الفتن تتكاثر كالجراثيم

  • 7/14/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وكأن ما يجتاح العالم العربي لا يكفيه من فتن وحروب مهلكة، وكأن الأيدي والأجهزة التي تخطط لتدمير ما هو قائم عربياً بالاستعانة بما هو نائم من محفزات الفتن المناطقية المذهبية الطائفية والعرقية والقبلية والسياسية ليس ساحقاً ماحقاً بعد، فصار هناك كتالوج لمن يريد إثارة الفتن، ودليل يدله على نيل الأرب في تدمير بلاد العرب. فبعد الفتن القبلية في ليبيا والطائفية السياسية في سوريا والمناطقية المذهبية القبلية في اليمن والسياسية الحزبية في فلسطين والمذهبية في العراق وكل ذلك في لبنان، الذي مازال يكبت مفاعلات التفجير ربما لأنه جرّبها وكان أول الضحايا ولم يتعاف منها بعد إلا قليلاً، تنفجر الآن الفتنة في الجزائر بين المالكية العرب والأباضية الأمازيغ، أو ما يسميه البعض البربر، وهي تسمية رومانية كانت تطلق على العدو لوصفه بالوحشية وأطلقوها على الأمازيغ عند احتلالهم الجزائر ولم يحاول أحد إلغاءها. والجديد في أحداث الفتنة المصغرة في الجزائر التي نجحت خلال السنوات الماضية في مواجهة بواكير الإرهاب الجهادي الذي وصلها مع عودة "لعرب الأفغان" من جهادهم الأمريكي ضد الملاحدة السوفييت ونفذوا مجازر وأشاعوا الإرهاب في الجزائر، هو أن هناك من يحاول نقل الفتنة بثوب جديد، فإن لم ينجح عرقياً يحاول مذهبياً، أي بين المالكي والأباضي، وربما لاحقاً بين الشافعي والحنبلي أو الحنفي وهلم جرّا. ولعل النظام العربي منذ بداية قيام الدول العربية هو المسؤول عن قلة التوعية في هذا المجال لكي تتعايش الأعراق والقبائل والمذاهب والأديان جنباً إلى جنب في الوطن الواحد من دون فتن وقنابل موقوتة يفجرها من يريد شراً في وقته المناسب. شخصياً لم أكتشف كوني شافعياً سنياً إلا في وقت متأخر بعد الثلاثين من العمر، عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في العام 1979 وسألت زميلاً عراقياً في الكويت عن انتمائه المذهبي فصمت، وعلمت لاحقاً بأن النظام العراقي كان يحرم المذهبية بحزم، وقال: إنه لا يعرف. لكنني اكتشفت لاحقاً أنه يخشى من الإفصاح وسألني، وأنت: فقلت لا أعرف. ولما سألت الأكبر سناً قال أحدهم نحن شافعيون على مذهب الإمام الشافعي، وكنت قبل ذلك أظن الشافعي مجرد صوفي شاعر له قصائد فلسفية إنسانية فقط. وعند دراسة المذاهب السنية تجد خلاصة قالها كل مؤسسي المذاهب، وهي أن كل ما عبروا عنه مجرد اجتهادات تقبل الخطأ والصواب، ولكن الطامة الكبرى أن التطرف يحتسب نفسه على صواب وينسى الخطأ، وهذه هي النافذة التي يتسلل منها دعاة الفتنة. فلا يعقل مثلاً أن الاستعمار فشل في ذروة جبروته في إشعال الفتنة بين العرب والأمازيغ وينجح الآن في إثارتها تحت مسمى مذهبي في أكبر دولة تضم الأمازيغ كالجزائر. فالاستعمار هو أول من حاول بث الفتن بين الأديان عربياً، ثم الأعراق، ولكنه لم ينتبه إلى سلاح المذاهب، لكن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين انتبه لذلك فصار يكتب في بطاقة الهوية للعرب الفلسطينيين مسيحي أو مسلم أو بدوي أو درزي أو شركسي، وهو تقسيم طبقي وعرقي ومذهبي وديني يمكنه من استغلاله لبث الفرقة كلما أراد. وفي مرحلة القحط الحالية المسماة الربيع العربي، ساهم النظام العربي ببنيته السياسية أو الدينية أو المذهبية، في منح المتآمرين على العالم العربي ودولهم أسلحة إضافية لشق الصفوف وبث بذور الفتن التي تستعر نيرانها في كل مكان، إلا ما سلّم الله. بمعنى آخر، نحن نساهم مع القتلة ونعطيهم السيوف ليجزّوا رقابنا، وحتى عند معالجة الفتن وأسبابها في التاريخ نوظفها بطريقة تحفز عليها ولا ترمي إلى علاجها، مع أن التاريخ يغص بالعبر وسبل الخلاص من الفتن وشرورها. إذ قال ابن خلدون في مقدمته إن الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات، وحتى قبل الفتنة الكبرى بعد مقتل الخليفة عثمان كان الصحابي حذيفة النعمان حذر من الفتن وقال أيحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر، فإن كان يرى حراماً ما كان يراه حلالاً أو يرى حلالاً ما كان يراه حراماً فقد أصابته، فيما أصاب أيضاً الإمام علي، كرم الله وجهه، عندما قال كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب، ولعل المشاركة في الفتن حالياً هي كما قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، القاتل فيها والمقتول في النار. ولذا أعجب من الهرولة الشعبية والرسمية نحو الفتن من مكان إلى آخر طالما أن نهايتها الجحيم وخدمة مجانية لأعداء الأمة. فالفتنة في منطقة غرداية قد تبدأ أباضية مالكية لكن هناك من سيحولها إلى عربية أمازيغية تشمل المغرب الكبير، وكل الاحتمالات واردة. لأن الفتن تتكاثر بالانقسام كالجراثيم. hafezbargo@hotmail.com

مشاركة :