تربط فرنسا والمملكة العربية السعودية شراكة استراتيجية فعلية تتسّم اليوم بزخم جديد. منذ اللقاء الأوّل الذي جمع جلالة الملك فيصل والجنرال ديغول عام 1967، تمرّ هذه العلاقات أوّلاً عبر اتصالات شخصية على أعلى المستويات. لا يزال هذا التقليد قوّيا: قام فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية بأربع زيارات إلى المملكة منذ انتخابه. اتسمّت الزيارة التي قام بها يومي 4 و5 مايو/أيار 2015 بأهمية خاصة: برفقة معالي وزير الخارجية والتنمية الدولية، السيد لوران فابيوس، ومعالي وزير الدفاع السيد جان-إيف لو دريان، تشّرف الرئيس بمقابلة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، في أجواء صداقة وثقة. كان رئيس الجمهورية ضيف شرف قمّة مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتاريخ 5 مايو/أيار وهذا دلالة على الدور الجوهري الذي تلعبه فرنسا. لقدّ أبرزت هذه الزيارة تعزيزاً جديداً لشراكتنا الاستراتيجية في جميع القطاعات. على الصعيد السياسي، إن مواقفنا متطابقة بشكل واسع ونعمل سوية من أجل استقرار الشرق الأوسط: إنّنا منخرطون بتصميم في مكافحة الإرهاب، لا سيما داعش، ونقف إلى جانب الشعب السوري ونرّوج دون هوادة لعملية سلمية عادلة في الشرق الأدنى ونحرص بأقصى الحذر على أمن الخليج الذي ينبغي أن يبقى منطقة خالية من الأسلحة النووية. ندعم الجهود التي تبذلها السلطات اليمنية الشرعية من أجل إعادة الاستقرار إلى البلد في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2216. وأخيراً، ندافع بصرامة عن سيادة لبنان. في مجال الدفاع والأمن المشترك ومكافحة الإرهاب، تربط بلدانا علاقات تعاون قديمة. تتبلور هذه العلاقات لا سيما من خلال تنظيم تدريبات عسكرية وتمارين مشتركة تضحى أكثر فأكثر طموحاً. إن القوّات السعودية مجّهزة بمعدّات عسكرية فرنسية تستخدمها أيضاً الجيوش الفرنسية وبرهنت هذه المعدّات عن فعاليتها. على الصعيد الاقتصادي، تتمحور علاقاتنا حول مصالح مشتركة. إن المملكة العربية السعودية هي شريك فرنسا التجاري الأول ضمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. أمّا فرنسا، فهي المستثمر الأجنبي الثالث في المملكة. في هذا القطاع، يعود الدور الأوّل، بطبيعة الحال، إلى الشركات. وقّعت الشركات الفرنسية عقوداً مهمةً في مجالات معالجة المياه والكهرباء والنقل. إن شركاتنا ناشطة أيضاً في قطاعات الصحة والبيع بالتجزئة والطاقة والفندقية ومجال الفخامة، إلخ. إن أهميّة تعزيز علاقاتنا في قطاعات المال والاقتصاد والتجارة وبشكل خاص في زيادة الاستثمارات الاستراتيجية المفيدة لبلدينا في جميع المجالات، لا سيما النقل والطاقة والصحة والطيران المدني وصناعة الأقمار، موضوع تمّ التشديد عليه بمناسبة الزيارة التي قام بها فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية يومي 4 و5 مايو/أيار 2015. في هذه المناسبة، تمّ إنشاء لجنة تنفيذ مشتركة تحت رئاسة صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ورئاسة معالي وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسي، السيد لوران فابيوس. عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول في باريس بتاريخ 24 يونيو/حزيران الماضي. في هذه المناسبة، تمّ التوقيع على عدد من الاتفاقات والعقود المهمة في مجالات شتّى. سينعقد الاجتماع المقبل في الرياض بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول بالتزامن مع انعقاد منتدى الأعمال الفرنسي-السعودي الثاني. تمّ أيضاً الاتفاق على إنشاء آلية من أجل الاستثمار في الشركات الفرنسية، تتيح تنويع الاستثمارات السعودية. إن البيئة هي أيضاً مكمن قلق مشترك. نعمل سوية من أجل ضمان نجاح المؤتمر المخصّص للتغييرات المناخية الذي سينعقد في باريس في نهاية هذا العام. في هذا الصدد، يأمل بلدانا تطوير شراكة صناعية مستديمة في مجال الطاقة أكانت نووية أو شمسية. تمثلّ أيضاً فرنسا واجهة سياحية يقدّرها السعوديون للغاية. فمن أجل تشجيع هذه الرغبة بفرنسا، قرّرت منح المواطنين السعوديين الذين يتقدّمون بطلب في هذا الصدد تأشيرة دخول طويلة الأمد. أمّا الثقافة فهي جوهرية في تبادلاتنا. إن عدد المبتعثين السعوديين إلى فرنسا في زيادة مطردة. تنمو العلاقات بين الجامعات الفرنسية والسعودية، وبشكل خاص في المجال العلمي. إنّنا نطوّر أيضاً تعاوناً من أجل مواكبة تحديث الإدارة في المملكة. إضافة إلى ذلك، نساهم في إظهار قيمة التراث السعودي من خلال مشاريع حماية بعض المواقع الأثرية ومن خلال البعثات الأثرية. وأخيراً، علينا أن نذكّر بالمعرض المهام حول روائع المملكة التراثية الذي تمّ تنظيمه في متحف اللوفر في باريس عام 2010 بل أيضاً بافتتاح عام 2012 قسم الفنون الإسلامية في هذا المتحف، والذي موّله جزئياً صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود. علاوة على ذلك، فإن سفارة فرنسا لدى المملكة تقدمّ برامج ثقافية متنوّعة وثرية. أريد أن أذكر بالدور الأساسي الذي يلعبه الفرنسيون المقيمون في المملكة، في العلاقات الفرنسية-السعودية، مهما كان قطاع عملهم. أريد أيضاً أن أشيد بنشاط أصدقائنا السعوديين المنخرطين منذ عقود للبعض منهم، في خدمة الصداقة بين بلدينا. أوّد في النهاية أن أشيد بتطوّر المملكة. فمنذ استلام مهامي قبل حوالي ثماني سنوات، كنت شاهداً على الطفرة التنموية والتحديثية في المملكة التي بقيت مخلصة لأصالتها. يكمن طموحنا المتواضع في مواكبة المملكة على هذا الدرب تحت إشراف مقام خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. يساهم بذلك تعاوننا في جميع القطاعات. إن التطوّر السريع الذي يشهده العالم اليوم، وخاصة الشرق الأوسط، يؤكّد، أكثر من أيّ وقت مضى، ضرورة مواصلة هذه العلاقة القوية والمستديمة والوديّة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا. *سفير فرنسا لدى المملكة
مشاركة :