دائماً ما يقصد المشرع الارتقاء بالمنظومة القانونية والقضائية على السواء، إذ إنها عماد المجتمع، وبها تستقر أحوال الدولة، فأي خلل يعتري هذا النظام من شأنه أن يجر إلى مفسدة على البلاد والعباد، فهذه سنة الله في خلقه، ولذلك عمد المشرع، وهو ولي الأمر، إلى إقرار قوانين وأنظمة، وعيّن لذلك قضاة وأصحاب خبرات لكي يرصدوا بالفصل في هذه المنازعات بين الناس، ويواجهوها بما لديهم من خبرة وعلم. ونحن في دولة الإمارات نص دستورنا على احترام القانون وخصص مواد تتعلق بالسلطة القضائية ومنحها الحق للفصل بين الناس بالعدل. ومع تزايد المحاكم وأعداد الناس ومشاكلهم رأى المشرع أن يعجل في شؤون التقاضي، إيماناً منه بأن العدالة الناجزة أمر جد ضروري في إحقاق الحق وإرجاع الحق لأصحابه، فكما تعارف الناس على أن العدل البطيء هو أشد أنواع الظلم. ومن هذه الوسائل التي عمد المشرع إلى إقرارها واعتمادها في سبيل الإنجاز هي مراكز فض المنازعات الإيجارية في كل إمارة على حدة، وربما يظن البعض أن مثل هذه المراكز تختص بالمنازعات البسيطة المتعلقة بالإيجارات، ويغيب عن مظنتهم أن دولة الإمارات دولة تجارية بالمقام الأول، وأن المنازعات الإيجارية يصل بعضها إلى مئات الملايين. فضلاً عن أن مفهوم البساطة يختلف من شخص إلى آخر، فربما من اعتبر العشرة آلاف درهم مبلغاً زهيداً عده الآخر ثروة كبيرة، ولا مناص من أن المشرع الإماراتي خصص لمثل هذه المبالغ إجراءات معينة في قانون الإجراءات المدنية وتعديلاته؛ فلا لزوم لإجراءات استثنائية تختص بها لجان غير عادية. بعض مراكز فض المنازعات التجارية تفرض قواعد معينة، وتترك فيها صلاحيات لرئيس المركز، التي أصبحت، احياناً، مقياساً فردياً للتعامل مع المتقاضين، فهذا يُعفى من تنفيذ اشتراطات الاستئناف بإيداع نصف المبلغ المحكوم به، وآخر لا يعفى، ودعاوى يمدد الفصل فيها مرات عديدة ولمدد طويلة دون ضوابط واضحة، والحال أن المادة (16) من القانون المنشأ للمركز يوجب الفصل في الدعوى الإيجارية خلال مدة لا تزيد على (30) يوماً من تاريخ إحالة ملف الدعوى إلى اللجنة القضائية؛ ودعاوى تعرض على إدارة التوفيق والصلح بالمركز لمحاولة حلها بشكل ودي، ودعاوى لا تعرض، والحال أن المادة (10) من المرسوم المنشأ للمركز توجب عرض كل الدعاوى المسجلة بالمركز على إدارة التوفيق والصلح أولاً قبل عرضها على اللجان القضائية. هناك تناقضات عديدة بموجب صلاحيات مفتوحة وغير محددة أو محصورة، وليس لها مقومات معينة، تدعو إلى استشعار الفارق بين المتقاضين. عدا عن ذلك، فإن الاحكام وإن جاءت على مرحلتين كسابقتها، إلا أن أحكامها غير قابلة للنقض أو الطعن بالتمييز، وغير قابلة للعرض على إدارة التفتيش القضائي، لكي يستشعر القاضي في هذا المركز أو ذاك مسؤوليته أمام الجهة التي تقيّم أداءه، فضلاً عن أنه لا سلطان للنائب العام على الأحكام التي تصدر عنها بمخالفة القانون، وهو ما يعرف بالطعن لمصلحة القانون من قبل النائب العام في القضايا التي تخالف صحيح الحق والقانون، ولا يَرِد عليها اشتراطات مخاصمة القضاة إذا ما تبين وجوب ردهم بمخاصمة أو ما شابهه. أقترح هنا حتى لا يُبنى مقالي على النقد فقط، وذلك من خلال عرض حل ناجز وجذري لمثل هذه المشكلة التي عانينا منها طويلاً، أن يصار إلى إنشاء دائرة في المحكمة العادية تختص بنظر المنازعات الإيجارية وتُطبق عليها جميع قواعد وأحكام قانون الإجراءات المدنية.
مشاركة :