاحه الناري في وجه غيره، حيث إن غاب المنطق يحضر المشروع، وإن تغيب المشروع تستدعى التجربة والإبتكار، وهكذا دواليك تستمر إنتاجية تاريخ إنساني متجانس. 

مشاركة :